الاعتراف بإبادة الأرمن بين الرمزية والتوتر الأميركي التركي

يفتح اعتراف الولايات المتحدة بمذابح الأرمن الباب لدول عديدة للقيام بنفس الخطوة. اللوبي الأرمني في الغرب جاهز للضغط.

اختار الرئيس الأميركي جو بايدن مناسبة ذكرى مذابح الأرمن في 24 نيسان/أبريل، للاعتراف بالإبادة التي حصلت في عام 1915 على يد الإمبراطورية العثمانية، وراح ضحيتها أكثر من مليون ونصف المليون أرمني والآلاف من الأقليات الأخرى بسبب التهجير والقتل والتجويع.

ويعد اعتراف دولة عظمى مثل الولايات المتحدة بمذابح العثمانيين للأرمن، بعد 106 أعوام، خطوة تاريخية بعدما تجنبت الإدارات الأميركية السابقة الإقرار رسميا بهذه المأساة.

رسائل للداخل الأميركي

أراد بايدن من خلال هذا الاعتراف إرسال رسالة للناخب الديمقراطي الأميركي بأنه وفى بوعده أثناء الانتخابات الرئاسية عندما أعلن بأن مسالة حقوق الإنسان والدفاع عن حقوق الأقليات وعلى وجه الخصوص الناخبين الأرمن الذين صوتوا له، سوف تكون أولوية قصوى لإدارته التي ستدعم القيم الإنسانية التي تؤمن بها الولايات المتحدة الأميركية.

ويحاول الرئيس الأميركي أن يثبت لمنتقديه بأنه رجل قوي على عكس ما كان يروج له ترامب ومؤيدوه بأنه رجل ضعيف لا يصلح لقيادة الولايات المتحدة، وبأنه مختلف عن الرؤساء السابقين وخاصة ترامب الذي كان غالبا ما يصف أردوغان بأنه صديق، وأصبح سببا في تشكيك الرأي العام العالمي بمصداقية أميركا بشأن الديمقراطية وحقوق الإنسان من خلال علاقاته برؤساء وحكومات متهمة بانتهاك حقوق الانسان.

ويأمل بايدن من هذه الخطوة أن تعزز مكانته في الكونغرس وتخفف الضغط عليه بخصوص هذا الملف.

تركيا في مرمى بايدن

بعد إخراج تركيا رسميا من مشروع لانتاج مقاتلات اف 35 من قبل إدارة بايدن، قررت  الأخيرة الاعتراف بأن مذابح الأرمن إبادة جماعية، على خلاف الإدارات الأميركية السابقة  التي كانت براغماتية أكثر، وهي تحاول الحفاظ على العلاقات مع تركيا بحجة أنها تدعم المصالح الاستراتيجية والدفاعية للولايات المتحدة بسبب كون الدولة التركية عضوا في حلف الناتو ولها موقع جيوستراتيجي مهم في المنطقة، وباعتبارها لاعبا إقليميا في الشرق الأوسط.

ولا ننسى بأن اللوبي التركي من القوميين والإسلامويين كان له تأثير كبير في عدم الاعتراف بإبادة الأرمن طوال السنوات الماضية، لكن الإدارة الأميركية الجديدة ترى بأن هذه الخطوة لن تؤثر على العلاقات التركية الأميركية طالما أن هذا الاعتراف ليس له ثقل قانوني وإنما له طابع  رمزي، إلا أن هذا القرار سوف يزيد من التوتر الحاصل والموجود أصلا بين الطرفين منذ مطالبة الدولة التركية بتسليم فتح الله كولن وصفقة منظومة اس 400 الدفاعية بين روسيا وتركيا، ودعم الولايات المتحدة للمقاتلين الأكراد في شمال شرق سوريا.

وترى تركيا بأن الولايات المتحدة توجه لها رسائل سياسية فيما يتعلق بتوجه بوصلتها نحو روسيا، بعد التنسيق بينهما في إقليم قرباغ، وانفتاحها على الصين، فالإبادة الجماعية الأرمنية تعد عنصرا أساسيا في الخطاب السياسي لكل الرؤساء الأتراك منذ تأسيس الدولة التركية الحديثة، كما يجرم القانون التركي الاعتراف بها، وأصبح هذا الملف محل خلاف مع عديد من دول العالم، وربما تكون حسابات بايدن صحيحة بأن الدولة التركية لن تخطو خطوات تصل إلى القطيعة مع الولايات المتحدة، ولأسباب عديدة منها المشاكل الاقتصادية التي تعاني منها تركيا وعلاقاتها الخارجية المتأزمة مع الدول المجاورة وفي محيطها الإقليمي أيضا.

وسيفتح اعتراف الولايات المتحدة بمذابح الأرمن الباب لدول عديدة للقيام بنفس الخطوة، وسيكون دافعا قويا آخر للوبي الأرمني في الغرب للضغط على حكومات دول أخرى للاعتراف بالإبادة، كما أنه قد يكون دافعا لإقرار الدولة التركية نفسها بأن ما حصل للأرمن إبادة جماعية، من أجل فتح صفحة جديدة وإعادة العلاقات الطبيعية بين الشعبين.

وتعيد خطوة إدارة بايدن ذات الطابع الرمزي الكبير للمجتمع الأرمني، الأمل لكثير من الأقليات حول العالم التي تعرضت ولا تزال تتعرض للإبادة الجماعية، ومن شأن الاعتراف الأميركي بمذابح الأرمن أن يرفع من مصداقية الولايات المتحدة فيما يخص القضايا الإنسانية حول العالم.