الاتفاق النووي مكافأة لا تستحقها إيران

تقييد قدرات إيران النووية مقابل إطلاق يدها في المنطقة وهو ما قاد إليه الانفاق النووي واقعيا.

فرحة حزب الله بانتصاره الانتخابي ستكون مجرد حفلة عرس في ضيعة. فقد فُجع الإيرانيون وهم أسياد حزب الله بقرار ترامب بوقف العمل أميركيا بالاتفاق النووي، وهو ما يعني أن دولة الولي الفقيه ستكون مكسورة الجناح بما يجعلها عاجزة عن تمويل الحزب المذكور من أجل تجسيد انتصاره على الأرض اللبنانية التي لن تكون إذا ما طُبق القرار الأميركي جزءا من بلاد فارس.

شيء من هذا القبيل يمكن توقع حدوثه إذا ما عرفنا أن خلفيات القرار الأميركي قد بنيت على أساس الرغبة الأميركية في الحد من نفوذ إيران في المنطقة وإعادتها إلى حجمها الطبيعي دولة جارة للعالم العربي.

الجنون الإيراني لا معنى واقعي مؤثر له في سياق القرار الأميركي.

وكما أرى فإن الإيرانيين قد ارتكبوا الخطأ الذي يستحقون بسببه العقاب.

ليس صحيحا أن تُلام روسيا في ذلك.

فمثلما الغرب ليس مسؤولا عن أوهام اردوغان العثمانية فإن روسيا ليست مسؤولة عن أوهام الولي الفقيه الفارسية.

لقد شدد الرئيس الإيراني روحاني على أن ايران «ستقاوم بضراوة» ضغوطاً أميركية لكبح نفوذها الإقليمي. وكان ذلك رداً إيرانيا مسبقا على ما تطالب به الولايات المتحدة قبل أن تقرر تعليق العمل بالاتفاق النووي.

الامر لا يتعلق إذن ببرنامج إيران النووي بقدر تعلقه بمشروعها التوسعي في المنطقة. وهو مشروع عدواني، تخريبي، رث ومتخلف وهو حاضنة لحروب أهلية لن تنتهي.

ليست لدى إيران خبرة في السلام. تاريخ جمهوريتها الإسلامية مرتبط بالحرب الدائمة. وهو ما يُلقي بظلال كئيبة على حضورها في كل مكان تحل فيه. صورة قاسم سليماني تكفي لتقديم إيران باعتبارها دولة راعية للحروب الدائمة.

لم تقدم إيران نفسها في المنطقة إلا من خلال حرسها الثوري الذي يرعى ميليشيات طائفية مسلحة تقوم بحرث الأرض تمهيدا لقيام دولة الولي الفقيه التي صارت بديلا لدولة الامام المهدي التي صار الإيرانيون على وشك أن يصرحوا أنها لن تقوم.

ومن هنا فإن خطر إيران عل المنطقة لا ينحصر في برنامجها النووي بل هو يكمن في الأساس في نزعتها العدوانية ونهجها التوسعي وطريقتها في النظر إلى وجودها دولة يحق لها أن تنسف وجود الآخرين بذريعة وصايتها الكهنوتية على الشعوب.

هناك دول كثيرة تملك القدرات النووية ولا تشكل خطرا على العالم في حين تشكل إيران ذلك الخطر وإن لم تنتقل بعد إلى نادي الدول النووية.

إن استمرار النظام الإيراني في سياساته الحالية يشكل في حد ذاته خطرا على السلام العالمي، من جهة ما تنطوي عليه تلك السياسات من عدوانية ممنهجة ومنظمة ضد دول وشعوب المنطقة.

وإذا ما كان نظام الملالي في طهران قد ربط وجوده بعجلة مشروعه التوسعي فإن من حق شعوب ودول المنطقة أن تطالب بموقف دولي حازم، من شأنه أن يحد من الاطماع الإيرانية ويعيد الإيرانيين إلى جادة الصواب.

ولا أعتقد أن ذلك الموقف ممكن إلا من خلال فرض عقوبات اقتصادية على إيران ووضعها تحت مطرقة الرقابة التي ستمنعها من تمويل ميليشياتها المسلحة الفالتة. وهي مهمة تدخل في ما هو جوهري من الحرب على الإرهاب.

اما تقييد قدرات إيران النووية مقابل إطلاق يدها في المنطقة وهو ما قاد إليه الانفاق النووي واقعيا فإنه بمثابة مكافأة لدولة لا تخفي دعمها وتمويلها ورعايتها للإرهاب.        

إن الموقف الأميركي بالانسحاب من الاتفاق النووي هو موقف عادل من واحدة من أكثر مشكلات المنطقة تعقيدا. وسيؤدي ذلك الموقف إلى انفراج سريع في الكثير من الملفات الشائكة التي ما كان لها أن تكون كذلك لولا التدخل الإيراني.

كما أن الضغط على إيران اقتصاديا سيحول بينها وبين تمويل التنظيمات الإرهابية التابعة لها وهو ما سيقود إلى نصر ناعم على الإرهاب.

لقد تراجعت الولايات المتحدة بشجاعة عن خطأ ارتكبته وهو حدث نادر سيُحسب لها تاريخيا.