الاعترافات بمغربية الصحراء تُغرق الجزائر في عزلة
الجزائر/تونس - أدخل الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء بمحاميله السياسية وبما يمثله من فعل وازن في سياقاته الجيوسياسية، الجزائر في حالة إرباك وزاد من طوق العزلة الإقليمية والدولية التي تواجهها الجارة الشرقية للمغرب والتي يُشكل دعمها لجبهة البوليساريو نشازا في فضائها الجغرافي ومحيطها الإفريقي بعد أن سحبت كثير من الدول كانت تشكل جبهة دعم لما يسمى الجمهورية العربية الصحراوية، اعترافها بالكيان غير الشرعي (البوليساريو) وافتتاح العديد من الدول الإفريقية والعربية ممثليات دبلوماسية لها في الأقاليم الجنوبية للمملكة.
وباستثناء قلة تكاد لا تذكر وليس لها ثقل لا تزال تدعم البوليساريو، تجد الجزائر نفسها في مأزق ومن المتوقع أن تكابد في المستقبل لإيجاد حلفاء يدعمونها في الدفاع عن الجبهة الانفصالية.
وتؤكد هذه التطورات أن الأمور خرجت عن سيطرة الجزائر التي تعيش جمودا سياسيا وأزمات اقتصادية واجتماعية بعد عام على تولي عبدالمجيد تبون الرئاسة من دون أن يمارس أي مهام فعلية فبمجرد انتهاء الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي أسقطت نتائجه شرعية ضعيفة كان يسعى لتعزيزها، غاب لأكثر من شهرين بسبب إصابته بفيروس كورونا ونقله للعلاج في ألمانيا.
وكان من المقرر أن يزور تونس بعد الانتهاء من الاستفتاء على الدستور في نوفمبر/تشرين الماضي وهي الجهة الإقليمية التي ترتبط بحدود ومصالح حيوية مع الجزائر، لكن تأجلت الزيارة بسبب مرضه وقد تجددت الدعوة اليوم الجمعة حيث أشار بيان للرئاسة التونسية إلى أن الرئيس قيس سعيد اتصل بنظيره الجزائري للاطمئنان على صحته وأنهما اتفقا على الالتقاء فور عودة الرئيس تبون إلى الجزائر.
وجاء بيان الرئاسة التونسية، على اثر بيان أصدرته وزارة الخارجية نأت فيه بنفسها عن تصريحات وزير الخارجية الأسبق أحمد ونيس لراديو 'إي إف إم' المحلي الخاص هاجم فيها الجزائر وحملها مسؤولية "تقسيم المغرب العربي وما عاشته المنطقة من اشتباكات في منطقة الصحراء".
وقال ونيس إن النظام الجزائري لعب بالنار وإعلان الحرب على المغرب بعد افتكاك مئات الكيلومترات من الحدود المغربية والتونسية"، مضيفا أن الجزائريين وجميع دول منطقة المغرب العربي عانوا من النظام العسكري في الجزائر الذي تورط في تقسيم المغرب العربي" مشددا على أن ما عاشته المنطقة من اشتباكات في منطقة الصحراء تتحمل السلطات الجزائرية مسؤوليته".
وحركت هذه التصريحات الدبلوماسية التونسية والجزائرية، حيث التقى وزير الخارجية عثمان الجرندي بسفير الجزائر عزّوز باعلال.
وقد عبر الجرندي خلال اللقاء عن اعتزاز تونس بعلاقات الأخوة مع الجارة الجزائر، وإيمانها بوحدة المصير المشترك وحرصها على تعزيز علاقات التعاون، مضيفا أن صفاء العلاقات مع الجزائر "لا يمكن أن تكدره مواقف غير رسمية لا تلزم تونس في شيء ولا تُلزم إلّا أصحابها".
وكان موقف وزير الخارجية التونسي الأسبق أحمد ونيس واقعيا في التشخيص والتوصيف من حيث أنه سلط الضوء على الدور الجزائري في مفاقمة الانقسامات بسبب اصطفاف الجزائر مع الجبهة البولساريو الانفصالية.
لكن ونيس لم يكن الوحيد الذي وضع الإصبع على الداء، فقد سبق لعمار سعداني الأمين العام الأسبق لحزب جبهة التحرير الوطني في الجزائر والشخصية التي كانت مرشحة لخلافة الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة قد أعلن في العام الماضي أن الصحراء مغربية وأن الجزائر أثقلت كاهلها بالتورط في دعم جبهة البوليساريو.
وشكل هذا الموقف مصارحة غير مسبوقة عن الدور الجزائري المسيء للعلاقات وللشعبين المغربي والجزائري.
وقال سعداني حينها أعتبر من "الناحية التاريخية أن الصحراء مغربية وليست شيء آخر واقتطعت من المغرب في مؤتمر برلين وفي رأيي أن الجزائر التي تدفع أموال كثيرة للمنظمة التي تُسمى البوليساريو منذ أكثر من 50 سنة، دفعت ثمنا غاليا جدا دون أن تقوم المنظمة بشيء أو تخرجُ من عنق الزجاجة".
وكان الرجل الذي عرف بمواقفه المثيرة للجدل وبخصوماته الكثيرة حين كان على رأس الأمانة العامة لجبهة التحرير الوطني، يشير إلى ما كانت تمثله الجبهة الانفصالية من عبء على الجزائر وهو موقف تردد كثيرا في الشارع الجزائري لكن في صمت خشية عقاب السلطة.
واعتبر أن العلاقة بين المغرب والجزائر أكبر من البوليساريو، مؤكدا أن الظرف الحالي مناسب لإعادة تطبيع العلاقات بين البلدين لأن هناك انتخابات رئاسية واتجاه لتغيير في النظام وتغير في النظام التونسي، فيما تشهد ليبيا تحولا وهي ظروف تعتبر ملائمة لإحياء مشروع اتحاد المغرب العربي.
وحثّ على ضرورة غلق ملف الصحراء وفتح الحدود بين المغرب والجزائر، مؤكدا أن الأموال التي كانت تدفع لجبهة البوليساريو والتي وظفها قادة الجبهة الانفصالية في إنفاقها في الفنادق الفاخرة منذ 50 عاما، أولى أن تنفق على سوق أهراس والبيض وتمنراست وغيرها، مضيفا "هذا هو موقفي سواء أغضب البعض أو لم يعجب البعض الآخر".
وأحزمة الدعم التي عملت الجزائر على تحصينها وتعزيزها لجهة تقوية شوكة البوليساريو، بدأت تتفكك تدريجيا في فشل دبلوماسي جزائري لافت فالدعم الذي بني على باطل وعلى شرعية واهية تفتت وارتدت كل الأزمة المفتعلة في الصحراء على الجزائر، عزلة إقليمية ودولية سيحاول النظام الجزائري ترقيعها عبر البحث عن ملجأ إقليمي لإعادة تنشيط دعاوى الانفصال في الصحراء.