الإسلام السياسي ليس إسلاما وليس سياسة.. حالة ذهان

إذا كانت التقوى هي القاعدة العامة التي أسس عليها الإسلاميون البناء الاجتماعي الإسلامي فلماذا انحطت منظومة الأخلاق في نظام الإسلام السياسي من مال سياسي مشبوه وقذف وتشهير بالخصوم السياسيين واغتيالات سياسية ممنهجة في حرب الكل ضد الكل؟

بقلم: إيمان بوقردغة

    تعد الإسلاموية "نتاج الحداثة بقدر ما هي ردود فعل عليها". فقد استعار الإسلاميون، في حين حاولوا مقاومة الحداثة وبناء نظرية إسلامية أصيلة لطريقة حياة جديدة، العديد من الأفكار والأساليب الغربية الحديثة فيما يتصل بالتنظيم السياسي والاجتماعي فضلا عن التعبئة. فبدلا من تأسيس تقاليد مدرسية جديدة أو مذهبية، أسس الإسلاميون حركات اجتماعية وأحزاب سياسية تنشر الفكر السياسي استئناسا بالتقاليد السياسية الغربية .

فبفضل ظهور شكل حديث من أشكال النشاط السياسي ونقصد بذلك التنظيمات السياسية الحديثة، ووسائل الإعلام أصبحت الحركات الإسلامية قادرة على تجنيد أتباع لها للالتزام بنظام جديد للأفكار والانتماء إلى حركاتهم الاجتماعية.

إن هذه العلاقة الجدلية بين محاربة التحديث والرغبة في إرساء قواعد الأصولية الجديدة كشف عنها حسن البنا البرقع عبر تعريفه للشمولية الإسلامية، حيث قال:

"الإسلام هو نظام شامل يعالج كل جوانب الحياة. إنها دولة ووطن وحكومة وأمة. إنها الأخلاق والقوة والرحمة والعدالة. إنها الثقافة والقانون والعلوم والقضاء. إنها مادية ومبدعة ومكاسب وثراء. إنه الجهاد والدعوة والجيش والفكرة. كل ذلك كما هو صحيح العقيدة والعبادة الصحيحة بلا تمييز".

فالحركات الإسلامية تدعي أنها كلها شيء دفعة واحدة لكن هل طوّرت هذه الحركات الأدوات السياسية اللازمة حتى تجسّد هذا الكل؟

إن النظر في واقع ممارسة الإسلام السياسي يحيلنا على حقيقة أن حلوله بسيطة تجاه المشاكل المعقدة التي تواجه المجتمعات الحديثة فهو" يتجاهل البرنامج السياسي، والمناقشة المفتوحة، وقيمة الضوابط والتوازنات والحد من السلطة والمرونة في إنتاج ممارسة سياسية مستقرة".

في ظل غياب رؤية سياسية واضحة فإنه يصعب صياغة المطالب في شكل حقوق مدنية ويتواصل الانتقال بين الاستراتيجيات النموذجية الثلاث "الدعوة، الحزبية، الجهاد"، أو الجمع بينها عبر دعم الحركة الجهادية داخل الدولة وخارجها واستعمال الدعوة في المساجد وحتى في المؤسسات التربوية كوسيلة لكسب الانتخابات وهو ما يعزز وجاهة اتهامها بالانتهازية والازدواجية.

هذه الازدواجية نشأت منذ تأسيس حركة الإخوان المسلمين التي غالت في اعلان العداء للعلمانية وفي الوقت نفسه كان عليها أن تنخرط في المفهوم القومي العلماني.

وهو تناقض صاحبها في كافة مواقفها فلطالما أعلنت دعمها للقضية الفلسطينية كوسيلة لكسب التأييد الشعبي لكن علاقتها مع إسرائيل أقل ما يقال عنها أنها مشبوهة حتى أن رويل ماير المؤرخ وأستاذ التاريخ والعلوم السياسية في الشرق الأوسط الحديث وشمال إفريقيا والفكر السياسي الإسلامي الحديث أقر في دراسة له بعنوان "نحو الإسلام السياسي "Towards a Political Islam أنه "في فلسطين، لعب الإخوان دورا متناقضا مماثلا، بل ودعمهم الإسرائيليون ضد منظمة التحرير الفلسطينية"*.

وترتيبا على ذلك فإنه من ناحية الأنظمة السياسية يصعب جدا أن تصبح الحركات الإسلامية ديمقراطية في سياق غير ديمقراطي يتّسم بالغموض والتناقضات.

فالحل المقترح من قبل هذه الحركات يتمحور بالأساس حول شخصية الحاكم الذي يفترض فيه التحلي بأخلاق أمير المؤمنين والعض على "القيم الأخلاقية بالنواجذ."

فيركز الإسلام السياسي إذن على "القيم "بدلا من السياسة فيتأسّس على "فضيلة نفسية" ينبغي أن يتمتع بها "أمير المؤمنين" كشرط من شروط الأهلية للخلافة.

"فإن أوضح سقراط منذ عهود خلت " أن النفس كالعين والأذن وغيرهما من الحواس ، لها عمل أو وظيفة تتمها، ولها أيضا فضيلة بها تتمكن من ذلك الإتمام، وتلك الفضيلة في النفس هي العدالة، فلا تستطيع النفس إتمام عملها إتماما حسنًا دون سلامة فضيلتها"

فإذا كانت فضيلة النفس هي العدالة من وجهة نظر سقراط فماهي فضيلة النفس عند الإسلامويين؟

هل هي التقوى؟

في الممارسة السياسية هل عقلن الإسلامويون مفهوم التقوى لبناء "الجمهورية" وقبل عقلنة المفهوم للإحاطة به نظريا هل استبطن الإسلامويون فضيلة التقوى ففاضت ضميرا متوهّجا ترجم عنه الالتزام بجملة من الروادع و الضوابط قصد تأسيس البناء الاجتماعي الإسلامي.

فإن كانت التقوى هي القاعدة العامة التي أسس عليها الإسلامويون البناء الاجتماعي الإسلامي فلماذا تسفل منظومة الأخلاق في نظام الإسلام السياسي فنراها تنخرط بكل ما أوتيت من مال سياسي مشبوه وقذف وتشهير بالخصوم السياسيين واغتيالات سياسية ممنهجة في "حرب الكل ضد الكل" فإن اقتضت فلسفة "العقد الاجتماعي" عند هوبز كشريعة "حرب الكل ضد الكل "أن يرغم الناس على التنازل عن كافة حقوقهم مقابل استتباب الأمن والسلام فلماذا يستشري الإرهاب والاغتيالات الشائنة و يكاد ينعدم الأمن و الاستقرار في الدول التي يحكمها الإسلام السياسي.

هي استفهامات منطقية لعل العالم السياسي الفرنسي الشهير أوليفييه روي قد أجاب عنها حيث قال في مؤلَّفه "فشل الإسلام السياسي": "إن مشكلة الإسلام السياسي هي الحد من سياسة الفضيلة والتقوى" "أما الباقي فهو "خطيئة أو مؤامرة أو وهم". فهل يكون الإسلام السياسي وهما؟

في مقام آخر يعرّف أستاذ مايكل جيلدر مؤسس قسم الطب النفسي بجامعة أكسفورد الذهان بأنه. مصطلح طبي نفسي يطلق على الحالات العقلية التي يحدث فيها خلل ضمن إحدى مكونات عملية التفكير المنطقي والادراك الحسي، والأشخاص الذين يعانون من الذهان تُصيبهم حالات من تغيير الشخصية مع مظاهر تفكير مفكّك، تترافق هذه الحالات غالبا مع انعدام رؤية الطبيعة اللا اعتيادية لهذه التصرفات وصعوبات في التفاعل الاجتماعي مع الأشخاص الآخرين وخلل في أداء المهام اليومية. لذلك كثيرا ما توصف هذه الحالات بأنّها تدخل في نطاق "فقدان الاتصال مع الواقع". فهل الإسلام السياسي بكل ما يحمله من تناقضات وزدواجية هو حالة ذهان؟

*Palestine, the Brotherhood played a similar ambivalent role, and was even

supported by the Israelis against the Palestine Liberation Organization (PLO

كاتبة مصرية