الأوروبيون عاجزون عن إنقاذ الاتفاق النووي الإيراني

التحرك الأوروبي اقتصر على إنشاء آلية "إنستكس" لتفادي العقوبات الأميركية على طهران لكن الشركات الكبرى عدلت عن استخدامها.

باريس - بالرغم من تمسكهم بالاتفاق النووي مع إيران، لم يكن بإمكان الأوروبيين يوما إنقاذ الوثيقة الموقعة عام 2015 بمواجهة الهيمنة الاقتصادية الساحقة للولايات المتحدة التي خرجت منها، برأي خبراء.

ورأى برونو تيرتريه من معهد الأبحاث الإستراتيجية أن "كل شيء بات محسوما بعد قرار دونالد ترامب" في 8 أيار/مايو 2019، حين أعلن الرئيس الأميركي سحب بلاده من طرف واحد من الاتفاق الموقع عام 2015 في فيينا بعد مفاوضات شاقة بهدف ضمان عدم حصول إيران على السلاح النووي.

وقال الدبلوماسي الفرنسي السابق دونيه بوشار إن "الأكثر واقعية أدركوا منذ الثامن من أيار/مايو 2018 أن أوروبا ستكون في مأزق وأن الشركات ستعدل عن المواجهة مع ترامب" رغم "الكلام الكثير" الصادر عن الأوروبيين.

وفي آخر التصريحات بهذا الصدد، أعلن وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان في مطلع أيار/مايو أن "الاتفاق ليست ميتا بالنسبة لنا"، مؤكدا أن الأوروبيين سيواصلون الالتزام ببنوده طالما أن طهران ملتزمة به أيضا.

لكن الخبيرة في الشؤون الإيرانية في معهد "إيسبي" الإيطالي للدراسات الجيوسياسية أناليزا بيرتيغيلا أوضحت أنه "لا يمكنني القول إن الاتفاق ميت، لكن من الواضح أنه في العناية الفائقة".

وأعلنت إيران أنها تعتزم تخطي الحد الذي وضعه الاتفاق لأنشطتها النووية، بعدما سئمت انتظار خطوات أوروبية بمواجهة الإدارة الأميركية، ما يوحي باتجاهها نحو احتمال التخلي عن التزاماتها.

وصرح وزير الخارجية الفرنسي السابق أوبير فيدرين الأربعاء، متحدثا لإذاعة فرنسا الدولية "إر إف إي" "القول إننا نبقي على الاتفاق أمر جيد بالمبدأ، لكنه غير ممكن لنا عمليا".

الواقع أن التحرك الأوروبي كان محدودا جدا بهذا الصدد، واقتصر على إنشاء آلية "إنستكس" التي تسمح للشركات الراغبة في مواصلة أنشطتها في إيران بتفادي العقوبات الأميركية.

وعلق السفير السابق راكيش سود الذي يعمل حاليا في مكتب الدراسات الهندي "أوبزيرفر ريسيرتش فاونديشن" بالقول "الأمر الوحيد الذي أُنجز هو آلية إنستكس تلك الهزيلة"، فيما رأى بوشار أنها "مهزلة" و"غير مجدية".

ا

ووصفت بيرتيغيلا الآلية الأوروبية بأنها "غير مفيدة بمواجهة الهيمنة الاقتصادية الأميركية الهائلة على الأسواق المالية والاقتصاد العالمي".

ورأى سود أن الاتفاق النووي "يشكل تحديا للاتحاد الأوروبي، والطريقة التي تواجه فيها (المسألة) ستحدد ما إذا كانت لاعبا سياسيا جديا".

غير أن الشركات الأوروبية الكبرى عدلت الواحدة تلو الأخرى عن استخدام هذه الآلية لمواصلة التعامل مع إيران.

وقال بيرنهارد تراوتنر من المعهد الألماني للسياسة والتنمية إن "النتيجة الرئيسية للعقوبات هي نشر خوف وغموض غير واضحين. الغموض كما نعلم هو تحديدا ما يخشاه رجال الأعمال".

وهذا هو تحديدا السبب الرئيسي خلف عجز الأوروبيين، إذ يواجهون القوة الاقتصادية الأميركية الهائلة وهيمنة الدولار والقوانين الأميركية التي تسمح بمعاقبة شركات على أفعال خارج الأراضي الأميركية.

وقال فيدرين بهذا الصدد إن "قوانينهم خارج الحدود فضيحة تامة كان يجدر بنا التصدي لها منذ عشرين أو ثلاثين عاما".

وجاء في تقرير برلماني فرنسي أعده النائب رافايل غوفان ونشر الأربعاء، أن "الشركات الفرنسية لا تملك اليوم أدوات قانونية مجدية للدفاع عن نفسها بوجه الإجراءات القضائية خارج الأراضي الوطنية"، معتبرا أن هذا القانون "بات اليوم سلاح دمار في الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على باقي العالم، ومن ضمنه حلفاؤها".

ورأى تيرتريه أن الفشل الأوروبي ليس دليل انقسامات، بل مردّه أن الشركات الأوروبية أكثر "عولمة" وأن "السياسة الأميركية في عهد ترامب هي سياسة تخلو من أي تنازلات".

غير أن بوشار رأى أن "البعض لا يريد الدخول في اختبار قوة مع الأميركيين"، مثل بريطانيا أو حتى ألمانيا التي "لا تبدي تصميما كبيرا لأن هناك رهانات اقتصادية كبرى" تتعلق بتصدير السيارات الألمانية إلى الولايات المتحدة.

لكن الالتزام بالاتفاق النووي لا يقتصر على الأوروبيين بل يشمل أيضا روسيا والصين الموقعتين عليه، وأبدى مسؤول أوروبي طلب عدم كشف اسمه استياءه حيال موقف الإيرانيين الذين "يحملون مسؤولية استمرار الاتفاق للأوروبيين بشكل أساسي".

وقال إنه بالرغم من انتقادات الصينيين لقرار ترامب، فهم "يخوضون حربا تجارية عالمية مع الأميركيين، وهم في وسط مفاوضات، وليسوا واثقين من أنهم يريدون زيادة الخلاف".

ورأى بوشار أنه سواء توصل الأوروبيون لاتفاق أم لا "ليس هناك سوى الصين وروسيا اللتين ستتحديان على الأرجح عقوبات ترامب".