الإخوان.. التحريض والاستثمار في الخوف

تيارات الإسلام السياسي استغلت قرار إغلاق المساجد كإجراء احترازي ليصبح ذلك القرار منفذًا إخوانيًا لاستكمال حملاتها الترويجية ضد النظم الحاكمة.

بقلم: عاصم طلعت

حلّت أزمة “كورونا” رهاناً سياسياً عند توجهات الإخوان في مصر، الذين سعوا إلى اقتناصها للتشكيك في الأنظمة العربية وقدراتها على مواجهة الوباء؛ وذلك من خلال تصويرهم في صورة المتخاذل عن تطلعات المواطنين المطالبين بالوقاية والحماية؛ أملاً في الدفع إلى واقع سياسي مناسب لهم، لا سيما وأن نجاح الحكومات العربية في التغلب على الوباء قد يؤدي إلى عزل التنظيم الإخواني سياسياً أكثر فأكثر، ويزيد من الالتفاف الشعبي حولها.

على هامش تفشي وباء “كورونا” وسعي الحكومات للحد من مخاطره؛ أطلت جماعة الإخوان المسلمين بتوجهاتها الراديكالية مستغلة الأوضاع الصعبة، للسخرية من الأنظمة العربية عموماً والنظام المصري خصوصاً؛ أملاً بالعودة المبررة إلى النشاط السياسي فعملت الجماعة المحظورة على عدم تفويت أي فرصة إلا واستغلتها ضد السلطة من خلال إثارة حالة من الهلع بين المواطنين عبر حزمة من الممارسات تعتمد على نشر الشائعات والتشكيك في الجهود الحكومية. وقد تزامن مع التفشي الوبائي، دعوة المصابين إلى نشر الفيروس بين المواطنين، تعبيراً عن العداء مع المجتمع المصري، فمنذ اليوم الأول من مواجهة الحكومة المصرية لفيروس “كورونا” يسعى تنظيم الإخوان إلى إفشال خططها الوقائية ضده، وقد برهنت الممارسات الإخوانية على ذلك مع بداية ظهور الوباء في مصر؛ حيث عملت على انتهاج آلية ترويجية تسهم في نشر الذعر، من خلال الاستعانة بأحدث التقنيات الترويجية في مشهد يشبه المشاهد المفبركة التي ظهرت عقب فض اعتصام رابعة المسلح.

اعتمد تنظيم الإخوان على مسلك التشكيك بفاعلية الحكومة المصرية للتصدي للوباء، لنشر حالة من الميوعة والضبابية بين المواطنين وتمييع التوجهات الإصلاحية التي تقوم بها الحكومة؛ بغية  إنتاج حالة سياسية تفقد المواطن الولاء والانتماء للدولة، سعياً إلى تجهيز التربة السياسية التي تسمح بظهور جماعة الإخوان على الساحة من جديد، مما يعيد لها الانخراط في المجتمع والحياة السياسية. هذا التصور يتوافق مع ما توصل إليه المؤرخ البريطاني “إريك هوبزباوم” (Eric Hobsbawm) (1917-2012) في كتابه “عصر التطرفات: القرن العشرون الوجيز” [2]، الذي أشار إلى أن المجتمعات الحديثة في مساراتها الانتقالية ستشهد غيابًا للإجماع حول المرجعيات الكبرى للمجتمع، أو ما يمكن أن نسميه بضبابية المرجعيات، الأمر الذي فطنت إليه جماعة الإخوان المسلمين في خطة عودتها كفصيل سياسي، بعد أن باتت في ضمير الجميع معادية للوطنية، إبان التقلبات والأحداث التي عصفت بالعالم العربي عام 2011“.

بدأت الشرارة الأولى لحملة الترويج الإخوانية –إبان جولة تفشي كورونا- من خلال الفيديو الذي نشر لشخص يدعى بهجت صابر، يدعو فيه كل مصاب بأعراض المرض، إلى أن يقوم بمصافحة أفراد الجيش أو الشرطة أو القضاء والإعلام، بغية نشر الذعر بين أفراد تلك المؤسسات وإرباك أدائها الوظيفي، عبر تمظهر يكشف انحياز الجماعة المحظورة إلى التوجهات الراديكالية التي لا تعبأ بمفهومية الإنساني في ممارساتها السياسية، وقد عضد هذا التوجه بعض ممارسات تيارات الإسلام السياسي، ساعية نحو اقتناص فرصة ظرفية تفرض عليها التضافر والتآزر فيما بينها؛ حيث أرجع بعض رجالات السلفية ما انتاب العالم من وباء وبلاء إلى غضب إلهي، وأنه لا فكاك من النكبة –في زعمهم- إلا بتخليص البلاد من التوجهات السياسية المناهضة للدين.

في هذا الصدد استغلت تيارات الإسلام السياسي -وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين- قرار إغلاق المساجد الذي أصدرته معظم الحكومات الدولية، كإجراء احترازي يحول دون تجمع المواطنين وانتشار “الفيروس” فيما بينهم؛ ليحل ذلك القرار منفذًا إخوانيًا لاستكمال حملاتها الترويجية ضد النظم الحاكمة، وخصوصًا الحكومة المصرية، عبر أسلوب أيديولوجي وسياسي، متخذة من المطية الدينية آلية ترويجية للّعب على مشاعر الناس ومواجعهم.

أثبت الخطاب الإعلامي لجماعة الإخوان؛ رغبة في كسب مساحات من التآزر الجمعي في المكون الشعبي المصري، وقد برهن على ذلك حلقة الإعلامي معتز مطر، التي جاءت صدى لأحداث وفاة اللواء خالد شلتوت (الهيئة الهندسية) معقبا على بيان القوات المسلحة بشأن وفاة أحد قادتها إثر مواجهة فيروس “كورونا”، قائلاً: “مع كل أسف هذا البيان كاذب”. مستخدما للعديد من التراكيب الشفهية المتضمنة لعنصري الاستمالة والاستقطاب عبر إظهار الأسف والتعاطف مع الحادث، على الرغم من استهلالته المكذبة للبيان؛ متخذاً من الحادث مسلكاً للتشفي في القوات المسلحة، التي شاركت في العديد من المشروعات القومية للنهوض بالبلاد؛ قائلاً: “علاقة شغلته –اللواء الفقيد- إيه عشان يواجه الفيروس، لا هو طبيب ولا ممرض..“).

ملخص نُشر في مركز المسبار للدراسات والبحوث