الأصولية الإيرانية والسياسة: نظام إلهي يقوده أصحاب العمائم

عندما حاول آية الله حسين منتظرى فى فبراير 1989 تصميم خريطة سياسية جديدة تكون متوافقة مع المعارضة داخلياً والغرب خارجياً تم اعتقاله بعد أن كان مرشحاً لخلافة آية الله الخمينى فقدم استقالته فى 28 مارس من ذلك العام نفسه.

بقلم: مراد وهبة

الأسلمة هى غاية الثورة الإيرانية، ومع ذلك قيل على الضد من ذلك وهو أن هذه الثورة كانت فى البداية علمانية ثم اختطفها الأصوليون. ولا أدل على صحة هذا القول من أن آية الله الخمينى كان غامضاً فى أحاديثه وعظاته قبل الاستيلاء على السلطة، إذ كان يخشى التصريح بما يضمره فيفقد التأييد والمؤازرة.

لا أدل على ذلك أيضاً من أنه، إثر إعلان الثورة، تفرغ لكتابة الدستور الإسلامى تحت شعار «ولاية الفقيه» الذى يشير إلى تأسيس نظام إلهى يؤدى فيه الفقهاء الدور الرئيسي فى الحكومة والبرلمان مع إقصاء العلمانيين من جميع وظائف الدولة وإدماج الجماهير المناوئة للنخبة المثقفة العلمانية التى كانت تمارس سلطتها تحت رعاية الشاه محمد رضا بهلوى، الأمر الذى دفع مليونين من النخبة إلى الفرار من إيران والالتجاء إلى الغرب. ومن هنا أعلنت الثورة أن «الشيطان الكبير» هو الغرب، لأنه كان مدعماً للشاه.

المفارقة هنا أن دستور ولاية الفقيه كان متأثراً فى صياغته بالدستور الفرنسى ولكن بلون إسلامى مثال ذلك: السلطة الوطنية محكومة بسلطة الشعب التى يمارسها ممثلوها الذين يفوزون فى الانتخابات بالعضوية البرلمانية. هذا ما جاء فى الدستور الفرنسى أما فى دستور ولاية الفقيه فالسلطة الوطنية محكومة بسلطة الله، إذ هو وحده الذى يحدد مصائر البشر، ومن ثم فلا ممثلون عن الشعب بالانتخاب. وفى مادة حقوق الإنسان الصياغة فرنسية ولكن بلون إسلامى حيث الحقوق المشروعة هى الحقوق التى يقال عنها إنها حقوق إسلامية مع أن هذه الحقوق ليس لها علاقة بالدين أيا كان.

تأسيساً على ذلك يمكن القول إن الفقهاء، فى التسعينيات من القرن العشرين، قد تحكموا فى جميع المناصب الرئيسية، ومن ثم توارت مكتسبات المرأة التى نالتها فى زمن الشاه، وبالتالى انحصرت مسؤوليتها فى رعاية الزوج والأطفال، كما توارت البهائية. ومن هنا حقق الأصوليون فى إيران تقدماً باهراً فى أسلمة القوانين. ومع ذلك تضاعفت السلبيات وفى المقدمة سلبيتان:

  •  أولا: ازدياد عدد السكان إلى الحد الذى أصبح عائقاً خطراً أمام التنمية، وفى هذا السياق اضطر النظام إلى الدعوة إلى تنظيم النسل.
  •  ثانياً: هجرة التكنوقراط والنخبة إلى الحد الذى فيه اضطر النظام إلى الدعوة إلى الانفتاح الاقتصادى من أجل عودتهم ومن أجل جذب الاستثمارات من أوروبا واليابان. وقد ترتب على هاتين السلبيتين أن الأصولية الإيرانية لم تعد جاذبة للأصوليين من بلدان أخرى، هذا بالإضافة إلى أن مذهب الاثنى عشرية الذى تدين به الأصولية لم يكن قادراً على تصديره إلى بلدان أهل السُنة من العالم الإسلامى.

عندما حاول آية الله منتظرى فى فبراير 1989 تصميم خريطة سياسية جديدة تكون متوافقة مع المعارضة داخلياً والغرب خارجياً تم اعتقاله بعد أن كان مرشحاً لخلافة آية الله الخمينى فقدم استقالته فى 28 مارس من ذلك العام نفسه.

فى هذا العام، عام 2018، يكون من حقنا التساؤل عن مصير الأصولية الإيرانية إثر تهديد الرئيس ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووى الذى كان قد أبرم مع الرئيس السابق أوباما المأثور عنه بأنه حليف الأصولية الإسلامية على تنوعها.