الاستفتاء ما يحسم بقاء القوات الاميركية او مغادرتها

قرار انسحاب القوات الأميركية أكبر من أن يترك للحكومة العراقية. سبق وان استهانت بالأمر.

يعتبر موضوع التواجد الاميركي في العراق من اكثر المواضيع المثارة حاليا على الساحة السياسية في العراق، وتصاعدت حدة التوتر فيه بعد تصريحات ترامب الاخيرة والتي اكد فيها ضرورة بقاء قواته في العراق لمراقبة ايران، وهو ما اثار حفيظة الاطراف السياسية العراقية خاصة تلك المقربة من ايران والتي تولي اهمية كبيرة للامن الوطني الايراني نظرا للمشتركات العقائدية والفكرية بينها وبين نظام الجمهورية الاسلامية في ايران.

ما يحدث اليوم في العراق هو تكرار لسيناريو حصل قبل عدة سنوات عندما اصرت حكومة المالكي في 2011 على خروج القوات الاميركية من العراق بدعوى جهوزية قوات الامن العراقية لمسك الملف الامني على الارض في جميع المحافظات، رغم تحذيرات عقلاء السياسة العراقية في ان هذا الانسحاب قد تكون له تداعيات خطيرة على الوضع العراقي. فكان ان احتلت داعش ثلث مساحة العراق في اقل من اسبوع. ورغم الدمار الذي حل بالعراق دولة وشعبا بسبب الاحتلال الداعشي فلم تخرج كل الاطراف العراقية خاسرة من هذا الاحتلال، فقد استغلت الفصائل المسلحة والاطراف السياسية الداعمة لها خارج العراق وداخله وجود داعش وسيطروا على مجمل مفاصل الدولة العراقية سياسيا وعسكريا، وحيدوا المكونات الاخرى عن العملية السياسية. لذلك فلا باس اليوم من تكرار ذات السيناريو ان كان سيعزز سيطرتهم اكثر على العراق ويبعد في نفس الوقت التهديد الاميركي عن الجارة ايران، دون الاخذ بنظر الاعتبار المخاطر الامنية التي يمكن ان تتعرض لها مناطق الوسط التي لا تزال داعش تشكل تهديدا امنيا عليها.

هناك مفارقتان في العلاقة الجدلية بين العراق واميركا. الاولى هي ان اميركا التي يطالبون بانسحابها اليوم، هي صاحبة الفضل الاول والاخير في اصل وجود هؤلاء على السلطة، ولولاها لما رأينا اليوم شعيط ومعيط يتحكمون بمفاصل الدولة العراقية وجرار الخيط يهدد ويتوعد. اما الثانية، فهي ان الحكومة العراقية التي اصرت على مغادرة القوات الاميركية في 2011 هي نفسها التي عادت بعد ثلاث سنوات لتتعلق باستار البيت الابيض طالبة المساعدة في انقاذها من احتلال داعش لثلث اراضي العراق.

وهنا يجب ان نطرح الاسئلة التالية: من يتحمل مسؤولية الدماء التي سفكت بعد انسحاب القوات الاميركية من العراق على اثر قرار خاطئ في 2011، ومن سيتحمل مسؤولية الدماء التي ستسفك اذا ما انسحبت تلك القوات هذه المرة؟ ولماذا الاستهانة بأرواح المواطن العراقي، ولمصلحة من يتم تعريض الامن الوطني العراقي للخطر حفاظا على الامن الوطني للاخرين؟

بقاء القوات الاميركية من عدمه له تاثير مباشر على الوضع الامني وهو من اولويات اهتمامات الشارع قبل ان يكون شانا برلمانيا او حكوميا، ورغم ان البرلمان يمثل الشعب الذي انتخبه. الا ان الضغوطات السياسية على اعضاءه ومصالح الكتل والاحزاب التي ينتمون اليها تذهب بقراراته بعيدا عن نبض الشارع الحقيقي خاصة في هكذا ملف، فان كنا ندعي اننا في دولة ديمقراطية وان كان البرلمان والحكومة يحترمان رغبة الشعب الذي انتخبهم، فيجب احالة موضوع انسحاب او بقاء القوات الاميركية في العراق على الشعب لمعرفة رأيه فيه، من خلال اجراء استفتاء شعبي يحسم فيه الشعب امره فيما اذا كان يرغب بانسحاب القوات الاميركية او يفضل بقاءها على اراضيه، فان قرر الشعب خروج القوات الاميركية، فسيكون هو المسؤول عن تبعات هذا القرار، وان اراد بقاءها فهذا خياره ويجب علينا احترامه.