الاقتصاد السياسي للميلشيات في العراق

وجود فرص للحصول على الأموال والاثراء وتكديس الثروات عبر السلب والنهب والتزوير والتهريب والاتجار بأراضي وممتلكات الدولة، واغراق الملايين من الدولارات نتيجة موجة امطار هو ما أسس ووضع اركان لنمط دولة ما بعد 2003.

بقلم: نادية محمود

في لقاءه مع نواب ومحافظ نينوى قبل ايام وعد رئيس الوزراء عادل عبد المهدي بإغلاق "المكاتب الاقتصادية" التابعة لأحزاب وفصائل مسلحة في المحافظة، والتحقيق في انتشار الفساد خاصة في بعض الأجهزة الأمنية العاملة هناك والمتهمة بالقيام بأعمال غير شرعية للسيطرة على سوق العقارات والمزادات في المحافظة. تضمنت هذه الاعمال بيع أراضي مملوكة للدولة الى المواطنين، بأسعار يصل سعر القطعة منها الى 70 مليون دينار، بالاضافة الى احتكار المزادات والسكراب، فرض رسوم على طالبي التصريحات الأمني لدخول السكان الى المدن، وفرض خاوات على الراغبين بالانخراط في الأجهزة الأمنية. .. وإن عبد المهدي لديه علم سابق بأغلب المشاكل التي طرحت)"وائل نعمة، المدى، (4319).

عشم ابليس في الجنة! ان يقوم عبد المهدي وحكومته بمحاربة فساد الاحزاب السلطوية والميلشيات!

كقاعدة عامة، الحصول على الاموال والثروات والاثراء يأتي من خلال مراكمة الارباح عبر استغلال جهود العمال في الزراعة والصناعة والتجارة او السياحة او الخدمات، وكما هو متعارف في العالم الرأسمالي. الا ان وجود "فرص" للحصول على الاموال والاثراء وتكديس الثروات، عبر السلب والنهب والتزوير والتهريب والاتجار باراضي وممتلكات الدولة، و"اغراق" الملايين من الدولارات نتيجة موجة امطار، والخ.. هو ما أسس ووضع اركان لنمط "دولة" ما بعد 2003. والتي تشكل الصراعات والحروب والمنازعات والمنافسات والفساد ماركة مسجلّة لها للحصول على الاموال وبأي طريقة كانت وبطرق يجري التفنن في ايجادها. تسجل ارقاما قياسية بالفساد، وبنهب المال العام، ولا من حسيب ولا رقيب. الصراعات والحروب والمنازعات التي تتلبس ثوبا سياسيا، الا انها في حقيقة دوافعها اقتصادية بحتة.

فما يجري من افقار شديد من جهة وغنى متراكم في الجهة الاخرى هو ليس بسبب الفوضى وعدم وجود نظام، وليس بسبب عدم وجود "دولة"، فالدولة الحالية ديدنها الحصول على اكبر ما يمكن من ثروات، دولة يقف على رأسها اناس تحركهم دوافع الحصول على تلك الثروات، وما السياسة والعمل السياسي الا سبيل وغطاء وطريق للحصول على الاموال. فالذي يحرك رجال السلطة من الاحزاب وسياسييهم من اعضاء برلمان ومجالس محافظات، والميلشيات المرتبطة بها والمرشحين الى مناصب نيابية وحكومية، والدخول في شبكات العشائر، هو ما توفره هذه الانتماءات والشبكات من فرص لا عّد ولا حصر لها من منافذ الحصول على الاموال.

ان المبدأ الاقتصادي الذي تقوم عليه سياسة "المحاصصة"، هو مبدأ "توزيع الفرص" للحصول على الاموال. وحتى تكون للمحاصصة – توزيع الفرص، مقاييس ومعايير للتحاصص وللتوزيع، استخدموا "الطائفية الدينية" كأفضل معيار "شرعي" لهم للتوزيع. نسمع خطاب "مظلومية الشيعة" ثم نسمع خطاب "اكثرية المجتمع العراقي - الشيعة" "، ثم نسمع خطاب "الاغلبية السياسية" للمالكي، وكلها ما هي الا "دعايات حرب" لينال سياسيو الاحزاب الشيعية حصة اكبر من الاقسام الاخرى. يقسم المال العام على الوزارات، لا تسائل الوزارات، يهرب الوزراء بكل ما سرقوا ونهبوا وليس بوسع احد ما في "الدولة" محاسبة احد. لانهم كلهم شركاء في عملية "استثمار الفرص"!

فان يأتي رئيس وزراء، يحمي نفسه، بورقة استقالة في جيبه، ليتحدث عن دراسة وحل موضوع النهب والسلب من قبل الميلشيات في الموصل بعد خرابها وتدمير المدينة تدميرا تاما وشاملا، وهو يعي تماما ان دولة ما بعد 2003 قائمة اصلا على هذا المبدأ، لا يمكن تخيل ان هذا سينطلي على احد.

وحتى اولئك المعترضون من محافظ نينوى ومجلس المحافظة ونواب البرلمان من الموصل، هل يريدون فعلا ايقاف السلب والنهب والمصادرات، ام ان قضيتهم هي ازاحة غيرهم من الحصول على تلك الاموال، واستفرادهم هم بها لا غير؟ لا الشخصيات "الموقرة" في الموصل تريد انهاء الفساد ولا رئيس الحكومة يريد ذلك. حيث يمكن ببساطة طرح السؤال التالي: لماذا لم يقضى على الفساد في بغداد، في عقر دار رؤوساء الوزراء؟ لماذا لم يقض على الفساد في البصرة التي اضرم المتظاهرون النيران غضبا من محافظ واعضاء مجلس المحافظة، في مدينة ليست منكوبة بالحرب مثل الموصل، وتمتلك من الثروات ما لا يعرف احد حجمها من نفط ومنافذ حدودية وموانئ وغيرها، في مدينة يعيش فيها 4 ملايين مواطن في مدينة اساسا غير صالحة للسكن صحيا.

حين كانت داعش تسود في المنطقة ولمدة ثلاث سنوات قامت بكل تلك الاعمال وغيرها. لقد بلغت ميزانية داعش في عام 2015 ما قدره 900 مليون دينار، فمن اين جلبت داعش وميلشياتها السنية تلك الاموال؟ انه النهب، نهب وتصدير النفط، مصادرة اموال المواطنين من اقليات دينية في المدينة، مصادرة ممتلكات الذين هربوا من المدينة مع قدوم داعش، تهريب الحبوب، فرض الاتاوات على الناس، بيع والاتجار بأجساد النساء، فرض الضرائب على الطرق، للداخلين والخارجين منها- كما تفعل القوات الامنية الان- مصادرة اموال البنوك، فرض الضرائب على المزارعين والخ.. كلها اوجه متشابهة الى حد بعيد، في كيف قامت دولة الخلافة تلك. انه السعي للحصول على الاموال والثروات وجمعها بأكبر ما يمكن هو الذي يشكل نمط دولة ما بعد 2003. ان هذا هو ما يشكل "الاقتصاد السياسي" للميلشيات واحزابها المرتبطة بها على مختلف اتجاهاتها.