الإسلام السياسي وما جناه على الإسلام

عمليات الإرهابيين في بلاد الغرب التي يكون ضحيتها المواطن البسيط مثل عمليات الدهس وعمليات القتل في فرنسا وفي غيرها هذه العمليات المسجلة صوتًا وصورة ويعيش المواطنون أحداثها ويتابعونها على الشاشات تترجم في النهاية إلى خوف من الإسلام ذاته.

بقلم: حلمي النمنم

لم ينقطع القلق والخوف لدى بعض دوائر أوروبا وبلاد الغرب عموما من الإسلام، لكنه - إن صحت التسمية - كان خوفا نظرياً وتاريخياً، ارتبط إلى حد كبير بمشاهد الاجتياح العثماني لبعض مناطق أوروبا، خاصة حصار فيينا، والممارسات العثمانية في بلاد البلقان، وكانت كفة الميزان تتجه إلى التعادل والتقارب بين العالم الإسلامي وبلاد الغرب، خاصة بعد انتهاء حروب الفرنجة، التي أطلق عليها المؤرخون الأوروبيون الحروب الصليبية، وكانت صورة صلاح الدين الأيوبي البطل المنتصر في الحرب والمتسامح أيضا والباحث عن السلام تعكس انتهاء مرحلة من الصراع، يمكن أن تبنى بعدها علاقات جيدة ورؤى أقل عدوانية على الجانبين، حتى جاءت الاجتياحات العثمانية في أوروبا، لتجدد المخاوف القديمة وتزيدها.

هذا الخوف تكشفه بوضوح دراسات بعض المستشرقين، فقد كانت لديهم تساؤلات وقلق حول عدد من الأمور في العقيدة الإسلامية وفي المسار التاريخي للعلاقة بين الدولة الإسلامية وأوروبا، وإلى جوار هذه المخاوف، نتجت احتكاكات عنيفة بين البلدان الإسلامية وأوروبا، في المرحلة الاستعمارية، نجم عنها أن رأوا نماذج ومشاهد مختلفة ومغايرة لبعض الخبرات والآلام التاريخية القديمة، وكانت صور المقاومة للمستعمر باعثة لدى بعضهم للاحترام الشديد، حيث وجدوا أنفسهم إزاء زعماء ومواطنين يدافعون عن استقلال بلادهم، نماذج مثل أحمد عرابي في مصر وعمر المختار في ليبيا وعبدالقادر الجزائري في الجزائر، وغيرهم وغيرهم، وقد أثبت هؤلاء جميعا رغم تدين كل منهم، أنهم لا يحملون عداء ولا كراهية للآخر، الأوروبي، غير المسلم، هم فقط يدافعون عن أوطانهم ويريدون العيش في سلام.

في العصر الاستعماري كانت أوروبا هي المعتدية، وهي التي بدأت العدوان ومارست الكراهية، وكنا نحن المعتدى علينا، وكنا في وضع الدفاع ولم نكن أبداً المهاجمين، وهذا كان في صالحنا على المستوى الثقافي والقيمي والإنساني، وكان الغرب مطالبا بالاعتذار لنا ومحاولة إصلاح الأخطاء والجرائم التي ارتكبت في حقنا، وبإزاء ذلك كله لم يكن هناك ثمة مبرر لمخاوف أو حديث عن العنف أو الإرهاب باسم الإسلام، كان الحديث وقتها لدى عدد من الدارسين الغربيين عن الإسلام المناضل والإسلام المكافح والإنساني.

المخاوف النظرية والتاريخية المترسبة في الأعماق كان يمكن أن تتلاشى مع الزمن، ويتم تعايش وتعامل جديد بين المسلمين والغربيين، خاصة أن الأيديولوجية الدينية، لم تعد لها الأولوية الأولى في حياة الغرب، صارت لديهم قيم إنسانية يسعون لتحقيقها وتعلى من البعد الإنساني في الأديان عموما، وتاريخ أوروبا ملئ بالصراعات والحروب الداخلية الكبرى، الحرب العالمية الأولى، في الأصل نزاع بريطاني- ألماني، وكذلك الحرب العالمية الثانية والتي راح ضحيتها حوالى 60 مليون نسمة، لكن أمكن تجاوز نتائجها، وقامت علاقات جيدة بين ألمانيا وبريطانيا وبين ألمانيا وفرنسا، رغم أن الأولى احتلت الثانية في الحرب العالمية الثانية، وقام الاتحاد الأوروبي، كان يمكن أن يحدث ذلك بين المسلمين وبلاد الغرب، وتعتدل رؤية الغرب للإسلام ذاته، وحدث ذلك نسبيا بعض الوقت، وبدأ إقبال أوروبي على الإسلام، دينا ومعرفة وثقافة، ثم جرى العكس تماما راحت المخاوف تستيقظ وتبعث من جديد مع بروز الإسلام السياسي، خاصة جناحه العنيف أو الإرهابي، وبدأت العقلية الغربية تتلقى رسائل أسامة بن لادن مثل «اسلم تسلم يا بوش»، باعتبار أن بن لادن هذا ينفذ تعليمات النبي محمد، ويقوم بما قام به، وهكذا وجدنا مزيدا من الإساءات لنبي الإسلام، في رسوم كاريكاتورية ومقالات تنطوي على جهل فاضح وبذاءة حقيقية وإساءات لمشاعر الملايين من المسلمين، بالتأكيد ما قام به الإرهابيون لا يبرر تلك البذاءة ولا الإساءة، فضلا عن أنهم ليسوا الإسلام ولا المسلمين، لكن آلة الفهم الغربية اعتبرت أن المسلم بالضرورة إرهابي إلى أن تواتيه الظروف لممارسة الإرهاب، وأن الإسلام يدعو إلى العنف والقتل، وأن القتل جزء أصيل في الإسلام.

 وحتى الذين اعتدلوا في الفهم وقرروا أن ضحايا الإرهاب معظمهم من المسلمين، وأن عدوانية التنظيمات والجماعات الإرهابية تتجه في المقام الأول إلى المسلم، ضحايا مسجد الروضة في بئر العبد بسيناء أكثر من ثلاثمائة إنسان، ماتوا وهم يؤدون الصلاة، قتلهم إرهابيون يزعمون أنهم يدافعون عن الإسلام، لكن هؤلاء الباحثين «المعتدلين» قرروا كذلك أن الإسلام يفرز الكراهية، بما فيها كراهية المسلم للمسلم، وذهب بعض الباحثين الغربيين إلى موقعة الجمل وموقعة صفين، زمن على بن أبى طالب يستشهدون بها، ولم يتمكنوا من القراءة الصحيحة للموقعتين، في ضوء اللحظة التاريخية والظروف التي كانت قائمة وقتها والملابسات التى أحاطت بهما وبأطرافها.

هكذا بات الإسلام - مع الأسف - مصدراً للخوف لدى الكثيرين، ولم يعد مصدرًا للجذب والإلهام كما كان، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، فقد عملت نظرية نيوتن هنا عن الفعل ورد الفعل عملها هنا، هذه الأفعال العنيفة والعمليات الإرهابية ولدت عنفًا مقابلًا، يقوم على العنصرية البيضاء وعلى كراهية عميقة للإسلام تاريخًا وحضارة وبشرًا، وما حدث في مسجد نيوزيلاندا خير دليل ونموذج.

حتى الآن لم تتوقف عمليات الدواعش والإرهابيين في بلاد الغرب، والتي يكون ضحيتها المواطن البسيط في الشارع، مثل عمليات الدهس، وعمليات القتل في فرنسا وفي غيرها، هذه العمليات المسجلة صوتًا وصورة، ويعيش المواطنون أحداثها ويتابعونها على الشاشات، تترجم في النهاية إلى خوف من الإسلام ذاته، ويذهب بعضهم إلى التنقيب في التاريخ الإسلامي للبحث عن تأكيد لمخاوفهم، وليس إلى تبديدها. ومن جانبنا لم تقم المؤسسات الإسلامية بواجبها الصحيح، واكتفت بإصدار بيانات التنديد بالإسلاموفوبيا في الغرب، وذهب بعض المسؤولين عندنا إلى معايرة الغرب بجرائمهم في الحرب العالمية وغيرها، والمجال لا يسمح بالمعايرة، بل علينا محاولة الفهم والتصدي لأصل الأزمة وليس - فقط - الاكتفاء بإدانتها، فما أسهل الإدانة ولكن الفهم صعب.

ولعل البيان الذي صدر في فرنسا مطلع هذا العام، والذى وقع عليه الرئيس ساركوزي واثنان من رؤساء وزراء فرنسا السابقين، وعدد من المفكرين ونجوم المجتمع الفرنسي. خير شاهد، طالب البيان، الذي وقع عليه بعض المسلمين أيضا، بحذف 25 آية من القرآن الكريم، لأنها بنظر الموقعين على البيان تدعو إلى القتل على الهوية.

قبل ذلك وطوال قرون كانت هناك دراسات عن الإسلام في فرنسا، وكان بعض هذه الدراسات شديد العداء للإسلام والرفض له، لكن لم يحدث أبداً أن طالب أحد المستشرقين بحذف آيات من القرآن الكريم، هذا التطور السلبي يعود إلى الإسلام السياسي الذي حول الإسلام إلى خطر، يهدد حياتهم وأمنهم ويهدد أوطانهم.

نُشر في المصري اليوم