الأوروبيون يجددون الثقة في فون دير لاين لولاية ثانية

النواب الأوروبيون يعيدون انتخاب أورسولا فون دير لايين على رأس المفوضية الأوروبية بأغلبية ساحقة.

ستراسبورغ - جدد النواب الأوروبيون الخميس الثقة في أورسولا فون دير لاين بغالبية كبيرة على رأس المفوضية الأوروبية لولاية ثانية مدتها خمس سنوات، وقد وعدت بجعل الصناعة والدفاع وحتى السكن أولوياتها.

ودعت فون دير لاين أمام البرلمان الأوروبي المجتمع في ستراسبورغ إلى "أوروبا قوية" في مرحلة تتسم "بقلق وعدم يقين كبيرين"، وإلى الدفاع عن الديمقراطية ضد "التلاعب بالمعلومات والتدخل الأجنبي".

وقالت الزعيمة المحافظة "إنها لحظة مؤثرة جدا. الاعتراف بالعمل الصعب الذي تم إنجازه، لم ندخر أي جهد في مواجهة أقوى اضطرابات شهدها الاتحاد الأوروبي على الإطلاق".

وكانت فون دير لاين أول امرأة تترأس السلطة التنفيذية في الاتحاد الأوروبي في العام 2019. وفرضت الوزيرة الألمانية السابقة نفسها خلال الأزمات، ففي مواجهة أزمة كوفيد-19، قادت خطة إنعاش أوروبية عملاقة ممولة بدين مشترك غير مسبوق. وبعد غزو أوكرانيا، أظهرت دعمها لكييف وحددت إستراتيجية لإنهاء الاعتماد على موسكو في مجال الطاقة.

وتدافع فون دير لاين منذ فترة طويلة عن "مفوضية جيوسياسية". وتقدم نفسها على أنها ضمان الاستقرار في وجه التوترات الجيوسياسية من الحرب في كل من أوكرانيا وقطاع غزة إلى الخلافات التجارية مع الصين وعودة دونالد ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض.

وتعهدت الخميس بتعزيز الاستثمارات في الصناعات الدفاعية مع تعيين مفوض لهذه القضية. وحاولت  في خطاب استمر ساعة أمام البرلمان الأوروبي، الرد على التطلعات المتناقضة أحيانا للمجموعات السياسية المختلفة الممثلة في المجلس.

وبعد اقتراع سري، حصلت المسؤولة الألمانية البالغة 65 عاما على 401 صوت مؤيد مقابل 284 صوتا ضد وامتناع 15 عن التصويت و7 ورقات ملغاة، ما يتجاوز الغالبية المطلقة (361) التي كانت تحتاج إليها.

وكان قادة الدول السبع والعشرين في الاتحاد الأوروبي اتفقوا نهاية يونيو/حزيران على منح فون دير لاين ولاية جديدة من خمس سنوات على رأس السلطة التنفيذية التي تتولاها منذ العام 2019.

ورحب المستشار الألماني أولاف شولتس بإعادة انتخابها، مؤكدا أن ذلك يُظهر "قدرتنا على العمل في الاتحاد الأوروبي".

وهنأ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الخميس فون دير لاين بعدما أيّد ترشّحها لولاية ثانية. وقال على منصة "اكس" "من أجل أوروبا أكثر سيادة وأكثر ازدهارا وتنافسية وأكثر ديمقراطية، تهانينا عزيزتي أورسولا فون دير لايين".

كذلك هنأ الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي فون دير لاين، متمنيا أن "تعزّز وحدة" الاتحاد الأوروبي. وقال "أتمنى للرئيسة فون دير لاين النجاح في تحقيق نتائج لجميع الأوروبيين وتعزيز وحدة الاتحاد الأوروبي ودفاعه وقوته الاقتصادية".

ومن انجازات ولايتها الأولى: الميثاق الأخضر لإزالة الكربون من الصناعة والنقل ولكن المتهم بفرض "عبء" تنظيمي على الشركات والمزارعين.

وبينما دعت إلى تطبيقه "براغماتيا"، عرضت الخميس أولويات اجتماعية وبيئية طموحة: هدف مناخي للعام 2040 يتمثل بخفض صاف لانبعاث الغازات الدفيئة بنسبة 90 بالمئة، و"خطة مساكن ميسورة الكلفة" للأسر متواضعة الحال مع تعيين مفوض يُعنى بهذه المسألة للمرة الأولى، وخطة لحماية موارد المياه.

وشدّدت فون دير لاين على "القدرة التنافسية"، واعدة بتعزيز الاستثمارات في الصناعات المهمة في عملية التحول في مجال الطاقة. كما أكدت من جديد دفاعها عن استخدام محروقات اصطناعية للسيارات بعد العام 2035، مشددة على مصالح المزارعين.

وبعد انتخابات يونيو/حزيران، بقي الحزب الشعبي الأوروبي (يمين) الذي تنتمي إليه فون دير لاين القوة الأولى في البرلمان مع 188 نائبا، فيما نال الاجتماعيون الديمقراطيون 136 مقعدا والليبراليون (رينيو) 77 مقعدا. ويشكل الائتلاف الواسع الذي يضم هذه الأحزاب الثلاثة غالبية ساحقة.

ولمواجهة الانشقاقات -الليبراليون الألمان من الحزب الديمقراطي الحر والمحافظون الفرنسيون من الجمهوريين من بين آخرين - سعت فون دير لاين أيضا إلى استمالة المدافعين عن البيئة الذين كسبوا 53 مقعدا في الانتخابات الأوروبية الأخيرة، من خلال التعهد بخطط للتكيف المناخي وبـ"ميثاق للمحيطات".

لكن قادة من "رينيو" والخضر والاجتماعيين الديمقراطيين أعلنوا أن دعمهم ليس "شيكا على بياض"، وأنهم ينتظرون نتائج سياسية ملموسة مع مرور الوقت.

كما تعهدت فون دير لاين في خطابها أمام البرلمان الخميس بتعزيز وكالة الاتحاد الأوروبي المكلفة بأمن الحدود (فرونتيكس) وزيادة عدد حراس الحدود وخفر السواحل ثلاث مرات. ووفرت هذه الضمانات إلى حزبها فضلا عن مجموعة اليمين المتشدد (المحافظون والاصلاحيون الأوروبيون) في البرلمان الأوروبي المرتبطة برئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني.

واقترحت فون دير لاين تعيين مفوض يتولى شؤون "جوار البحر الأبيض المتوسط" لإرضاء روما، مانحة أهمية لاحتمال تلقي دعم من جزء من أصوات "رينيو" الذي يضم 78 نائبا مع أن أي انفتاح علني على هذه المجموعة اليمينية المتشددة يشكل خطا أحمر بالنسبة إلى الليبراليين والاشتراكيين والخضر الذين يدعون إلى بناء "غالبية مستقرة مع أحزاب مؤيدة للديمقراطية ومؤيدة للاتحاد الأوروبي" من دون اليمين المتطرف.

أما مجموعة اليمين المتطرف الأخرى "وطنيون من أجل أوروبا" التي تضم التجمع الوطني الفرنسي وفيديس (المجر)، فتبقى خارج أي غالبية محتملة مع تحفظها حيال الدعم المقدم لأوكرانيا.

واتهمت فون دير لاين في خطابها الخميس رئيس الوزراء المجري القومي فيكتور أوربان بـ"الدخول في لعبة" الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مع زيارته الأخيرة لموسكو في "مهمة سلام مزعومة".

واقترحت كذلك إقامة "درع أوروبية من أجل الديمقراطية"، مؤكدة أن "الاتحاد الأوروبي في حاجة إلى هيئة مكرسة لمكافحة التلاعب بالمعلومات والتدخلات الأجنبية".

وفون دير لاين أم لسبعة أولاد وكان يتوقع أن تخلف المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل في ألمانيا، قبل أن تترأس المفوضية الأوروبية في بروكسل حيث ولدت ونشأت حتى سن المراهقة.

وتعتمد على دائرة محدودة جدا في عملها ما جعلها عرضة لانتقادات بسبب الغموض، ولتوترات قوية مع رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشال الذي يمثل الدول السبع والعشرين.

وسيستمع أعضاء البرلمان الأوروبي في الخريف إلى أعضاء المفوضية المستقبلية الذين تختارهم الدول الأعضاء، في حين تطالب فون دير لاين بأن يكون عدد الرجال مساويا لعدد النساء فيها.

وقال النائب اليساري الفرنسي في البرلمان الأوروبي الاجتماعي-الديمقراطي رافاييل غلوكسمان "كان لدينا خطان أحمران: لا تسوية مع اليمين المتطرف ولا عودة إلى الميثاق الأخضر وهذا لا يعني أنه خلف ذلك لن تكون هناك منافسة صعبة جدا على المفوضين" وتوزيع الحقائب.