الإقتصاد الإيراني يئن تحت وطأة العقوبات الأميركية

الوضع الاقتصادي يعيش تدهورا كبيرا بعد الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي ما انعكس سلبا على المقدرة الشرائية للمواطن الإيراني، وسط مخاوف من اتساع الأزمة في ظل تهديدات وجهها حكام طهران بأن صبرهم قد نفد.
توقعات بان تكون الأزمة الحالية أسوأ من الانكماش الاقتصادي لعامي 2012 و2013
من الصعب العثور على بعض المواد الغذائية في ايران
طهران منزعجة من عدم تحرر اوروبا من التاثير الاميركي في ما يخص العقوبات

طهران - يعاني الاقتصاد الإيراني بشدة بعد عام على الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي وعودة عقوبات واشنطن، غير أنّ طهران التي لم تنسحب من جانبها تحذّر بأنّ ثمة "حدوداً" لصبرها.

ويلخص الباحث في الشركة الاستشارية الأميركية "اوراسيا غروب" هنري روم، الوضع الاقتصادي في إيران بأنّه سيء ويتجه نحو "المزيد من السوء".

ويشير صندوق النقد الدولي إلى أنّ الناتج المحلي الإجمالي للجمهورية الإسلامية سيهبط بنسبة 6% عام 2019، بعد تراجع بنسبة 3,9% في 2018.

غير أنّ الهبوط قد يكون أكثر شدّة لأنّ هذا التوقع يعود إلى ما قبل إعلان واشنطن في 22 نيسان/ابريل عن وضع حد للإعفاءات التي كانت لا تزال تسمح لثماني دول بشراء النفط الإيراني من دون مخالفة العقوبات الاقتصادية الأميركية ذات المفعول الخارجي.

وتبدو هذه الأزمة ضمن مسار أسوأ من الانكماش الاقتصادي لعامي 2012 و2013 - الذي لا يزال ماثلاً في أذهان الإيرانيين - حين أنتجت العقوبات الدولية ضدّ برنامج طهران النووي وبرامجها لتطوير الأسلحة البالستية أقصى آثارها.

وكان النص الذي جرى التوصل إليه في فيينا في تموز/يوليو 2015 بين الجمهورية الإسلامية ومجموعة 5+1 (الصين، الولايات المتحدة، فرنسا، بريطانيا، روسيا وألمانيا) سمح بإعادة دمج إيران بمنظومة السياسة الدولية.

وكسبت طهران من خلال الاتفاق الذي أقرّه مجلس الأمن الدولي، رفعاً جزئياً للعقوبات الدولية التي تستهدفها. وفي المقابل، وافقت على الحد من برنامجها النووي بشكل كبير وتعهدت بعدم السعي بتاتاً لحيازة قنبلة نووية.

تضخم ب51%

إلا أنّ حكم الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأنّ هذا الاتفاق لا يقدّم ضمانات، جعله يعلن في 8 أيار/مايو 2018 نيته بسحب بلاده بشكل أحادي وإعادة فرض العقوبات التي كانت معلّقة بموجب نص فيينا.

وأعيد العمل بالعقوبات ابتداءً من شهر آب/اغسطس 2018، وتسعى واشنطن لقيادة حملة "ضغوط قصوى" ضدّ طهران بغية دفعها وفق ما تقوله نحو التفاوض على "اتفاق أفضل".

العملية الايرانية
انخفاض قيمة الريال الايراني ادى الى ارتفاع نسبة التضخم

وانخفضت قيمة الريال الإيراني مقارنة بالدولار منذ 8 أيار/مايو 2018 بنسبة 57% في الأسواق الحرّة، ما أنتج ارتفاعاً حاداً في أرقام التضخم التي باتت تلامس نسبة 51% على أساس سنوي مقارنة ب 8% قبل عام. وليس الحديث إلا عن النسب الرسمية... ولا تتبع المرتبات النسق التصاعدي.

ويؤثر ارتفاع الأسعار بشكل خاص على المواد الغذائية. ويقول مصدر في الصناعات الغذائية "زدنا أسعارنا بنسبة 70%" منذ 21 آذار/مارس 2018 (بداية السنة الإيرانية 1397)، ويضيف "بلا شك، سيتعيّن علينا الزيادة ب20% حتى شهر تموز/يوليو".

وفي بعض محلات العاصمة، بات من الصعب العثور على اللحوم الحمراء. كما أصبح الفستق الذي يحضر عموماً على كل طاولات الأفراح، بمثابة ترف غير متاح بالنسبة إلى كثيرين.

ماذا سيحل بهذا البلد إذا لم يعد بمقدوره بيع النفط على الإطلاق؟

وجاء الإعلان الأميركي بوقف الإعفاءات على مبيعات الخام الإيراني ليفاقم جواً من الأسى والنزعة الحتمية في العاصمة. فيتساءل أحد سكّان طهران "ماذا سيحل بهذا البلد إذا لم يعد بمقدوره بيع النفط على الإطلاق؟".

"أوروبا ذات سيادة"؟

اختارت إيران البقاء ضمن الاتفاق النووي ومواصلة احترام التزاماتها التي تعهدت بها في فيينا في مقابل الانسحاب الأميركي.

ويرى ديبلوماسي أنّ الحكومة الإيرانية التي تواجه صعوبات حقيقة مرتبطة بأثر "إعادة فرض العقوبات، تبدي حتى الآن براغماتية عالية".

برغم ذلك، يزعج طهران ما ترى فيه عجزاً أوروبياً عن التحرر من واشنطن وإنقاذ الاتفاق النووي عبر السماح للجمهورية الإسلامية بالاستفادة من الفوائد الاقتصادية المتوقعة.

ويحذّر نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي باستمرار من أنّ "ثمة حدوداً" لصبر إيران.

ولم يُستتبع إنشاء فرنسا وألمانيا وبريطانيا لنظام مقايضة في نهاية كانون الثاني/يناير يسمح بتبادلات محدودة بين أوروبا وإيران عبر الالتفاف على العقوبات الأميركية، بأي تعامل ملموس حتى الآن.

ويعتبر الباحث المتخصص في المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية كليمان تيرم أنّ "إيران ستحتاج إلى أوروبا ذات سيادة على الصعيد الاقتصادي من أجل المواصلة وفق الوضع الراهن، بلا الولايات المتحدة، في إطار" الاتفاق النووي.

غير أنّه يضيف أنّ المشهد "يفرض على إيران مواصلة الحوار السياسي مع أوروبا لتجنّب انسجام أميركي-أوروبي وإنشاء جبهة موحدة بوجه الاقتصاد الإيراني".