الإحباط يخيم على تونس عشية الذكرى الثامنة للثورة

بعد ثماني سنوات على انتفاضة يناير، تغلب المرارة لدى التونسيين على الأمل فقد حصلوا منذ الثورة على الحرية، لكن ليس على الكرامة.

الثورة قامت من أجل العمل والكرامة والحرية، لكن لا عمل ولا كرامة
تونس نجحت في الانتقال الديمقراطي وفشلت في المسار الاقتصادي
تونس تواجه أزمة اقتصادية حادة وسط صراع الأحزاب على النفوذ والمناصب

دوار هيشر(تونس) - تُحيي تونس يوم الاثنين الذكرى الثامنة لثورة يناير/كانون الثاني التي أطاحت بنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي فيما تخيم أجواء اليأس والإحباط على التونسيين الذين لم يجن من ثورة الكرامة إلا الاسم.

ويقول مهندس الكمبيوتر الشاب العاطل عن العمل سفيان جبالي أنه ليس نادما على الثورة التي أنهت الاستبداد في تونس في 2011، لكن بعد ثماني سنوات تغلب المرارة على الأمل "فقد حصلنا منذ الثورة على الحرية، لكن ليس على الكرامة".

وفي منطقة دوار هيشر الضاحية الشعبية للعاصمة التونسية حيث يقيم سفيان، يعد شباب من الكشافة وراقصون وفكاهيون لعرض لمناسبة الذكرى الثامنة لـ"ثورة الحرية والكرامة".

وهم يتدربون على العرض في دار الجمعيات وهي إحدى المؤسسات الأربع التي توفر أنشطة لهذه المنطقة التي يبلغ عدد سكانها مئة ألف نسمة.

قبل ثماني سنوات تحرك الشارع التونسي من جنوبه إلى شماله ومن شرقه إلى غربه ضد نظام بن علي
التونسيون انتزعوا مكاسب مهمة لكن وضعهم المعيشي والاقتصادي ازداد سواء

ولئن تميزت تونس بكونها البلد العربي الوحيد الذي استمر في درب الديمقراطية السياسية بعد مجريات ما يسمى بـ"الربيع العربي"، فإن السلطة الاقتصادية لازالت متركزة بين أيدي أقلية في حين يشعر سكان الأطراف خصوصا أنهم مستبعدون وتم التخلي عنهم.

ويضيف سفيان الذي عمل في بيع الكتب لعدم عثوره على عمل في اختصاصه "إذا لم يتغير النظام في 2019 (مع الانتخابات التشريعية والرئاسية)، سيكون كل ما حدث خسارة".

وتقول الخبيرة في علم الاجتماع ألفة لملوم التي ترأس منظمة غير حكومية تهتم بالمناطق المهمشة في البلاد "قامت الثورة على ثلاثة شعارات هي عمل وكرامة وحرية، لكن العمل والكرامة لم يتحققا".

وأشارت إلى بعض التقدم مع تخصيص حصة إجبارية للشباب دون 36 عاما بين مرشحي الانتخابات البلدية "ما سمح بدخول عدد كبير منهم إلى المجالس البلدية" في 2018.

إلا أن لملوم قالت "لا شيء تم لتحسين مستوى العيش" اليومي للشباب الذين تعرض وضعهم إلى "تدهور حقيقي".

ولم ينعكس الانتعاش الاقتصادي على سكان الضواحي الفقيرة ومدن الداخل حيث تفوق نسبة البطالة بضعفين أو ثلاثة أضعاف النسبة الوطنية للبطالة البالغة 15.5 بالمئة، خصوصا بين خريجي الجامعات.

وعلاوة على الصعوبات الاقتصادية يشير سفيان بأصابع الاتهام إلى إهانات وتضييقات يومية منها سلوك مناوئ من الشرطة واستحالة الحصول على فحص طبي دون "رشوة"، وضرورة الحصول على ترخيص من الوالدين للسفر حتى سن 35 للعديد من الشبان المصنفين "في خطر" منذ اعتداءات 2015.

وكانت منظمة العفو الدولية نددت بهذه التضييقات على التنقل واعتبرتها "تعسفية ومسيئة".

كما أبدى سفيان امتعاضه من سوء وسائط النقل العامة التي يستخدمها سكان الضواحي "التي تغلب عليها الفوضى وانتشار الأوساخ حتى أننا نرتدي ملابس رثة لركوبها".

من جانبه يقول حمزة ضيف الله وهو طالب ثانوي يشرف على مجموعة رقص "قمنا بهذه الثورة لنصبح مواطنين، لكن في النهاية أنا لست مواطنا إلا في مستوى حرية التعبير".

وأضاف "بات بإمكاننا الآن أن نتحدث وهذا أمر جيد جدا، لكن لا أحد يسمعنا. وفي دوار هيشر الدولة لا وجود لها إلا في مراكز الأمن".

وتتطرق اللقطات المسرحية التي ألفها شباب دار الجمعيات بدوار هيشر إلى القيم التي تمت خيانتها والهجرة السرية والانتحار حرقا.

وكانت "ثورة الشباب" التي سيتم إحياء ذكراها الاثنين، أطلقها مدونون على اثر انتحار محمد البوعزيزي البائع المتجول البالغ من العمر 26 عاما في محافظة سيدي بوزيد.

التونسيون خاصة الشباب منهم فقدوا الثقة في السياسيين فيما تتنازع الأحزاب على المناصب والنفوذ 

ويقول السياسيون باستمرار إنهم يدعمون الشباب. ويقول عصام الهالي (31 عاما) الذي اقترض سبعة آلاف دينار تونسي (الفي يورو) لبدء مشروع دكان خردوات "على الورق هناك برامج مساعدة".

وأضاف رب الأسرة الشاب "لكن نسبة الفائدة تبلغ 21 بالمئة وأنا لا أجد حلا للأمر، يقول المسؤولون إنهم يدعمون الشباب لكنهم يخدعوننا، لم يعد هناك مستقبل لنا".

ومع ذلك فإن عصام هو أحد الشبان النشطين في دوار هيشر ويرأس جمعية تحاول الحفاظ على النظافة والبيئة في الحي. وقال "نحن بين أقلية هنا لا زالت تتمسك بأمل، الباقون يشعرون بأنه تم التخلي عنهم وينتظرون في المقاهي".

وأضاف "نحن في سفينة يتنازع رباناها فيما بينهما ويكتفيان بالنظر إلى السفينة وهي تغرق" وهو يشير بذلك إلى صراع السلطة القائم بين الرئيس الباجي قائد السبسي ورئيس الحكومة يوسف الشاهد.

ويضيف الشاب "أنا أريد النجاة بنفسي ومغادرة السفينة". وهناك كثيرون غيره من الشبان لا يرون مستقبلا أفضل إلا خارج البلاد.

إلا أن زينب رنان (17 عاما) التي تريد الحصول على شهادة الباكالوريا بتميز تقول "أنا أؤمن بالتعليم للخروج من الوضع، سواء هنا أو في أي مكان آخر".

لكنها أضافت "بيد أني أريد الذهاب إلى مكان آخر للحصول على الاحترام والكرامة اللذين لا أحصل عليهما هنا".