الإجهاد المائي الحاد يهدد سلة غذاء ليبيا

ليبيا لا تعتمد على نظام الجباية لذلك مجانية المياه سبب في هدرها سواء في الزراعة أو محطات غسيل السيارات وري الحدائق وفي البيوت من قبل المواطنين.

طرابلس - تواجه البلدان التي تعاني من إجهاد مائي مخاطر استنزاف المياه الجوفية، ومنها ليبيا التي صنفها معهد الموارد العالمية، في أغسطس/آب الماضي، ضمن 25 دولة تتعرض حاليا لإجهاد مائي مرتفع للغاية.

وعربيا، تحتل ليبيا الصدارة في معدل استهلاك المياه بنحو “ألفين و392 لترا للفرد الواحد يوميا”، بحسب بيان لبعثة الأمم المتحدة بليبيا في سبتمبر/أيلول الماضي. وأضافت البعثة أن كميات المياه المستهلكة تقدر بـ3 أضعاف معدل استهلاك الفرد عربيا، وأن هدر المياه في ليبيا يشكل أحد المظاهر المقلقة للاستهلاك غير المستدام، داعية إلى تبني أنماط استهلاك وإنتاج مستدامة لتوفير المياه.

ومؤخرا، تحول إقليم فزان (جنوب) وهو سلة غذاء ليبيا إلى إحدى المناطق التي تواجه خطر استنزاف المياه الجوفية جراء الإجهاد المائي والإفراط في سحب هذه المياه التي تستخدم غالبا في الزراعة، وهي مصدر دخل للعديد من السكان.

وفي ظل شح الأمطار واعتماد المزارعين على الطرق التقليدية المستنزفة للمياه الجوفية، أطلق خبراء وناشطون بيئيون تحذيرات من استمرار الإجهاد المائي ومخاطره على السكان.

مصطلح الإجهاد المائي الحاد لا يكفي لوصف الوضع في ليبيا؛ فالاستهلاك يفوق 80 بالمئة من المياه المتجددة، أما الجنوب الليبي فمصادره المائية غير متجددة.

وقالت ياسمين الأحمر، وهي ناشطة بيئية في منظمة “ليكاو” المحلية إن “الإجهاد المائي له أضرار مباشرة تمس المواطن، بينها هبوط كبير في مستوى المياه الجوفية، ما يجبره على حفر آبار عميقة واستخدام مضخات كبيرة للحصول على المياه؛ وهو ما يزيد تكلفة استخراج المياه، وكذلك تدني جودتها".

وتابعت الأحمر أن الاستنزاف الكبير للمياه الجوفية قد يؤدى إلى مشاكل بيئية، مثل انهيارات أرضية بسبب الضخ. والإجهاد المائي هو نتيجة للاستنزاف غير المدروس للموارد المائية الجوفية، وأغلبها غير متجددة خاصة في المناطق الجنوبية حيث تكاد تنعدم الأمطار".

وحذرت من أن "الإجهاد المائي خطر يهدد باستنزاف المياه الجوفية، بدليل تقارير المنظمات الدولية، مثل الفاو (منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة)”.

وتؤكد هذه التقارير أن ليبيا في مقدمة الدول التي تعاني من الإجهاد المائي، والذي يمكن تعريفه بأنه نسبة ما يتم استهلاكه من المياه إلى نسبة المياه المتجددة، وليبيا من الدول التي تفتقر إلى المياه المتجددة، بحسب الأحمر.

وقالت إنه "من المعروف أن الجنوب الليبي ينعم بوفرة المياه الجوفية ذات الجودة العالية ولكنها غير متجددة، ومن المشجع استخدامها للأغراض الزراعية لتوفير الغذاء والأعلاف، ولكن هذا الاستغلال يجب أن يكون مدروسا بعناية حتى لا نتفاجأ بنفاد المخزون".

وبخصوص البدائل، دعت الأحمر إلى الابتعاد عن زراعة المحاصيل التي تحتاج إلى مياه كثيرة، وزراعة أخرى لا تحتاج إلى كميات كبيرة من المياه مثل أشجار النخيل، وكذلك استخدام تقنيات الري الحديثة مثل التقطير. بالإضافة إلى الاهتمام بتحلية مياه البحر في المناطق الساحلية لتقليل الاعتماد على المياه التي يتم نقلها من الجنوب عن طريق ’جهاز النهر (الصناعي)’ إلى مدن ومناطق الشمال”.

وأردفت أنه مع شح مياه الأمطار عملت الدولة على حلول منها بناء السدود، ولكن يجب التوسع في إنشاء محطات التحلية بالمناطق الساحلية، وإقامة محطات لمعالجة مياه الصرف الصحي وصيانة المتوقف منها للاستفادة من هذه المياه في ري الحدائق والمتنزهات وتقليص تلويثها للمياه الجوفية.

وهناك خيارات عديدة ممكنة لمواجهة الإجهاد المائي في ليبيا، منها تفعيل قوانين جباية رسوم المياه وعدم التهاون في ذلك لتقليل الهدر في المياه، ووضع برامج للحصاد المائي للاستفادة من كل قطرة من مياه الأمطار. وشددت الأحمر على ضرورة توفير الميزانيات اللازمة لتنفيذ مشاريع المياه والصرف الصحي، لضمان الاستهلاك الأمثل لمياه الشرب وتقليل معدلات التلوث، والقيام ببرامج توعوية على جميع المستويات للتعريف بحجم المشكلة ودعوة الجميع للمساهمة في إيجاد الحلول.

وبحسب أبوبكر ماتكو مصطفى، مدير المركز الليبي للدراسات وبحوث علوم وتكنولوجيا البيئة فرع المنطقة الجنوبية (حكومي)، فإن “الزراعة تستحوذ على أكثر من 90 بالمئة من المياه المستهلكة في المنطقة الجنوبية”.

وأردف مصطفى، على الرغم من وفرة المياه الجوفية في المنطقة الجنوبية، فإن استهلاك المياه يجب ألا يتخطى الحدود الآمنة، أي هبوط سنوي مقبول في مستوى المياه الجوفية. لكن خزانات المياه الجوفية في بعض مناطق الجنوب تجاوزت معدلات الهبوط السنوي في مستوياتها، فتم وضعها تحت نظام الحظر المقيد أو الحظر المطلق.

وأوضح أنه في حالة الحظر المقيد يُمنع حفر الآبار إلا إذا كانت بديلة لأخرى قائمة أو لأغراض الشرب، أما الحظر المطلق فيمنع حفر الآبار نهائيا إلا في حدود ضيقة لغرض الشرب، ولفت إلى أن الإجهاد المائي توصف به المناطق أو الدول التي يتجاوز استهلاكها 40 بالمئة من المياه المتجددة، ويكون إجهادا مائيا حادا إذا تجاوز 80 بالمئة من الإمداد المائي السنوي.

ولذلك مصطلح الإجهاد المائي الحاد لا يكفي لوصف الوضع في ليبيا؛ فالاستهلاك يفوق 80 بالمئة من المياه المتجددة، أما الجنوب الليبي فمصادره المائية غير متجددة.

وقال مصطفى إن ليبيا لا تعتمد على نظام الجباية لذلك مجانية المياه سبب في هدرها، سواء في الزراعة أو محطات الغسيل (سيارات وغيرها) وري الحدائق ورش المياه أمام البيوت من قبل المواطنين، نتيجة لغياب المسؤولية المجتمعية بشأن أهمية المياه، لذلك مخزون المياه الجوفية ينزل بمعدل يزيد على متر واحد سنويا؛ وعلى السلطات أن تبحث عن البدائل، سواء بتوفير بدائل للمحاصيل المستنزفة للمياه، وطرق ري متطورة، ووضع تسعيرة للمياه لكافة الاستخدامات، خاصة التجارية منها.

وفي ظل نزاعات وخلافات سياسية تحول دون إجراء انتخابات طال انتظارها في البلد الغني بالنفط، توجد في ليبيا حكومتان ومؤسسات رسمية عديدة منقسمة؛ ما يعرقل معالجة الدولة لمشاكل خطيرة، بينها الإجهاد المائي.

وأبدى مصطفى وهو مسؤول حكومي، الاستغراب من عدم وضع السلطات المعنية لخطط بديلة للحفاظ على المياه الجوفية عبر إنشاء سدود للمحافظة على مياه الأمطار في حالة تساقطها لاستخدامها في الزراعة. وكذلك عبر معالجة مياه الصرف الصحي، واستخدام الطاقات البديلة مثل الطاقات الشمسية في الجنوب، بدلا من محطات الكهرباء الحالية؛ لأنها تستنزف كميات مياه كبيرة في عمليات التبريد والتبخر.

وكشف مصطفى عن أنه من المقرر وضع خطة خلال العام الجاري تضم ورشات (عمل) تختص بالزراعة العضوية ومحاضرات توعوية للمزارعين لترشيد المياه والاستخدام الأمان للمياه. وأردف "نحن على وشك الانتهاء من دراسة عن مشاريع زراعية استيطانية من حيث الخصائص الكيميائية والفيزيائية، لمعرفة مدة صلاحية المياه والتربة لهذه المشاريع من عدمه".