الإسلام السياسي.. مطلب السلطة باسم الله

ما شعار الاسلام هو الحل فضلاً عن النشاط السياسي الذي تمارسه الجماعات الاسلامية بمختلف تلاوينها وأشكالها وما يتسم به من سلوك إرهابي يصل إلى حد إصدار الفتاوى بالتفكير والقتل إلى غير ذلك هي جميعًا مظاهر لحركة تسعى إلى السلطة وإلى أسلمة القوانين والمجتمع!

بقلم: فهد المضحكي

    في رده على الكاتب الإسلامي فهمي هويدي، كتب المفكر محمود أمين العالم ليس هناك ما هو أخطر على الحوار الفكري، من محاولات المراوغة والتستر والتقية وأنصاف الحقائق والخطاب المزدوج، وخاصة إذا كان الحوار يتعلق بحركة فكرية سياسية في وزن حركة الاسلام السياسي، هذا ما ذكره العالم في كتابه «من نقد الحاضر إلى إبداع المستقبل مساهمة في بناء المشروع النهضوي العربي» تحت عنوان الاسلام السياسي والسلطة.

فإذا كانت هناك مدارس وتجليات مختلفة لهذه الحركة في مناهج العمل وأساليبه، فإن ما نطلق عليه في هذه الحركة اسم التيار المعتدل -الوسطي كما يدعي الإخوان المسلمين- وما نطلق عليه اسم التيار المتعصب، وما نطلق عليه اسم التيار الإرهابي. على أنه برغم التنوع والاختلاف، هناك موقف يكاد يوحد هذه التيارات جميعًا وهو الموقف من السلطة، فهي جميعًا -سنية وشيعية- تدعو إلى السلطة الدينية، ولا تكتفي بالقول بتطبيق الشريعة الاسلامية وباستلهامها، بل تدعو دعوة صريحة جهيرة إلى أسلمة السلطة، وأسلمة المجتمع في ممارساته وأساليب حياته، بل لعل بعضها يمتد بهذا إلى محاولة أسلمة المعرفة والعلوم كذلك، والأسلمة لا تعني أن يصبح النص الديني من قرآن وحديث بذاته مرجعًا وحيدًا للسلطة والمجتمع والعلم، ليس هناك سبيل مباشر لذلك، وإنما يتحقق ذلك بقراءة النص وتفهمه وتفسيره، وهكذا تصبح القراءة الخاصة التي تقوم بها هذه الجماعة التي تسيّس الاسلام وتؤسلم السياسة هي المرجع الذي يحتكر تطبيق الاسلام.

ولما كان النص الديني نصًا مقدسًا، تنتقل القداسة بالضرورة من النص إلى هذه الجماعة في السلطة، فتصبح كلمة سلطة -سلطتهم- هي الإرادة المعبرة عن الإرادة الإلهية!

وهكذا يعودون بنا إلى العصور الوسطى الاسلامية وغير الاسلامية حينما كان الحاكم يعد نفسه ظل الله على الأرض والمنفذ لكلمته، وهكذا يسود التسلط والاستبداد والجمود الفكري وتنعدم الديمقراطية باسم الدين.

هذا الكلام ورد في محاضرة للعالم حول «أزمة الفكر العربي المعاصر» تعرض فيها لمختلف التيارات الفكرية الراهنة ولما تقدمه من حلول لأزمة واقعنا العربي، وكان من بين التيارات التي تعرض لها الاسلام السياسي، وما يقدمه من حلول لأزمة الواقع المصري والعربي.

وتساءل «هل الحل كما تدعو حركة الاسلام السياسي بتفريعاتها المختلفة هو بالسلطة الدينية؟».

في معرض إجابته عن هذا السؤال، يقول: «إن السلطة الدينية في تقديري وبوضوح وصراحة كاملين تعني انقسام المجتمع وتخلفه، لا وحدته وتقدمه، تعني الاستبداد والجمود الفكري على حساب العقلانية والاستنارة والديمقراطية». وأضاف قائلاً: «ليس هذا إقلالاً من قيمة الدين أو من دوره في المجتمع او في قلوب الناس وضمائرهم وعقائدهم وحياتهم ومجتمعهم، فالدين جانب أساسي عزيز من تراثنا الثقافي والقومي والاجتماعي والشعبي، وهو بُعد أساس من أبعاد هويتنا ذاتها، وهو مصدر إلهام واستلهام خلقي وسلوكي وتشريعي بغير شك، ولكن السلطة الدينية شيء آخر».

نعم، كما أشار، ما أكثر الأمثلة من حولنا التي جعلت من سلطتها الدينية أداة للقمع والاستبداد والجمود والتخلف وإلغاء حق التعددية والاختلاف والإبداع والتجديد. وفي موضع آخر كان يتعلق بالثقافة والديمقراطية، أشار إلى ضرورة العمل على إزالة كل الاسباب التي تعوق حرية الاطلاع والنشر والتعبير وإطلاق حرية الحوار الاجتماعي والفكري في المجتمع بين مختلف التيارات الفكرية والعقلانية والوضعية والقومية والدينية، وتنمية ما هو مشترك بينها جميعًا لمصلحة التقدم الاجتماعي.

ومناسبة هذا الكلام كان فهمي هويدي من بين الحضور، وفي مداخلة له نفى تمامًا أن حركة الاسلام السياسي تدعو إلى السلطة الدينية!

ويذكر العالم أنه لا يتحدث عن الاسلام، وإنما يتحدث عن حركة سياسية تتخذ من قراءة خاصة للاسلام منطلقًا لحركتها السياسية، ويعني ذلك الاختلاف مع هذه القراءة الخاصة وليس مع الاسلام.

وإذا كان ثمة مواقف تختلف في حركة الاسلام السياسي حول منهج السلطة الدينية، فإنه من المؤكد -كما أشار إليه العالم وبينته التجارب- هناك من يذهب إلى تكفير السلطة والمجتمع القائمين وضرورة فرض السلطة الاسلامية والمجتمع الاسلامي بالعنف المسلح، كما تذهب الفرق الجهادية التكفيرية والجماعات الاسلامية التي خرجت من معطف سيد قطب، وهناك من يذهب إلى استخدام التقية والموقف المزدوج الذي يسعى إلى كسب المواقع والأنصار بالدعوة وممالاة السلطان في الظاهر، والاستعداد في السر للسيطرة على السلطة بالعنف المسلح.

لعل هذا كان هو التخطيط السائد في مرحلة قيادة الشيخ حسن البناء لهذه الحركة، وهناك حاليًا من يسعون إلى التغلغل في المؤسسات الاجتماعية، بل والمؤسسات السلطوية تمهيدًا للاستيلاء على السلطة بشكل ديمقراطي متدرج، أو يتحول إلى عنف مسلح إذا توافرت الشروط الاجتماعية، ولهذا يذهب بعض مفكريهم إلى الدعوة إلى احترام التعددية وتداول السلطة واحترام الإرادة الشعبية في سعيهم إلى السلطة مستفيدين بما يسود الأوضاع الاجتماعية الراهنة من تحديث مظهري استفزازي وتفاقم ظواهر الفقر والتخلف والتبعية، على أن الهدف النهائي على اختلاف المناهج والأساليب هو إقامة السلطة الدينية.

وما شعار «الاسلام هو الحل» فضلاً عن النشاط السياسي الذي تمارسه الجماعات الاسلامية -كما أسلفنا سنية وشيعية-، أي بمختلف تلاوينها وأشكالها، وما يتسم به من سلوك إرهابي يصل إلى حد إصدار الفتاوى بالتفكير والقتل إلى غير ذلك، هي جميعًا مظاهر لحركة تسعى إلى السلطة وإلى أسلمة القوانين والمجتمع!