الإدارات الأميركية المتعاقبة ظللت الرأي العام حول حرب أفغانستان

شهادات لمسؤولين أميركيين لدى المفتش العام الخاص المعني بإعادة إعمار أفغانستان، تكشف تزييف أميركي لحقائق حول الحرب التي دامت 18 عاما ضد طالبان.

واشنطن - كشفت صحيفة "واشنطن بوست" عن آلاف الوثائق الحكومية الأميركية التي تؤكد ضبابية استراتيجية الحرب الأميركية في أفغانستان وإحجام كبار المسؤولين والرؤساء الأميركيين عن تقديم الصورة الحقيقية بشأنها لمدة 18 عاما.

وقالت الصحيفة الأميركية الاثنين إنها حصلت على آلاف الوثائق الخاصة بتحقيق من مكتب المفتش العام الخاص المعني بإعادة إعمار أفغانستان الذي التقى مع ما يزيد على 600 شخص، وذلك بموجب قانون حرية المعلومات الأميركي وقانونين اتحاديين آخرين.

وأشارت الصحيفة إلى أن الوثائق "تناقض بيانات علنية كثيرة صدرت عن رؤساء أميركيين وقادة عسكريين ودبلوماسيين أكدوا للأميركيين عامًا بعد عام أنهم يحققون تقدمًا في أفغانستان وأن خوض الحرب فيها مجدٍ".

وقالت واشنطن بوست "توضح المقالات أن المسؤولين أصدروا بيانات وردية كانوا يعلمون أنها كاذبة وأخفوا أدلة لا تحتمل الشك بأن الحرب لا يمكن الانتصار فيها".

وأقر رئيس الهيئة التي أجرت المقابلات جون سوبكو للصحيفة أن الوثائق تظهر أنه "تم الكذب باستمرار على الشعب الأميركي".

وذكرت الصحيفة أنها جمعت أكثر من ألفي صفحة تضم ملاحظات من مقابلات مع كبار المسؤولين العسكريين الأميركيين والدبلوماسيين وعمال الإغاثة والمسؤولين الأفغان وغيرهم ممن لعبوا دوراً بارزاً خلال الحرب التي استمرت لعقدين.

وأصر مسؤولون أميركيون رفيعو المستوى على هذا التحقيق رغم وضوح الأدلة التي تشير إلى عكس ذلك.

وإضافة إلى الوثائق، حصلت الصحيفة على عشرات المذكرات التي كتبها دونالد رامسفيلد، وزير الدفاع في عهد الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن.

وقال دوغلاس لوت، الجنرال في الجيش الذي كان مستشار البيت الأبيض بشأن الحرب الأفغانية في عهد الرئيسين بوش الابن وباراك أوباما، في مقابلة سنة 2015 "لم يكن لدينا أي فهم أساسي لأفغانستان، لم نكن نعلم ما الذي نفعله".

وتساءل "ما الذي كنا نحاول القيام به؟ لم تكن لدينا أدنى فكرة عما كنا مقبلين عليه".

 كبار المسؤولين الأميركيين فشلوا في قول الحقيقة حول الحرب في أفغانستان التي استمرت 18 عاما

أما جيفري إيغرز، العنصر المتقاعد في القوات الخاصة لسلاح البحرية "نايفي سيلز" وموظف البيت الأبيض في عهد بوش وأوباما، فتطرق إلى كلفة الانخراط العسكري الأميركي في أفغانستان.

وقال "ما الذي حصلنا عليه مقابل هذه الجهود التي كلّفت ترليون دولار؟ هل كان الأمر يستحق ترليون دولار؟".

وأضاف "بعد مقتل أسامة بن لادن، قلت إنه على الأرجح يضحك في قبره بالبحر وهو يفكر بكم أنفقنا على أفغانستان".

واجتاحت الولايات المتحدة أفغانستان في أعقاب هجمات 11 أيلول/سبتمبر 2001 للقضاء على الخطر الذي شكله تنظيم القاعدة والإطاحة بنظام طالبان.

ولا يزال 13 ألف جندي أميركي في أفغانستان بعد نحو 20 عامًا على ذلك بينما تشكّل طالبان تهديداً مستمراً للحكومة الأفغانية.

ويأتي الكشف عن هذه الوثائق بينما يسعى الرئيس دونالد ترامب والبنتاغون لتقليص عدد الجنود الأميركيين في أفغانستان، بهدف زيادة التركيز على قتال تنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية، وترغب الإدارة الأميركية في التوصل إلى اتفاق سلام مع حركة طالبان.

 

وفي سبتمبر/أيلول الماضي قرر ترامب وقف المفاوضات المباشرة وغير المسبوقة التي يجريها المبعوث الأميركي الخاص إلى أفغانستان زلماي خليل زاد مع طالبان،  إثر تبني الحركة الأفغانية المتشددة مقتل جندي أميركي بهجوم مسلح في كابل في وقت كان فيه الطرفان على وشك الإعلان رسميا عن توقيع اتفاق سلام شامل في أفغانستان للبدء في حوار أفغاني أفغاني.

وبنفس الشكل فاجئ ترامب العالم بزيارة غير معلنه إلى أفغانستان في 28 نوفمبر الماضي لإحياء "عيد الشكر" مع الجنود الأميركيين في قاعدة باغرام الجوية. واستغل الرئيس الأميريكي وجوده هناك ليعلن عن استئناف مفاوضات السلام مع الحركة الأفغانية المتشددة.

مقتل بن لادن كلف واشنطن انخراطا عسكريا في أفغانستان بترليون دولار
مقتل بن لادن كلف واشنطن انخراطا عسكريا في أفغانستان بترليون دولار

ويرى مراقبون أن هذه الوثائق سيكون ترامب أكبر المستفيدين منها انتخابيا، وهو الذي طالما وعد ناخبيه بالعمل على سحب بلاده من "حروب الآخرين". ومن المنتظر أن يستخدم الرئيس الأميركي هذه الحقائق كبضاعة انتخابية لتعزيز حظوظه في الانتخابات القادمة من خلال التأكيد للأميركيين على صحة توجهاته بسحب قوات بلاده من أفغانستان وبحثه عن اتفاقية سلام مع طالبان تنهي قرابة العقدين من فشل استراتيجي لأكبر قوة عسكرية واقتصادية في العالم.

وبين الأشخاص الذين شملتهم المقابلات التي كشفت محتواها "واشنطن بوست"، الجنرال السابق في الجيش مايكل فلين، الذي شغل لفترة وجيزة منصب مستشار ترامب للأمن القومي.

وقال فلين في مقابلة سنة 2015 "من السفراء حتى (المسؤولين) الأقل رتبة، (يقول جميعهم) إننا نقوم بعمل رائع. حقًا؟ إذا كنا نقوم بعمل رائع فعلاً، فلماذا يبدو وكأننا نخسر؟".

وأشار كبار المسؤولين الأميركيين الذين تمت مقابلتهم إلى عدم وجود استراتيجية أو هدف واضحين في أفغانستان بعد اجتثاث القاعدة والإطاحة بنظام طالبان.

واعتبر ريتشارد باوتشر الذي كان كبير دبلوماسيي وزارة الخارجية المعني بشؤون جنوب آسيا في مقابلة سنة 2015 أن الحرب في أفغانستان تعد أفضل مثال على عملية "خرجت عن نطاقها الأصلي".

وقال باوتشر إنه بعد 15 عامًا في أفغانستان، "لا نزال نحاول تحقيق ما لا يمكن تحقيقه بدلاً من تحقيق ما يمكن تحقيقه".

وشكك مسؤول أميركي آخر لم تكشف هويته عمل على التنسيق مع حلف شمال الأطلسي في الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان.

وقال "ما الذي كنا نقوم به في هذا البلد؟ ماذا كانت أهدافنا؟ بناء دولة؟ حقوق المرأة؟ (...) لم تتضح الأهداف والإطار الزمني يومًا في أذهاننا".

وأشارت الصحيفة إلى أن المقابلات تضمنت "العديد من الاعترافات بأن الحكومة روّجت لأرقام كان المسؤولون على علم بأنها محرّفة وزائفة أو كاذبة تمامًا".

وقال مسؤول رفيع في مجلس الأمن القومي إن البيت الأبيض والبنتاغون تعرضا لضغط متواصل في عهد أوباما لنشر أرقام تظهر أن زيادة عدد الجنود الأميركيين في 2009 و2011 أثمرت رغم الأدلة التي أشارت إلى أن العكس هو الصحيح.

وقال المسؤول "كان من المستحيل الخروج بأرقام جيدة... جربنا استخدام عدد الجنود المدرّبين ومستويات العنف والسيطرة على الأراضي دون أن يرسم أي من ذلك صورة دقيقة".

وأضاف "غالبًا ما تم التلاعب بالأرقام على امتداد الحرب".