الأمطار تبث الحياة في أهوار العراق

الأراضي الزراعية في المناطق الوسطى والجنوبية تشهد بعد سنوات من الجفاف انتعاشا نسبيا.
رغم التحسن التدريجي البلاد ليس فيها كميات كافية لما تبقى من السنة

ذي قار (العراق) - عادت الجواميس السوداء تضرب بحوافرها المياه بين سيقان القصب في أهوار بلاد ما بين النهرين الأسطورية في جنوب العراق بعد أن أنعشتها قليلا أمطار شتوية أعادت البهجة للرعاة في هذه المنطقة المنكوبة بالجفاف.

فبعد سنوات من الجفاف تشهد الأهوار والأراضي الزراعية في المناطق الوسطى والجنوبية انتعاشا نسبيا بسبب ارتفاع منسوب المياه وانخفاض نسبة الأملاح الذائبة فيها بفضل الأمطار التي هطلت على العراق مؤخرا.

وكانت منظمة الجبايش للسياحة والبيئة في محافظة ذي قار جنوب العراق قد أعلنت في وقت سابق عن زيادة كبيرة بنسبة الإغمار المائي في الأهوار بعد موجة الأمطار الأخيرة التي هطلت على محافظات البلاد كافة.

ومن المتوقع أن تساهم هذه الأمطار في تعزيز تصاريف نهر دجلة وإيصالها إلى المحافظات الجنوبية لتلبية المتطلبات كافة وخصوصا الريّة الثانية من الزراعة الشتوية وتأمين المياه للمناطق التي عانت من الشح المائي وتعزيز هور الحويزة والأهوار الوسطى وهور أبو "زرگ" وتحسين بيئة شط العرب.

وعانت أهوار بلاد الرافدين التي أدرجت ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي من الجفاف الذي ضرب العراق خلال الصيف بسبب قلة الأمطار وانخفاض تدفق نهري دجلة والفرات بسبب السدود التي أقيمت في المنبع في تركيا وإيران المجاورتين.

لكن أهوار الجبايش التي تعد وجهة سياحية في محافظة ذي قار وأهوار الحويزة الواقعة على الحدود مع إيران استعادت أنفاسها وبين سيقان القصب والجزر الصغيرة المتناثرة يتقدم رحيم داود بقارب يدفعه بعصاه وسط المياه الممتدة على مساحة واسعة.

جواميس
الجواميس السوداء تضرب بحوافرها المياه من جديد

ويقول الرجل البالغ من العمر 58 عاما ويكسب رزقه من تربية الجاموس في أهوار الجبايش "جفت هذه المناطق خلال الصيف، لكن الآن مع المطر ارتفع منسوب المياه".

وفي أهوار الحويزة أو في الجبايش تم في الصيف الماضي رصد اختفاء مساحات شاسعة من الأراضي الرطبة التي حلت محلها تربة متصدعة تنتشر فيها شجيرات جافة.

وفي أكتوبر/تشرين الأول قال مسؤول في محافظة ذي قار الفقيرة والريفية إن 1200 عائلة غادرت الأهوار والمناطق الزراعية في جنوب العراق في غضون ستة أشهر بسبب قلة المياه، كما نفق 2053 جاموسا خلال الفترة نفسها.

واجه العراق للعام الثالث على التوالي موجة جفاف شديدة ودرجات حرارة لاذعة تجاوزت 50 درجة مئوية خلال صيف 2022.

وأقر المهندس حسين الكناني مدير عام مركز إنعاش الأهوار والأراضي الرطبة بتسجيل "تحسن تدريجي"، قائلا "تم استغلال مياه الأمطار وتحويلها من خلال الجداول والأنهار إلى الأهوار".

ولفت "ارتفع منسوب المياه في الجبايش بأكثر من 50 سم مقارنة بشهر ديسمبر /كانون الأول وأكثر من 30 سم في الحويزة".

ورصدت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في يوليو/تموز الانخفاض الحاد في مستوى المياه وأشارت إلى ما لذلك من "آثار كارثية على سبل عيش أكثر من ستة آلاف أسرة ريفية فقدت جواميسها التي تعد مصدر رزقها الوحيد".

وقالت الوكالة الأممية مطلع يناير/كانون الثاني إن الأمطار التي هطلت على منطقة الجبايش تعد بشرى خير، مؤكدة على أن انخفاض مستوى ملوحة المياه "أتاح لسكان الأهوار استخدام هذه المياه لهم ولحيواناتهم".

وأضافت في بيان "كان لهطول الأمطار تأثير إيجابي كبير، خاصة على مربي الجاموس فهو يمثل تحولا مهما في حياتهم بعد أن أصابهم اليأس جراء نقص مناسيب المياه وصولا إلى مستويات مقلقة".

لكن المهندس جاسم الأسدي مدير جمعية طبيعة العراق وهو من سكان الأهوار يشير مع ذلك إلى أن "المشكلة هي في الصيف القادم"، متابعا "الأمطار وحدها لا تكفي.. لا تأتينا كميات كافية من المياه من الجانب التركي والسدود الرئيسية في العراق ليس فيها كميات مناسبة وكافية لما تبقى من السنة".

وامتازت الأهوار قديما بوفرة مياهها وخصوبة أراضيها وتنوع حياتها الفطرية وخصوصا في نهاية فصل الشتاء وابتداء الربيع وهي موطن طبيعي للعديد من فصائل النباتات والحيوانات والطيور النادرة والأسماك، لكن في الوقت الحالي لم يبق الكثير من ذلك في تلك المنطقة التي تعود حضارتها إلى ما يزيد على 5000 عام تقريبا بحسب ما تم توثيقه عنها في الحضارة السومرية.

وتحولت الأهوار من أوفر مناطق العالم وأغناها إلى واحدة من أكثر المناطق تضررا من التغيرات المناخية والتدخل الجائر للإنسان لأسباب عديدة منها الرغبة في تجفيف بعض أجزائها بحجة التوسع في مساحة الأراضي الزراعية.