الألغام .. العدو الخفي
د. هند عبدالحليم محفوظ
في دراسة حديثة صادرة عن الهيئة المصرية العامة للكتاب تحت عنوان "الألغام عدو خفي" للباحثين الدكتور ممدوح عطية والدكتورة أماني قنصوة يناقش الكتاب خطورة مشكلة الألغام التي تعد من الأسلحة الفتاكة والتي لها تأثير طويل الأمد على الشعوب عقب انتهاء الحرب بعقود طويلة، فهي تحول دون تطوير المساحات التي بها حقول للألغام، وتعرض البشر وثرواتهم الحيوانية لأخطار لا يزول أثرها عبر السنوات، وأكثر الناس تأثراً هم البدو الرحل والرعاة والفلاحون المقيمون في القرى التي تقع على حدود الصحراء، والبادية وبالطبع ثرواتهم الحيوانية.
وقد استقر حلف شمال الأطلنطي على تعريف محدد للغم بأنه شحنة شظايا موجهة يمكن نسفها بفعل ضحيتها بمرور الوقت. ويرى العسكريون أن اللغم شراك خداعي مثل اللغم المضاد للأفراد الذي يتم وضعه تحت سلك اعتراضي مصمم لاصطياد الضحية التي تحاول فك اللغم عندما ينصرف انتباهها عن الأرض، بينما تقوم بتتبع السلك. وهناك اللغم الروسي الصنع والمعروف باسم (أس 3) والذي يطلق عليه "اللغم المباغت" ويعمل بالضغط. ويصل عددها إلى أكثر من 110 ملايين لغم منتشرة في 70 دولة في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية وأوروبا. كما يصل مخزون العالم من الألغام قرابة 250 مليون لغم في 80 دولة وعلى رأسها الدول المصنعة للألغام مثل الولايات المتحدة وروسيا والصين والهند وباكستان.
خلال العقود الأخيرة بذلت جهود دولية وغير حكومية من قبل منظمات عالمية شتى لمواجهة الألغام الأرضية في العالم، بدأت منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي
واستخدام الألغام لا يقتصر على الجيوش النظامية، وإنما يشمل أيضاً جماعات المتمردين والفاعلين غير الحكوميين.
ويشير الكتاب إلى عدد من الاعتبارات التي تفسر الإقبال الشديد على حيازة وزرع الألغام الأرضية منها: سهولة تصنيعها، وسهولة الحصول عليها من مصادر التوريد الخارجية، كما تستخدم لسد العجز في نقص القوات. كما يسهل استخدامها دون الحاجة إلى مهارات فنية عالية، كما أنها رخيصة الثمن، إذ يتراوح سعر اللغم الواحد ما بين 3 إلى30 دولاراً.
أما ضحايا الألغام وعددهم 26 ألف ضحية سنوياً 80% منهم مدنيون على مستوى العالم وهناك 11 دولة هي الأكثر تضرراً من وجود الألغام على أراضيها، وتأتي كمبوديا على رأس قائمة هذه الدول حيث يوجد بها 15 مليون لغم أرضي، وهناك مصاب بين كل 384 مواطن كمبودي وباقي القائمة تضم: أفغانستان (10 مليون لغم)، أنجولا (14 مليون لغم) البوسنة والهرسك (3 ملايين لغم)، كرواتيا (3 ملايين لغم)، أريتريا (مليون لغم) العراق (10 ملايين لغم)، موزمبيق (3 ملايين لغم)، الصومال (مليون لغم)، السودان (مليون لغم)، فيتنام (4 ملايين لغم).
وتأتي مصر كأكبر دولة في العالم من حيث حجم الألغام الموجودة بها والتي تم زرعها إبان الحرب العالمية الثانية (1939 – 1945) وقامت بزرعها القوات المتحالفة مع آنذاك وهي: إنجلترا، وفرنسا وروسيا وأميركا والتي تبلغ 22,7 مليون لغم بما يعادل 20% من الألغام على مستوى العالم وأكثر من 50 % من الألغام بالقارة الأفريقية. ويشير تقرير بعثة الأمم المتحدة لتقصي الحقائق أن عدد الألغام في الصحراء الغربية فقط 19,7 مليون لغم منها 25 % ألغاماً حقيقية، و75% عبارة عن ذخائر حربية.
وتكمن الخطورة هنا في أنه بعد مرور تلك العقود من الزمن تحولت الألغام المضادة للدبابات إلى ألغام مضادة للأفراد، وذلك بفعل عوامل التعرية وتغير التضاريس وتحرك الرمال. وتشير الأرقام الرسمية المصرية التي وردت بالتقرير البرلماني إلى أن مصر كان بها 34 مليون لغم، تمكنت القوات المسلحة المصرية من إزالة 11 مليون خلال الفترة الماضية. وتسبب وجود الألغام في مصر في توقف استصلاح قرابة مليون فدان صالحة للزراعة وعرقلة تنفيذ العديد من المشروعات القومية منها مشروع منخفض القطارة، وهو مشروع يعادل مشروع السد العالي في أهميته، كما أن منطقة الساحل الشمالي الغربي تتمتع بثروات هائلة من البترول والغاز الطبيعي والمعادن التي يتم استيرادها حالياً في حين أن هذا المخزون الذي يقدر بـ 14% من الإنتاج الكلي يمكن مصر من الاكتفاء الذاتي وإمكانية التصدير لولا وجود الألغام، كما تعذر الاستفادة من شواطيء مطروح بشكل استثماري وإقامة مشاريع سياحية على أراضيها. وبلغ ضحايا الألغام في مصر منذ العام 1982 في نطاق الصحراء الغربية فقط 8313 فرداً منهم 696 قتيلاً و7617 جريحاً، مما يسبب آثاراً نفسية واجتماعية على الأشخاص المصابين وتحولهم إلى أفراد معاقين ومشوهين وغير قادرين على العمل والعطاء وأكثر الضحايا من المواطنين الأبرياء خاصة الأطفال والنساء. كما بلغت الحالات المسجلة لانفجار الألغام أكثر من خمسين حادثة.

كما ترتفع عملية إزالة وتطهير الألغام، حي تحتاج هذه العملية إلى أكثر من 20 مليار دولار. فاللغم الواحد والذي تتكلف عملية زراعته 10 – 30 دولاراً، فإن تكلفة الكشف عن اللغم وإزاحته تتراوح ما بين 100 و1000 دولار.
والدول المتقدمة أقل معاناة في مشكلة الألغام من الدول النامية؛ لأنها تمتلك قدرات وكفاءة أكبر في التعامل مع مشكلة الألغام في حال اضطرارها إلى استخدام الألغام في العمليات الحربية أو في عمليات التأمين والدفاع، وبالذات في مجال الاحتفاظ بخرائط دقيقة لحقول الألغام وبرامج متكاملة للتوعية والعلاج ومساعدة الضحايا.
ولإزالة الألغام أثناء الحروب يقوم الجنود بالزحف حذراً حتى تظهر علامة أن هذه المساحة هي حقل ألغام، وتكون عادة بانفجار في إحدى المعدات أو الجنود، ثم ينقبون الأرض بحراب بنادقهم فيضعون علامة على مكان اللغم، ويتم ذلك حتى يفتحون طريقاً آمناً ليمر جميع الرفاق.
أما بعد الحرب فعادة ما تتولى وحدات من المهندسين العسكريين مهام إزالة الألغام، في البداية يتم فتح طريق آمن بفعل كاسحات الألغام، ثم يأتي دور الفرق الهندسية الفنية التي تقوم بمسح المساحات بعد تقطيعها إلى مساحات منتظمة بأجهزة كشف المعادن والمتفجرات، ويتم التعامل مع الألغام كل على حدة، وهي عملية تنطوي على الكثير من الخطورة؛ إذ أنه في بعض الأحيان تكون الألغام شراكا خداعية على شكل لغمين فوق بعضهما البعض، ما إن يزال اللغم الأعلى حتى ينفجر الذي أسفله لأنه غير ظاهر، ولذلك فالخبرة مهمة جدا في هذا المجال.
وخلال العقود الأخيرة بذلت جهود دولية وغير حكومية من قبل منظمات عالمية شتى لمواجهة الألغام الأرضية في العالم، بدأت منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي. وقد استمرت الاجتماعات حتى وقعت 135 دولة في أوتاوا في ديسمبر/كانون الأول عام 1997 على المعاهدة الدولية لحظر استخدام الألغام المضادة للأفراد، التزم فيها الموقعون بالامتناع عن استخدام أو إنتاج أو تخزين أي ألغام مضادة للأفراد، وتطهير حقول الألغام خلال عشر سنوات، والتعاون مع الدول الملتزمة بذلك.