الإنترنت سيظل منبرا للصراع على السلطة

سايمون هيل: يمكن للتكنولوجيا أن تكون وسيلة وأداة للإصلاح. كما يمكنها أيضا أن تكون وسيلة لمقاومة الإصلاح.
ثورة الديجيتال كانت عاملا مساعدا للثورة الاجتماعية خلال ثورات الربيع العربى والاحتجاجات ضد التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية فى إيران وروسيا
ثورة الديجيتال كانت خيارا ذا أثر كبير فى الحركات المناهضة لسياسات التقشف وحركات "احتلوا" فى أوروبا وأميركا

ثورات الديجتال لا تصنع ثورات؛ فالتكنولوجيا فى حد ذاتها لا تسقط الأنظمة القمعية، ولا تكشف القوانين الظالمة، ولا تحرر المساجين السياسيين، ولا تؤمن حقوق الإنسان؛ فالتغيرات الاجتماعية لا يصنعها إلا البشر على الأرض الذين يستخدمون تكنولوجيا الديجيتال "التكنولوجيا الرقمية"، بالإضافة إلى أكثر الأساليب تقليدية، فى سبيل تنظيم وفرض إرادتهم من أجل التغيير. 
هذا ما أكده منسق حملات للدفاع عن حقوق الإنسان البريطاني بيتر تاتشل في تقديمه لكتاب سايمون هيل "ثورات الديجيتال.. الفعالية في عصر الانترنت" وما سعى هيل إلى رصده وتحليله متناولا نشاط القواعد الشعبية، وبشكل خاص، والنشاط الذى ساد العالم منذ انهيار 2008 وثورات إيران وروسيا والصين وما أطلق عليه "الربيع العربي" كاشفا أن هذه الثورات لم تكن لتفعل فعلها إلا نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية في الدول التي شهدتها. 
إن ثورة الديجيتال كانت عاملا مساعدا للثورة الاجتماعية خلال ثورات الربيع العربى والاحتجاجات ضد التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية فى إيران وروسيا. كما كانت ثورة الديجيتال خيارا ذا أثر كبير فى الحركات المناهضة لسياسات التقشف وحركات "احتلوا" فى أوروبا وأميركا.
قال هيل فى كتابه الذي ترجمه خالد الفيشاوي وصدر عن المركز القومي للترجمة "يمكن للتكنولوجيا أن تكون وسيلة وأداة للإصلاح. كما يمكنها أيضا أن تكون وسيلة لمقاومة الإصلاح، مؤكدا: "الإنترنت أداة للتغيير الاجتماعى وليس سببا للتغيير الاجتماعى. ويؤثر بعمق فى طريقة البشر فى الاتصال، ويسهل عليهم مشاهدة الحقيقة التى تخفيها القوى المتسلطة، كما يساهم الإنترنت فى تبادل الخبرات فيما بين النشطاء فى كل أنحاء العالم، وتنسيق الحملات بلا تسلط ودون تراتبية هيراركية، وفضح الحكومات والشركات الدولية الكبرى. كما تستخدم الحكومات والشركات الكبرى هذه التكنولوجيا نفسها فى التجسس على النشطاء، وتعطيل الحملات وإرباكها، والتوسع فى نشر رسائلهم من خلال الإعلان الممول بسخاء، وترويج أوهام من أجل الحصول على تأييد شعبى".
وأشار هيل إلى أن خصوم الديمقراطية والعدالة قادرون مثلنا تماما على استخدام وسائل الاتصال الاجتماعية ؛ فهذا ما حدث مع الحملات المناهضة لزواج المثليين فى المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأميركية، فتحرك القيادات الدينية المتعصبة مؤيديها لإغراق المشرعين بطلبات وعرائض ورسائل لمعارضة جواز المثليين.
وخصص هيل فصلا كاملا لشرح كيفية استخدام الشركات الاحتكارية الكبرى والحكومات تكنولوجيا الديجيتال لدعم أجنداتها، وتفويض النقد والمعارضة والاحتجاجات. وقال "فى كثير من البلدان نظم اليمين المتطرف حملات عبر الإنترنت لاستخفاف بجهود مناهضة العنصرية ودعوات المساواة بين الجنسين والحط من قدرها. فى الحقيقة، تلقيت الكثير من الحملات والرسائل المعادية، وتهديدات بالموت من جانب مؤيدى منظمات اليمين المتطرف مثل الحزب القومى البريطانى وعصبة الدفاع الإنجليزية، وأيضا من جانب الإسلاميين وأنصار نظام "موجابي" ونظام "بوتين". القصد يستخدم اليمينيون الميديا الاجتماعية كما يستخدمها أيضا اليساريون. 
وقال "رغم ذلك، هناك حدود الفيسبوك، وتويتر، وللتكنولوجيا الجديدة الخاصة بالإنترنت، فهى تطورات إيجابية فى مجملها، وتتجاوز الحدود القومية، وتتغلب على الرقابة التى تفرضها الدولة، وتخلق اتصالات مباشرة مع المجتمعات الكوكبية".
وتحدث هيل عن أن الإنترنت يقدم أداة للمقاومة وللتغيير، يحتاجها النشطاء لضمان النجاح فى عصر الإنترنت الحديث. لكن هذه الأدوات السيبرية ليست نهاية المطاف ولا هى الغاية، أنها مجرد أدوات. لا يمكن لها أن تجلب بمفردها التغيير الاجتماعى والسياسى. البشر هم القوة الأساسية للتغيير الاجتماعى سواء هنا أو فى أى مكان فى العالم، أما التكنولوجيا فيمكنها فقط أن تساعدنا فى تحقيق هذا التغيير، والتاريخ لا يصنعه فى الأساس سوى البشر.
وأكد هيل أن الإنترنت ليس سببا أو علّة، ليس أكثر من كونه أداة للتغيير الاجتماعى يؤثر بشكل عميق على طريقة الاتصال فيما بين البشر؛ يسهل عليهم رؤية الحقيقة التى تعمل الأطراف الأقوى على إخفائها، كما إنه وسيلة للتعلم من النشطاء وتبادل الخبرات فيما بينهم على النطاق العالمى، وتنسيق حملات دون هيراراكية وتراتبية تنظيمية، وفضح الحكومات والشركات الاحتكارية الكبرى العابرة للقوميات وتعريضهم للسخرية الكوكبية ذاتها فى التجسس على النشطاء، وشن حملات للتشويه وإثارة الفوضى والبلبلة، ونشر ما تريده الحكومات والشركات الكوكبية من رسائل من خلال إعلانات ممولة بسخاء ولخلق دعم شعبى مخادع.
طرح هيل وجهات نظر متنوعة فى إجابته عن سؤال: ما دور الإنترنت؟ كيف كان يمكن أن يكون الوضع صعبا بدونه؟ هل هو أداة للسلطة أو للقوى المعارضة؟ وهل هو أداة للتحرر أو السيطرة؟ متناولا تطور نشاط السايبر فى زمن الأزمة الاقتصادية، وأساليب الحكومات والمدنيين فى التعامل مع الأزمة. وكيف هدد الإنترنت وثورة الموبايل، القوى المهيمنة بتوفير وتحرير المعلومات، وبخاصة من خلال أقلام تناقش الأحداث الجارية. ونظر فى الحركات الكوكبية الراهنة: احتجاجات الأنكت "حركة مناهضة لتحقيق الاتفاق الحكومى نشأت فى بريطانيا"، "حركة نسوية نشأت فى 30 من أبريل 2011 فى تورنتو بكندا ضد ثقافة الاغتصاب"، وانتفاضات شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وحركات السكان الأصليين، ومعسكرات "احتلوا". 
كما تساءل عن كيفية قيام الإنترنت بالمساعدة فى تنظيم حملات على نطاق صغير وأكثر فاعلية، وكيف يمكن له أن يمكن الجماعات الهامشية أو أن يزيد من تهميشها. واستكشف أساليب الشركات فى استخدام الإنترنت فى مقاومة الاحتجاجات، وكيف يساند النشطاء فى كفاحهم. ليقدم بالنهاية بعض الأفكار عن مستقبل نشاط القواعد الشعبية فى عصر الإنترنت.
لم يركز هيل على الحملات التكنولوجية التى يقوم بها المرشحون للانتخابات الرئاسية أو التسريبات التى تقوم بها المنظمات مثل ويكيليكس، رغم الأهمية التى يشكلونها. بل ركز على ما لا يعرف عنه البشر الكثير، ركز على الذين اختاروا المقاومة والتوحد لمواجهة الظلم، مؤكدا أن وسائل الاتصال الاجتماعى أداة ووسيلة أكثر منها سببا للتغيرات الاجتماعية؛ فالفيسبوك والتويتر لم يسقطا بن علي أو مبارك، وبالمثل كما لم تطح المطبعة بالملك تشارلز الأول لكنهما يسرا على الناس الذين أطاحوا بها معرفة ماذا يفعلون، وساعدت على إجراء الاتصال والإعلام والحوار فيما بين المعارضين للنظام. يعنى ذلك أن وجود الفيسبوك والتويتر يمنحان الاحتجاجات العامة الثقة بأنهم ليسوا وحدهم. 
وأكد هيل أن الإنترنت ليس سببا فى هذه الموجة من النشاط، لكن السبب فى هذه الموجة من النشاط يكمن فى الأزمة الاقتصادية بالإضافة للعوامل التاريخية والثقافية الخاصة، التى تلعب الدور الأكبر والأهم. ولكن من الخطأ أيضا اعتبار أن الإنترنت ليس له دور مؤثر فيها؛ ففى بعض الحالات، زود الناس بوسيلة تساعدهم وتشجعهم على كسر الصمت، فقد مكن التونسيين الذين لا يمكنهم مشاهدة الاحتجاجات فى تلفزيون الدولة من أن يعرفوا من الفيسبوك، كما مكن النساء البرازيليات من مشاهدة فيديوهات السير الخليع على الإنترنت ومن القيام بأنفسهن من التصرف بالمثل. كذلك جعل الإنترنت من تنظيم أشكال كثيرة من الاحتجاج أمرا أكثر سهولة، ومن تسريع الإعلام والسماح للنشطاء بالإعلان على الإنترنت عن أماكن الاحتجاجات فى إعلان قصير. لا يحل النت محل وسائل الإعلام الأساسية ولا تسيطر عليه الشركات بدرجة أقل من سيطرتها على وسائل الإعلام والتكنولوجيات الأخرى. وفى الوقت نفسه، فإن ذلك لا يمنع النشطاء من استخدامه لمصلحتهم.

الصراعات على الإنترنت ستستمر نتيجة لأن الإنترنت لا ينفصل عن بنية الحياة والسياسيين، والمجتمع؛ فهو جزء منها، فالشركات نفسها التى تمارس السلطة والنفوذ على الحكومة وتهاجم الحركات الاجتماعية فى وسائل الإعلام تمارس بشكل طبيعى السلوك نفسه مع مواقع الإنترنت

وأضاف أن الإنترنت يؤثر فى شكل النشاط الذى يستخدم فيه بأساليب دقيقة وماهرة يصعب الوصول إليها. ويساهم فى التنوع بتشكيل مجموعات أيديولوجية صارمة عليه يصعب على الشركات والحكومات السيطرة على ما يدور عليها.
ورأى هيل النشاط الكوكبى الراهن لم يسفر عن قيادة منظمات هيراركية "تراتبية" أو تشكيل جماعات متعصبة؛ لافتا إلى أن مثل هذه المنظمات والجماعات المتعصبة تلعب دورا شديد المحدودية فى نشاط الإنترنت. وعلى عكس ذلك، تتشكل الحركات من القاعدة وتنطلق إلى القمة، وغالبا بشكل عفوى وتلقائى. من ناحية أخرى، شوه الخصوم حشود ميدان التحرير باعتبارهم ميليشيات إسلامية، كما شوهوا حركة مناهضة خفض النفقات العامة باعتبارها مقاتلى الطبقات الوسطى، ومؤيدى حركة السير الخليع باعتبارهم من محبى الاستعراض وكذلك تشويه النشطاء فى حركة غير القادرين باعتبارهم أدوات للمتطرفين. كان الإدعاء بأن احتلال بورصة لندن تسلل من جانب "السكارى ومتعاطى المخدرات والكويكرز" واحدا من أكثر الإدعاءات غرابة.
ولفت إلى أن معظم هذه الحركات قام بمبادرات من الناس الواقعين مباشرة تحت طائلة المظالم، سواء منهم العاطلون، أو المضارون من الفساد، والديكتاتورية، والعنف الجنسانى، والخوف من الأغيار والعداء لهم أو من الحروب. إنهم أول المستفيدين من تضامن غيرهم من غير الواقعين مباشرة تحت هذه المظالم. لا شك أن بعض هذه الحركات تتسم بكونها أكثر تنوعا وديمقراطية عن غيرها، وأنها لا تخلو من نقائص وعيوب، بعضها نقائص وعيوب كبيرة.
وقال هيل "ليس من السهل القول بأن السبب فى تجنب هذه الحركات والمنظمات للهيراركية "التراتبيى والمركزية" هو نتيجة للاعتماد على الإنترنت؛ فالحركات العفوية التلقائية، وغير الهيراركية، وحركات القواعد الشعبية الأصلية قائمة وموجودة منذ قرون. ففى عهد الإصلاح الأوروبى فى القرن الـ 16، انطلقت جماعات الفلاحين الراديكاليين بشكل عفوى فى وسط أوروبا، وطرحت أفكارا سياسية ودينية كما صنعت روابط وعلاقات مع بعضها البعض. وسيواصل المؤرخون الجدل حول دور التكنولوجيا فى هذه العملية: من اختراع طباعة الصحف، وظهور الطباعة الرخيصة نسبيا، التى ساعدت جماعات الإصلاح الأوروبى آنذاك فى نشر وتبادل أفكارها ووجهات نظرها. 
كذلك لابد من التذكير أن الإنترنت أيضا يستخدم من جانب المنظمات الهيراركية، والشركات، والمنظمات الحكومية بالمثل كما يستخدم من جانب من يعارضونهم؛ فمواقع الإنترنت ليست الترياق الشافى والمخلص من الهيراركية. مع ذلك، تساعد مواقع الإنترنت على نشر وتوسع الحركات التى تتبع الأساليب غير الهيراركية. بمجرد ما نشطت حركات مناهضة خفض الإنفاق العام، والسير الخليع، واحتلوا، أعلنوا من خلال الإنترنت ووسائل الإعلام الأساسية، ومن خلال المجموعات المشكلة عبر العالم، أعلنوا عن أنفسهم باعتبارهم جزءا من الصراع الكوكبى باستخدام هاشتاج مناسب وتنظيم احتجاج بالاشتراك مع غيرهم ممن يشاركهم أهدافهم. سهل الإنترنت على الحركات الاجتماعية الانتشار والتوسع دون تخطيط من جانب قيادة مركزية دولية.
ولفت هيل إلى أن الغالبية الواسعة من الحركات النشيطة الراهنة وليس كلها تتسم بأنها حركات غير عنيفة، يرتبط عدم العنف بالطبيعة غير الهيراركية لحركات النشطاء الراهنة. إن أى جماعة منظمة لها تعريف ولها حدود واضحة المعالم، هى فى الحقيقة منظمة هيراركية. فى المقابل، فإن أى حركة يمكن للناس أن تشارك فيها باتباع أساليب مختلفة، وفى أوقات مختلفة، ويناقشون القضايا على الفيسبوك أو فى الميادين والساحات العامة، مثل هذه الحركات من غير المحتمل أن تفضى إلى منظمات هيراركية صارمة مؤهلة لممارسة العنف. 
يشكل النشاط السلمى غير العنيف خيارا للناس الذين يسعون لبناء نظم اجتماعية واقتصادية، يتعامل فيها الناس مع بعضهم البعض على قدر المساواة، وباحترام متبادل وتشارك فى مصادر الثروة. كما يشكل هذا الخيار وعيا تكتيكيا. فى هذا الإطار تقول جين شارب إن النشطاء الذين وضعوا ثقتهم بالعنف "اختاروا نموذجا للنضال يملك فيه خصومهم الأسبقية".
ورأى أن الصراعات على الإنترنت ستستمر نتيجة لأن الإنترنت لا ينفصل عن بنية الحياة والسياسيين، والمجتمع؛ فهو جزء منها، فالشركات نفسها التى تمارس السلطة والنفوذ على الحكومة وتهاجم الحركات الاجتماعية فى وسائل الإعلام تمارس بشكل طبيعى السلوك نفسه مع مواقع الإنترنت. يمكن أيضا لهؤلاء الذين يتحدون نفوذ تلك الشركات فى الشوارع أن يواجهوها على الإنترنت. ولا يمكننا فهم دور الإنترنت فى السياسات وفى الأنشطة والفعاليات إذا اتبعنا هؤلاء الذين يصرون على رؤية النت باعتباره شكلا مختلفا عن كل أشكال الإعلام الأخرى، فمثله مثل طباعة الصحف، والراديو، والتلفزيون، يؤثر النت فى الإعلام والنشاط، لكنه يبقى منبرا للصراعات نفسها على السلطة، والنضالات نفسها من أجل الحرية التى تتواصل خارجه. وهذا هو السبب فى أن الحملات الفعالة والنشيطة لا يمكن لها أن تكون حبيسة الإنترنت أو تقصر نشاطها عليه. من ناحية أخرى تلعب تغطية وسائل الإعلام الرئيسة للأحداث عددا من الأدوار الحيوية فى موجة النشاط الراهنة.