الإسلامي.. في الجمهورية الإسلامية الإيرانية!

منذ أربعين عاما قامت الجمهورية الإسلامية في إيران وبعد مرور أربعة عقود من حق الإنسان أن يسأل: ما هو الإسلامي في تلك الجمهورية الإسلامية؟ وهنا نجد أنفسنا أمام مجموعة من المعايير الكبرى للإسلام التي لا يختلف عليها اثنان مهما تكن الخلافات المذهبية بينهما.

بقلم: نصر محمد عارف

لم يعرف تاريخ المسلمين وصف الكيانات والهيئات والأفعال بصفة الإسلامي، فقد كان المتعارف عليه أن الإسلام لا ينسب الى جماعة أو كيان، وأن الأفعال تنسب لأصحابها الذين قاموا بها، فلم يكن هناك حزب إسلامي، ولا جماعة إسلامية، ولا دولة إسلامية، فقد اتخذت الجماعات صفات أفعالها وأفكارها ولم تحتكر الإسلام وتنسبه لنفسها، فكان هناك المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والقدرية، وكانت هناك الدولية الأموية والفاطمية والأغلبية والمرابطين والسلاجقة وغيرهم.

وبسبب المواجهة مع الغرب الاستعماري تحول الإسلام من دين وعقيدة إنسانية عالمية الى هوية وشعار وأيديولوجيا لخوض معارك سياسية، أحيانا تكون معارك تحررية ضد عدو خارجي، وأحيانا أكثر تكون معارك على السلطة والثروة والنفوذ ضد خصوم من الدين والمذهب نفسه.

منذ أربعين عاما قامت الجمهورية الإسلامية في إيران، وبعد مرور أربعة عقود من حق الإنسان أن يسأل: ما هو الإسلامي في تلك الجمهورية الإسلامية؟ وهنا نجد أنفسنا أمام مجموعة من المعايير الكبرى للإسلام التي لا يختلف عليها اثنان مهما تكن الخلافات المذهبية بينهما.و تعمير الأرض. ما هو نموذج الجمهورية الإسلامية لتحقيق العمران في الأرض؛ الذى يعنى بلغة العصر تحقيق التنمية الشاملة؟

  • أعلى مقاصد الدين الإسلامي حفظ النفس البشرية، وحفظ الدماء، وأعظم الجرائم عند الله قتل النفس البشرية، وإزهاق الأرواح دون حق. هنا نتساءل هل أسهمت الجمهورية الإسلامية في حفظ النفوس والأرواح، وكانت فعلا مثالا لتطبيق مقاصد الشريعة التي تجمع عليها جميع المذاهب؟ والإجابة بكل بساطة يرصدها ويحفظها التاريخ من المذابح التي تمت بحق نظام الشاه، وجيشه وشرطته وجميع قياداته، ثم الحرب العراقية الإيرانية التي راح ضحيتها الملايين، ثم تسهيل حركة القاعدة وتوظيفها لأغراض سياسية. رغم أنها آلة عمياء لسفك الدماء، ثم تسهيل غزو العراق من خلال الأحزاب التابعة للجمهورية الإسلامية؛ وما ترتب عليه من قتل وتشريد ملايين العراقيين، انتقاما من صدام حسين، وتوسيعا لنفوذ الجمهورية الإسلامية، ثم مذابح سوريا التي كان بيد الجمهورية الإسلامية أن توجد مساراً مغايراً للأحداث هناك، وأخيراً اليمن التي تحولت الى أرض للحرب بالوكالة عن الجمهورية الإسلامية ضد أعدائها. التاريخ يقول لنا إن إيران مع الجمهورية الإسلامية أسهمت في إراقة الدماء، وإزهاق الأرواح، وإهلاك النفوس أضعاف ما كان يمكن أن يتم لو استمر نظام الشاه، ولم تنشأ الجمهورية الإسلامية.
  • العدل هو أعلى قيم الإسلام، فكيف كان موقعه في نظام الجمهورية الإسلامية؟ وهل قامت الجمهورية الإسلامية بنشر العدل داخليا وخارجيا؟ والحقيقة والتاريخ يقولان لنا إن نظام الجمهورية الإسلامية لم يكترث كثيرا لتطبيق العدل، وإنما سار مع المصالح السلطوية والانحيازات العرقية والمذهبية، ففي داخل إيران هناك تفضيل للفرس على باقي القوميات، وللشيعة على باقي المذاهب والأديان، وهناك أيضا تفضيل لأنصار النظام ورجاله على باقي المواطنين، وهناك تفضيل للمؤسسات التي تحمى النظام كالحرس الثوري على باقي المؤسسات. إذن العدل يكاد يكون غائبا عن منهجية الحكم في الجمهورية الإسلامية. في الخارج ترفع الجمهورية الإسلامية شعار الثورة وهو شعار ماركسي بالأساس، ولا يظهر شعار العدل في أجندتها الدولية، بنفس الطريقة التي يظهر بها شعار الحرية في الأجندة الدولية للدول المنتمية للحضارة الأوروبية والتي تتخذ من الحرية قيمة عليا مثلما يتخذ الإسلام من العدل القيمة العليا.
  • العمران الذي هو جوهر وجود البشر على الأرض، والذي جعله الله سببا لخلق الناس وهو تعمير الأرض. ما هو نموذج الجمهورية الإسلامية لتحقيق العمران في الأرض؛ الذى يعنى بلغة العصر تحقيق التنمية الشاملة؟ الحقيقة تقول لنا: إن الشعب الإيراني مع الجمهورية الإسلامية ازداد فقراً وحاجة، وأن طبقات واسعة في المجتمع تعانى نقصا واسعا في احتياجات الحياة، وأن الجمهورية الإسلامية ورموزها الدينية تحتفل بمرور أربعين عاما عليها باستعراض وسائل تدمير الأرض، وهى الأسلحة والصواريخ، ولم تظهر للعالم وسائلها في تعمير الأرض، وكأنها تقول للعالم إن الإسلام جاء للحروب والقتال، وأن جوهره هو مراكمة الأسلحة ذات التدمير الواسع النطاق، وأنه ليس هناك مجال لتعمير الأرض.

هذه مجرد نماذج للقيم الكبرى للإسلام التي لم تستطع الجمهورية الإسلامية منذ أمد طويل أن تطبق منها شيئا، وهنا نعيد إثارة السؤال: ما هو الإسلامي في الجمهورية الإسلامية، والإجابة بكل بساطة الإسلامي في نظامها هو الشعارات التي يتم بها استحمار الجماهير على حد قول المفكر الإيرانى المرحوم على شريعتي في كتابه "النباهة والاستحمار"، وإن الإسلام هو مجموعة أشكال ورموز فارغة المعاني مثل: العمامة اللحية، وعدم ارتداء رابطة عنق، لأن رابطة العنق شعار الكفار، وحجاب يفرض بالقوة ودون اقتناع، وملالي يملؤون الطرقات، ومدارس دينية لتضخيم الثروات، وتوظيف للمذهب والتاريخ لأغراض قومية وعنصرية ولمصالح سياسية.

إن سؤال ما هو الإسلامي في الجمهورية الإسلامية ينطبق على كل من رفع نفس الشعار مثل تركيا، وينطبق كذلك على الأحزاب والجماعات، الإسلام عندهم شعار، والسلوك على العكس منه بصورة كبيرة ومؤلمة.

نُشر في الأهرام