الإسلاميون والتواصل الاجتماعي: المؤثرات الثقافية
بقلم: عكاشة بن المصطفى
يميز الجيل الجديد من الإسلاميين هو ظهور فئة منهم أكثر احتجاجاً وأكثر انفعالاً؛ ولكن أقل تكويناً من الناحية الثقافية والدينية. فهم يحتجون على المؤسسات التقليدية كمؤسسة العالم والجامعات الدينية التقليدية لارتباطهم بالدولة -حسب اعتقادهم. فهم يريدون تكويناً بطرق شتى من دون المرور من المسار التكويني التقليدي الطويل والصارم. والنتيجة ظهور فئة من الإسلاميين يعتمدون في تكوينهم على عدد محدود من الكتب والمجلات والقراءات وعلى شبكات التواصل الاجتماعي، مما يؤدي إلى انتشار الجهل والتطرف وانتشار معلومات غير صحيحة وفتاوى سريعة وسهلة.
– الفرضية الأساسية لهذه الدراسة تريد أن تبين أن وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة، ليست عاملاً محدداً، وإنما عامل مسرع في إضعاف المستوى الثقافي لهذا الجيل من الإسلاميين. فالعامل الأساسي في نظرنا هو ظهور فئة من الإسلاميين يتمردون على النظام السياسي والاجتماعي والديني في البلد، ويحتجون على مؤسسات الدولة القائمة وخصوصاً المؤسسات الدينية كمؤسسة العلماء والمفتين ووسائل الإعلام الرسمية، مما يجعلهم يبحثون عن مؤسسات ووسائل تواصل جديدة يجدون فيها أنفسهم ويعبرون من خلالها عن آمالهم وتصوراتهم.
– الفرضية الأخرى المرتبطة بالأولى هي «علمنة المجال الديني بشكل لا إرادي». فعلى الرغم من احتجاجهم على المؤسسات التقليدية ورفضهم للعلمانية، فإنهم يسهمون فيها من خلال دعوتهم للفصل بين مؤسسات الدولة والمؤسسات الدينية، مما يجعلهم يؤسسون لأنفسهم «مؤسسات ومراجع خاصة للتثقيف والتكون» و«مشايخ ومفتين تابعين لهم». إننا أمام خصخصة المجال الديني كما يخصخص المجال التعليمي.
يصنع بعض الإسلاميين من خلال تعاملهم فيما بينهم عبر هذه الوسائل التواصلية الجديدة أمة إسلامية افتراضية. هذه الأمة غير موجودة في الواقع، وإنما متخيلة ومصطنعة من طرفهم حسب أفكارهم وتصوراتهم ورغباتهم. إنها لا تتناسب مع الواقع الإسلامي. فهؤلاء الفئة من الإسلاميين الذي ينشئون لأنفسهم «أمة افتراضية» يقومون بهذا لأنهم لا يجدون أمة تقاسمهم مشاعرهم وأفكارهم وتدمجهم. إنهم يحسون بالعزلة والاستلاب الفكري في المجتمع الذي يعيشون فيه، ولا يجدون البيئة أو الظروف لكي يعيشوا «إسلامهم». إنه «إسلام أقلية» ولكن تريد فرضه على أرض الواقع.
ضعف الثقافة الدينية
ما يميز الخطاب الديني لهذه الفئة من الإسلاميين المستعملين لهذه الوسائل؛ هو ضعف المستوى الثقافي. فهذه الوسائل تكون جيلاً من الإسلاميين ذوي مستوى ثقافي ضعيف. هذا الضعف يتجلى في مظاهر عدة. أولاً من حيث اللغة المستعملة، فأغلب مستعملي هذه الوسائل الحديثة للتواصل الاجتماعي في الدول العربية الإسلامية يستعملون لغة عربية ذات مستوى ضعيف، أو الدارجة في أغلب الأحيان، أو لغة عربية عامية، بين اللغة العربية والدارجة.
إن هذه اللغة الضعيفة تؤثر على المستوى الثقافي لمستعمليها؛ ذلك أن اللغة وطبيعتها هي حاملة للفكر والمضمون وليست مجرد أداة كما يذهب إلى ذلك عديد من علماء اللغة وفلاسفتها. فاللغة لها قدرة على التأثير في الواقع والسلوك، فهي تحول الكلام إلى فعل -كما قال بهذا الفيلسوف الأمريكي أوستين (John Austin).
كما يعتمدون على نصوص قرآنية قصيرة وأحاديث قليلة ومتكررة، يكتفون بها لتفسير قضايا عدة وتبرير سلوكيات وأفكار عدة؛ لأن هذه النصوص القليلة يسهل قراءتها واستيعابها وحفظها. ذلك أن النصوص الطويلة والمختلفة تحتاج إلى مختصين في العلوم الإسلامية والكثير من الوقت. مما يعني أن هذه الفئة تحصل على تكوين مقتضب ومبسط وسهل ومشتت. فهي تكتفي بهذه الثقافة الدينية في نقاشاتها وحواراتها.
والأخطر من هذا أن هؤلاء يتجاهلون كل ما قدمه الفكر الإسلامي والفقه من تفسيرات وتأويلات حول النصوص الإسلامية والتاريخ الإسلامي، ويقدمون أنفسهم بديلاً عنها، ويقدمون قراءتهم الخاصة للتاريخ الإسلامي.
أما من حيث الموضوعات، فهم يركزون على الموضوعات المثيرة والحماسية مثل ما يُقال حول الإسلام ويتردد بكثرة، كالإسلاموفوبيا وصدام الحضارات، وموضوع الرسوم المسيئة للرسول، والتي كان لمواقع التواصل الاجتماعي دور في تفجيرها وتأثيرها على الرأي العام.
فالجبهة السلفية بمصر في صفحتها على فيسبوك، وبسبب الأحداث الأخيرة من حراك سياسي في مصر والدول العربية، نلاحظ أن أغلب الموضوعات تدور حول الأوضاع السياسية والتحريض على القيام بثورة ضد 30 يونيو وتبرير ذلك: «الفوضى خير من الاستبداد العلماني الذي لا يأتي استقراره إلا بنشر الكفر وحرب الدين وقتل المؤمنين». إننا أمام موضوعات فيها الكثير من الانفعالية وردة فعل.
يركزون على مفكرين غربيين معينين يشكلون الموجة الحديثة مثل صاموئيل هنتنغتون وبرنارد لويس وغيرهما. فهذه الموضوعات غالباً ما تتكرر وكأنها موضوع الساعة. وينسون أو يتناسون القضايا الكبرى للإسلام مثل تجديد الفكر الإسلامي والجانب الإنساني والروحاني للإسلام. ولا نجد فيها فكراً نقدياً، وإنما مجرد إحالات على نصوص جاهزة.
فضلاً عن أن ما يغيب في طرق انتقال المعرفة بالنسبة لهم من خلال هذه الوسائل الجديدة هو الوقت والإجراءات. فالمعرفة الجيدة هي التي تتم بشكل تدريجي وعبر مؤسسات معروفة وعبر اجتياز مباريات لتقديم شواهد النجاح وإعطاء الدبلومات والعلامات. ولكن كل هذا غير متوافر لهؤلاء ولا يكترثون به.
فالمعرفة عبر الإنترنت وعبر هذه القنوات الجديدة للتواصل الاجتماعي تتم مرة واحدة ليس فيها تدرج، ولا بيداغوجيا، ولا احترام للسنوات والتراتبية.
نحن –إذن- أمام «جامعة جديدة» تخرج لنا نوعاً من الإسلاميين لهم معارف تغيب فيها كل شروط المعرفة التي أشرنا إليها آنفاً. فالإنترنت تحطم كل هذا، حيث يحصل الفرد على معلومات بسهولة وبشكل مباشر. إضافة إلى نشر المعلومات عبر الإشاعات غير المتحقق منها في أغلب الأحيان. والإشاعة -كما يذهب إلى ذلك السوسيولوجي الألماني – الروسي سيرج تشاخوتين ( Serge Tchakhotine)[16] – تضعف كل مقاومة (حالة صعود الدكتاتوريات كالنازية التي استعملت الإشاعات كجزء من إستراتيجيتها التحكمية) كما أن لها سلطة على الشخص بفعل جاذبيتها.
فهذه الوسائل الجديدة من التواصل تتجلى خطورتها وتأثيرها على هذا المستوى، من حيث إنها تستعمل كوسيلة للتحفيز السياسي والديني وخلق الأنصار والمؤيدين.
وتتجلى قوة تأثيرها وخطورتها في مسألة الثقة التي تكنها نسبة كبيرة منهم لهذه الأداة الإخبارية الجديدة. فهي تحظى بنوع من المصداقية لديهم حوالي 40%. فقد أصبحت لدى العديد من مستخدميها -بمن فيهم الإسلاميون- مصدراً أساسياً للأخبار والمعلومات، وليس ثانوياً لسرعتها وعالميتها واقتناعهم بأن الوسائل التقليدية لم تعد قادرة على إشباع فضولها المعرفي.
استطاعت الحركات الإسلامية في العالم العربي أن تنجح في استغلال شبكة الإنترنت، وتالياً هذه الوسائل التواصلية الجديدة. فأصبح الآن لكل جماعة إسلامية أو سلفية مواقع إلكترونية وصفحات للتواصل الاجتماعي كفيسبوك أو تويتر مثلاً. وقد أفتى أغلبية شيوخ الجماعات الإسلامية بضرورة هذا الأمر، على الرغم من التحفظ والتحذير منه في البداية.
إن الفئة العمرية التي تستخدم أكثر هذه الشبكة ووسائل التواصل هذه، هم تمكنت وسائل التواصل الاجتماعي هذه من نشر الدعوة الإسلامية بشكل أكثر سرعة وأكثر شمولية؛ حيث يصبح الإسلام معروفاً لدى عدد كبير من الناس من أنحاء المعمورة. إلاَّ أن ما يمكن ملاحظته في هذا الإطار هو طبيعة الإسلام الذي يتم نشره والفئة التي تحمل على عاتقها مسؤولية الدعوة.من الشباب أقل من (30) سنة. وتالياً فإن الموضوعات غالباً ما تكون ذات طبيعة انفعالية وسياسية أكثر منها دراسات ونقاشات حول الإسلام. كما أن الرد يكون –غالباً- ذا طابع انفعالي ومشحون بأفكار مسبقة حول الدين الإسلامي، وخصوصاً الجانب التشريعي منه، وتحديداً مسألة الحدود وصرامتها في الإسلام وحياة الرسول مع زوجاته. فنادراً ما نجد نقاشات حول قضايا فكرية عميقة وفقهية جادة.