الإمارات ترد بالحجة على مزاعم العفو الدولية
أبوظبي - نفت الإمارات اليوم الجمعة صحة تقرير نشرته منظمة العفو الدولية "أمنستي" وتضمن اتهامات لأبوظبي بتزويد قوات الدعم السريع بالسلاح، فيما تثير مزاعم المنظمة نقاط استفهام، خاصة وأنها تأتي بعد أيام قليلة من قرار محكمة العدل الدولية ببطلان القضية التي اتهم فيها فريق البرهان الإمارات بنفس التهمة.
وقدمت أبوظبي دليلا دامغا على زيف الادعاءات، لافتة إلى أنها لا تصنع الأسلحة التي أشار إليها التقرير، ما يضع مصداقية المنظمة، التي كان يفترض أن تتحرى قبل السقوط في المغالطات، على المحكّ.
ونفت الإمارات مرارا تدخلها في الصراع أو دعم أي طرف، ملتزمة الحياد، بينما بذلت على مدار الساعة جهودا للتهدئة ودفع طرفي النزاع إلى الحوار، لكن تعنت قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان نسف عدة مبادرات كانت تهدف إلى وقف الحرب، في حين أكد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي" استعداده في أكثر من المرة لتسوية الأزمة بما يؤدي إلى تأسيس الدولة السودانية.
وقال مساعد وزير الخارجية الإماراتي للشؤون الأمنية والعسكرية سالم الجابري، إن بلاده على علم بـ"تقرير مضلل نُشر من قبل منظمة غير حكومية بشأن مزاعم تتعلق بوجود مدافع هاوتزر إيه إتش - 4 في السودان".
وأضاف الجابري، في بيان نشرته وزارة الخارجية الإماراتية على منصة "إكس"، أن بلاده "ترفض بشدة الزعم بأنها تزود أي طرف منخرط في الصراع الدائر في السودان بالسلاح"، مشددا على أن "هذه المزاعم لا أساس لها من الصحة وتفتقر إلى أدلة مثبتة".
والخميس، نشرت منظمة "العفو الدولية" تقريرا قالت فيه إن "تحقيقا لها خلص إلى أن الإمارات تزود قوات الدعم السريع بأسلحة صينية تستخدمها في الحرب التي تخوضها منذ عامين ضد الجيش السوداني، في انتهاك لحظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة".
وقالت "العفو الدولية" إن تلك الأسلحة "تشمل مدافع هاوتزر إيه إتش - 4 من عيار 155 ملم، وقنابل موجهة من طراز جي بي 50 إيه".
ووصف الجابري، هذا التقرير بـ"المضلل"، مضيفا أن مدافع هاوتزر الواردة في التقرير "يتم تصنيعها خارج الإمارات، ومتوفرة في السوق الدولية منذ ما يقارب عقد من الزمن"، معتبرا أن "الزعم بأن دولة واحدة فقط هي التي اشترت أو نقلت هذه المدافع غير صحيح".
وأكد على "ضرورة التحقق الدقيق من المعلومات قبل نشرها"، مجددا التأكيد على "الموقف الإماراتي الثابت والواضح المتمثل في عدم تزويد أي من الأطراف المتحاربة في السودان بالسلاح أو الدعم العسكري".
ولفت إلى أن "هذا الموقف تم إبلاغه بشكل مباشر إلى الأمم المتحدة، وهو ما ينعكس في أحدث تقرير لفريق الخبراء التابع لمجلس الأمن بشأن نظام العقوبات المفروضة على السودان، والذي لا يورد أي نتائج ضد دولة الإمارات ولا يدعم المزاعم بشأن تورط الإمارات في نقل الأسلحة إلى السودان".
والثلاثاء الماضي، أعلنت الحكومة السودانية قطع العلاقات الدبلوماسية مع الإمارات متهمة إياها بـ"تزويد قوات الدعم السريع بأسلحة متطورة تم استخدامها في الهجمات الأخيرة على مدينة بورتسودان"، فيما ردت أبوظبي بأنها لا تعترف بالقرار باعتبار أن السلطة الحالية لا تمثل الحكومة الشرعية للسودان.
وفي بيانه اليوم، أكد الجابري، أن الإمارات "تُطبق نظاما شاملا وقويا لمراقبة الصادرات، متماشيا مع التزاماتها المعمول بها بموجب القانون الدولي، بما في ذلك ما يتعلق بالرقابة على الأسلحة".
وشدد على أن بلاده "تتعامل مع هذه المسؤوليات بجدية، وتبقى ملتزمة بالعمل مع شركائها الدوليين لمنع تدفق الأسلحة بشكل غير مشروع إلى مناطق النزاع".
وجدد الجابري، دعوة بلاده إلى "وقف فوري ودائم لإطلاق النار في السودان وحماية المدنيين واستئناف عملية سياسية شاملة تؤدي إلى حكومة مدنية مستقلة عن السيطرة العسكرية".
وأضاف "تبقى الإمارات من بين الداعمين الأكثر ثباتا للسودان خلال العقود الخمسة الماضية، وستواصل تقديم الدعم والتضامن لشعب السودان"، مؤكدا أن التزام بلاده الإنساني تجاه الشعب السوداني "لن يتزعزع".
ودخلت الحرب المتواصلة منذ أكثر من عامين في السودان منعطفا جديدا مع تكثيف قوات الدعم السريع استهداف مناطق يسيطر عليها الجيش بالطائرات المسيّرة، ما ينذر بمرحلة "خطيرة"، وفق ما يرى محللون.
وعلى مدى الأسبوع المنصرم، استهدفت طائرات مسيّرة أطلقها الدعم السريع مناطق يسيطر عليها الجيش، وكانت حتى أيام خلت تعتبر آمنة وفي منأى عن المعارك التي اندلعت منذ العام 2023.
وبذلك أمسى الاستقرار الذي حافظ عليه الجيش في مناطق سيطرته محل تساؤل مع تهديد طرق إمداده واستهداف البنى التحتية المدنية وقصف مناطق تبعد مئات الكيلومترات عن أقرب قواعد معلنة للدعم السريع.
وترى المحللة السودانية خلود خير أن الضربات تهدف إلى "تقويض قدرة الجيش على حفظ الأمن في مناطق سيطرته"، بما يتيح لقوات الدعم السريع توسيع رقعة الحرب من دون تحريك عديدها.
وخلال عامَي الحرب، اعتمد الدعم السريع بشكل رئيسي على الهجمات البرية الخاطفة التي أفضت مرارا الى كسر دفاعات الجيش وخسارته مدنا رئيسية. لكن منذ فقدانها السيطرة على الخرطوم، لجأت قوات الدعم السريع إلى الأسلحة بعيدة المدى.
ويصف مايكل جونز، الباحث في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن، تحركات الدعم السريع الأخيرة بأنها "تكيّف استراتيجي ضروري وربما يائس"، موضحا أن خسارة الخرطوم تعتبر "تراجعا استراتيجيا ورمزيا" للدعم السريع.
وباتت الأخيرة في حاجة إلى أن تبعث رسالة "بأن الحرب مستمرة" عبر استهداف مواقع حيوية، وفقا للباحث في شؤون السودان حامد خلف الله.
وقسمت الحرب السودان إلى مناطق نفوذ بين الحليفين السابقين، قائد الجيش عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو. ويسيطر الأول على وسط وشرق وشمال البلاد ومعظم العاصمة، بينما يسيطر الثاني على معظم إقليم دارفور (غرب) وأجزاء من الجنوب.
ولكن حتى مع الاستراتيجية الجديدة، يستبعد خلف الله أن تستعيد قوات الدعم السريع الخرطوم ومدن وسط البلاد، أو تبلغ المقر المؤقت للحكومة مدينة بورتسودان (شرق)، عن طريق العمليات البرية بسبب التقدم النوعي للجيش السوداني وخاصة في القدرات الجوية، مضيفا أن التحول للهجوم بالمسيرات هدفه فقط "ترهيب وعدم استقرار" في مناطق الجيش.
ويرى جونز أن المسيّرات والأسلحة الخفيفة تمكن الدعم السريع من "الوصول لمناطق لم تنجح سابقا في التوغل فيها".
وبحسب لواء متقاعد في الجيش، يعتمد مقاتلو الدعم السريع على نوعين من المسيّرات: انتحارية خفيفة وبسيطة الصنع تحمل قذائف وتنفجر عند الاصطدام، ومتطوّرة بعيد المدى قادرة على حمل صواريخ موجهة، كما تحوز هذه القوات مسيّرات من طراز "سي اتش 95" صينية الصنع.
ويرى مهند النور الباحث في شؤون السودان في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط أن الهدف الأساسي للدعم السريع من الهجمات الأخيرة هو تشتيت الجيش وإشغاله لمنعه من التقدم نحو دارفور أو كردفان في الغرب.
ويوضح أن الأسهل لقوات الدعم السريع "أن تهاجم بسرعة وبعدها تنسحب، بدلا من البقاء في الأراضي التي تتطلب الدفاع عنها".
ويتطلب عبور المساحة الشاسعة بين معقل الدعم السريع في دارفور، ومقر الحكومة بورتسودان، والبالغة 1500 كلم، استخدام مسيرات بعيدة المدى مثل وينغ لوونغ 2 صينية الصنع التي توفرها الإمارات، أو "بيرقدار تي بي تو" التركية التي يفضلها الجيش، حسب متقرير العفو الدولية.
وفي الوقت الحالي ينخرط طرفا الصراع في سباق تسليح مكلف جدا حيث يستهدف كل منهما تدمير ممتلكات الآخر من الطائرات المسيرة، بحسب خير.
وبعد عامين من حرب مضنية، لدى الدعم السريع سبب آخر للاعتماد على المسيرات: فإلى جانب إشغال الجيش في "أزمة أمنية" في مناطق سيطرته، ترى خير أن التحول نحو المسيرات يبقى أقل تكلفة من الاعتماد على المقاتلين.
وتقول خير إن اللجوء للمسيّرات "يسمح للدعم السريع بإعفاء مقاتليها من الانخراط في قتال بري أو مواجهات مباشرة مع الجيش".
وتسببت الحرب التي دخلت عامها الثالث قبل أسابيع في قتل عشرات الآلاف من المدنيين ونزوح 13 مليونا، وأزمة انسانية تعتبرها الأمم المتحدة من الأسوأ في التاريخ الحديث