الأسد يصل جدة للمشاركة في القمة العربية بعد 12 عاما من الغياب

أبو الغيط يؤكد أن خطوة إعادة سوريا إلى الجامعة العربية هي سعي عربي لتسهيل عملية حل الأزمة في سوريا.
دمشق تدشن مرحلة جديدة بعودتها إلى الحضن العربي
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون يتغيّب عن القمة العربية بجدة

 الرياض - وصل الرئيس السوري بشار الأسد اليوم الخميس إلى مدينة جدة السعودية لحضور القمة العربية التي تنعقد الجمعة، وفق ما أعلنته الرئاسة السورية، واضعا بذلك حدّا للترجيحات بعدم مشاركته، فيما ينتظر أن يعطي حضوره دفعة قوية لجهود فكّ عزلة دمشق وبالتالي تتويج المساعي الدبلوماسية العربية المتسارعة منذ مدة لطيّ صفحة الأزمة السورية.

وقال التلفزيون السوري إن الأسد وصل "إلى مطار الملك عبدالعزيز الدولي في مدينة جدة للمشاركة في أعمال الدورة الثانية والثلاثين لاجتماع مجلس جامعة الدول العربية" المرتقبة الجمعة.

وأفادت وكالة الأنباء السعودية الرسمية "واس" أنه كان في استقباله في مطار الملك عبدالعزيز الدولي، نائب أمير منطقة مكة المكرمة الأمير بدر بن سلطان بن عبدالعزيز والأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط وأمين محافظة جدة صالح بن علي التركي ومدير شرطة منطقة مكة اللواء صالح الجابري ووكيل المراسم الملكية فهد الصهيل.

وبثّت قناة الإخبارية السعودية الرسمية مشاهد ظهر فيها الأسد وهو ينزل من الطائرة ويصافح مستقبليه مبتسمًا.

وبدأ قادة عرب في التوافد على جدّة للمشاركة في القمة الثانية والثلاثين والتي تجمع كافة المؤشرات على أنها ستكون استثنائية بالنظر إلى الملفات المطروحة على جدول أعمالها، فضلا عن الأجواء التي تعيشها المنطقة إثر عودة سوريا إلى الحاضنة العربية.

ووصل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اليوم الخميس إلى المدينة المطلة على البحر الأحمر، بينما أعلن كل من عاهل البحرين الملك حمد بن عيسى آل خليفة وولي عهد الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح مشاركتهما في القمة، بحسب وكالتي أنباء البلدين.

ويترأس العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز قمة جدة ومن المتوقع أن يكون مستوى التمثيل فيها رفيعا، في ضوء محاولات تصفير الأزمات العربية.

القادة العرب يتوافدون على جدّة للمشاركة في القمة العربية
القادة العرب يتوافدون على جدّة للمشاركة في القمة العربية

وتتويجا لحراك عربي قادته السعودية ومصر والأردن أعلنت الجامعة العربية في 7 مايو/أيار الجاري إنهاء تجميد مقعد دمشق لنحو 12 عاما على خلفية قمع عسكري لاحتجاجات شعبية طالبت بتداول سلمي لسلطة، مع تأكيدها على "ضرورة حل الأزمة السورية وفقا لمقاربة خطوة مقابل خطوة".

وقال الأمين العام للجامعة أحمد أبوالغيط في تصريح إعلامي اليوم الخميس إن  "قرار إعادة سوريا إلى الحضن العربي لا يعني استئناف العلاقات بين جميع الدول العربية وسوريا، والأمر متروك لكل دولة لتقرير ذلك وفق رؤيتها".

وأضاف أن "خطوة إعادة سوريا إلى الجامعة هي سعي عربي لتسهيل عملية حل الأزمة في سوريا.. قمة جدة تشهد عودة سوريا بعضوية كاملة في الجامعة"، مشددا على أن "دمشق قبلت أن تكون عودتها للجامعة العربية جزءا من سياق الحل لأزمتها".

بدوره قال الأمين العام المساعد لجامعة الدول العربية حسام زكي إن "عودة سوريا إلى اجتماعات جامعة الدول العربية تدشن لمرحلة جديدة من التعامل مع الوضع في سوريا"، مشددا على "ضرورة أن يكون هناك إسهام عربي ملموس لاستعادة الأمن والاستقرار في هذا البلد العربي ومساعدته على التعامل مع جميع المشكلات التي تواجهه جراء المرحلة السابقة"، وفق وكالة "سانا" السورية.

وأعرب عن أمله في أن "تشكل قرارات القمة العربية دفعة للعمل العربي المشترك ومحاولة للإسهام في تسوية النزاعات القائمة والتخفيف من وطئتها"، وفق المصدر نفسه.

ويتغيب عن قمة جدة الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ليمثله الوزير الأول أيمن بن عبدالرحمن سيمثل الجزائر.

ووصف مراقبون القمة السابقة التي احتضنتها الجزائر بـ"قمة الفشل"، إذ أخفقت في لمّ الشمل مثلما سوّقت له الجزائر، فيما لم يحمل بيانها الختامي أي جديد، باستثناء إعلان دعم قرار الكارتل النفطي أوبك+ وشعارات دعم القضية الفلسطينية.

وقطعت السعودية ودول عربية أخرى علاقاتها مع حكومة الأسد في عام 2012 ردا على حملة قمع الاحتجاجات ضد النظام التي تطورت الى حرب أهلية أودت بحياة أكثر من 500 ألف شخص وشرّدت الملايين داخل وخارج سوريا.

وبدأت الخطوات المؤدية إلى إعادة سوريا إلى الحاضنة العربية في العام 2018 حين أعادت الإمارات المتحدة العلاقات مع دمشق، لكن العملية برمتها تسارعت بعد الزلزال الكبير الذي ضرب سوريا وتركيا في فبراير/شباط الفائت، ما أدى إلى تدفق المساعدات من المنطقة.

وخلال ذروة النزاع، أيّد المسؤولون السعوديون علناً فكرة الإطاحة بالأسد، لكن بعد الزلزال، صرّح وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن هناك إجماعًا في العالم العربي على أن "نهجًا جديدًا" حيال سوريا يتطلّب مفاوضات مع دمشق، سيكون ضروريًا لمعالجة الأزمات الإنسانية.

وقد تبادل وزيرا خارجية البلدين الزيارات منذ ذلك الحين، في حين ضغطت الرياض بشدة من أجل دعوة الأسد لحضور قمة الجمعة في جدة.

انقسام في صفوف السوريين بالسعودية بشأن قدوم الأسد
انقسام في صفوف السوريين بالسعودية بشأن قدوم الأسد

وبعد أيام من تأكيد الدوحة تمسكها بموقفها المقاطع للنظام السوري، أكد وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني الأربعاء أن بلاده لا تريد "الخروج عن الإجماع بعودة سوريا للجامعة.. ولكل دولة قرارها".
ويأمل العديد من السوريين المتواجدين في السعودية في أن تفضي هذه الخطوة التي تنهي عزلة الأسد بعد أكثر من عشر سنوات على تعليق عضوية بلاده في جامعة الدول العربية، في تخفيف عزلة سوريا والصعوبات الاقتصادية المرتبطة بها منذ بدء الحرب فيها في العام 2011.

في مقهى "دامسكو" في الرياض، مظاهر كثيرة من الثقافة والتقاليد السورية: من الفول المدمس إلى الأغاني الشعبية التي تصدح من مكبّرات الصوت وصولا الى الروّاد الذين ينقسمون حول مشاركة الرئيس السوري بشار الأسد في القمة العربية المرتقبة الجمعة، ما يعكس حال البلاد التي تمزقها الحرب منذ أكثر من 12 عاما.

ووظّفت إدارة المقهى شخصا يشبه الممثل الكوميدي السوري المحبوب دريد لحام، يقضي معظم مناوبته في التقاط صور "سلفي" مع الزبائن. لكن هذه الوحدة في الحنين إلى الوطن لا تنعكس على الموقف من قدوم الأسد إلى السعودية التي يصفها السوريون المغتربون بـ"بلدهم الثاني"، لحضور القمة العربية.

وتقول السورية هبة صيداوي (37 عاما) "كنا ننتظر هذه اللحظة"، مضيفة "من العذاب الآن زيارة بلدنا ورؤية أهلنا. لم تحقّق الحرب أي شيء".

ومع توقّف الطيران المباشر بين البلدين لسنين، اضطر آلاف السوريين في السعودية لتحمّل مشقة السفر لساعات أطول بتكلفة أكبر لزيارة أسرهم.

لكن فاطمة تعتبر أن زيارة الأسد تثير آمالا في عودة الأمور إلى طبيعتها قبل الحرب، على الرغم من عدم وجود حل سياسي للنزاع السوري، قائلة "المشكلة الرئيسية هي السفر والاستيراد والاستثمار. هذه كلها أشياء أغلقت"، مضيفة "الآن سوف تعود إلى طبيعتها وسوف تتحسّن الأمور".

ويشارك أحمد عبدالوهاب الذي يقدم عرضًا في المقهى فاطمة تفاؤلها، قائلا "في الماضي تُركنا وحدنا... الآن نعود معا"، في إشارة إلى جامعة الدول العربية، لكنه يشدّد على أن عودة سوريا لا تقضي على آلام السنوات الـ12 الماضية. ويقول وهو يغالب دموعه، "أي سوريّ عندما تتحدث معه عن وطنه ترى الدموع في عيونه".