الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي ليس خطأً

في سياق الموقفين الأميركي الغاضب والإسرائيلي المنزعج فإن إيران تبدو محظوظة مقارنة بعراق صدام حسين.

حاولت أطراف عالمية عديدة أن تصور الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي مع إيران باعتباره خطأً. وهي فكرة بنيت على المصالح الاقتصادية لا على معطيات الواقع العملي التي تتحكم بمصير المنطقة.

وكما يبدو فإن تلك الأطراف لا ترى ضررا في أن تقع أجزاء من العالم العربي تحت الهيمنة الإيرانية ما دامت مصالحها لدى الطرفين (الإيراني والعربي) مضمونة ومصانة. وهو ما يُفقد أوروبا بالذات شيئا عظيما من مصداقيتها الأخلاقية التي كانت تميزها عن الولايات المتحدة.

تخون أوروبا بعدها الأخلاقي حين توافق على إطلاق يد إيران في المنطقة من غير مسوغ قانوني. ذلك لأن ما من أحد يعرف ما ينطوي عليه المشروع التوسعي الإيراني من تخلف ورثاثة وانحطاط وظلامية مثلما يعرف الأوروبيون. لا لشيء إلا لأن الخميني وهو رائد ذلك المشروع قد مر بمصفاة مخابراتهم قبل أن يكون زعيما للأمة ومؤسسا للجمهورية الإسلامية في إيران ومرشدا للثورة.

أوروبا تعرف أن إيران التي لا تزال خمينية وستبقى كذلك قائمة على مبدأ تصدير الثورة إلى كل مكان في العالم، بدءا بالبلدان العربية المجاورة لها. وهو مبدأ عدواني لا يعترف بالحدود بين الدول ولا بسيادتها على أراضيها ولا بحرية الشعوب في خياراتها السياسية ولا بالقانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين الدول.

لذلك يتخذ الموقف الأوروبي من الانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي هو بمثابة محاولة جادة للضغط على إيران من أجل أن توقف تدخلاتها في دول المنطقة طابعا لا أخلاقيا مفضوحا.

فالولايات المتحدة لا تريد تدمير إيران مثلما دمرت العراق في وقت سابق.

إسرائيل هي الأخرى لا تنوي ضرب المفاعلات النووية الإيرانية مثلما فعلت مع العراق حين ضربت مفاعل تموز عام 1981.

في سياق الموقفين الأميركي الغاضب والإسرائيلي المنزعج فإن إيران تبدو محظوظة مقارنة بعراق صدام حسين.

غير أن إيران تعاملت مع ذلك الوضع الاستثنائي كما لو أنه حقها الطبيعي وصارت تسعى من منطلق الاستقواء بالأمر الواقع إلى ما يتجاوزه انسجاما مع مبدئها في تصدير الثورة. فصارت تمهد من خلال مناطق نفوذها التي صارت تتسع إلى أن تتحول إلى دولة كبرى.

لقد أوهمها يسر تدخلها في المناطق الرخوة من العالم العربي بعد أن تعرضت تلك المناطق لانهيارات عظمى في بنيتها اتسمت بالكثير من الفوضى بأنها ستدخل نادي الدول الكبرى، على الأقل على مستوى إقليمي.

ما غفل عنه العقل السياسي الإيراني أن نشر الميليشيات الطائفية المسلحة وتمويلها بالمال والسلاح والخبرات العسكرية على حساب الاقتصاد الإيراني الذي قد توجه إليه ضربات غير متوقعه سيؤدي بالضرورة إلى اضعاف نظامهم في الداخل. يومها تكون الإمبراطورية التي حلموا بها في سالف أيامهم مجرد كيان شبحي لن يكون من الصعب إزالته.

لقد تمدد الإيرانيون أكثر مما هو مسموح لهم دوليا.

وهو ما استدعى موقفا أميركيا هو الآخر ليس بعيدا عن التفكير النفعي غير أنه جاء هذه المرة منسجما مع ما يُطالب به العرب. وهو ما يدعوني إلى الابتهاج بالانسحاب الأميركي من الاتفاق النووي الذي اعتبره خطوة مهمة في طريق انقاذ المنطقة من الظلام الإيراني.

ليس هناك في الموقف الأميركي بعد أخلاقي. فالسياسة الأميركية لا تُبنى على أساس أخلاقي.

لذلك فإن ما فقدته أوروبا من ملامحها الأخلاقية لن يحسب للولايات المتحدة بالضرورة. ذلك لأن أوروبا كانت تعتبر إلى وقت قريب قوة أخلاقية نسبية. وهنا يكمن الفرق بينها وبين أميركا التي تتصرف وكأن الأخلاق ليست موجودة. اما وقد سعت أوروبا جاهدة إلى تغليب مصالحها الاقتصادية على حرية الشعوب فإنها تكون قد انزلقت إلى هاوية سحيقة من الابتذال الذي لا يُليق بتاريخها في مجال ترسيخ حقوق الإنسان.

الولايات المتحدة لا ترتكب خطأً حين تدافع عن مصالحها في المنطقة بما يلبي طموحات دول المنطقة التي صارت تعتبر إيران عدوها الأول بسبب إصرار الأخيرة على تغليب لغة السلاح على لغة القانون.