الانهيار المالي يبقي المدارس لبنان الحكومية مغلقة

رئيس منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في لبنان، يقول إن حوالي ثلث الأطفال ومن بينهم الأطفال السوريون، لا يذهبون إلى المدرسة، وسط أرقام مقلقة من زيادة عدد الأطفال الذين يتم توظيفهم وتزويج الفتيات في سن مبكرة.
رواتب المعلمين تنهار من 3 آلاف دولار إلى 100 دولار بسبب الأزمة
إضراب المعلمين وارتفاع النفقات يدفعان طلاب لبنان إلى التغيب عن الدراسة
مخاوف من عدم تمكن مدارس لبنان من تأمين الوقود للحفاظ على الإضاءة والتدفئة

دير قوبل (لبنان) - يدفع إضراب المعلمين وزيادة النفقات طلاب المدارس الحكومية في لبنان للتغيب عن الدراسة وهو وجه  آخر لتداعيات الأزمة المالية الطاحنة التي طالت مختلف المجالات وهو جزء من مشهد قاتم للقطاع العام حيث ضرب الشلل هذا القطاع أيضا بسبب انعدام الأوراق واللوازم الإدارية وانقطاع موظفيه عن الحضور لتدني الأجور أو لعدم تلقيهم أجورهم أصلا.

وكان من المفترض أن تعود كلود قطيش المعلمة بالمرحلة الثانوية وابنتها المراهقة وابنها البالغ من العمر عشر سنوات إلى صفوف الدراسة منذ أسابيع لكن الأزمة في قطاع التعليم بلبنان تركتهم يتسكعون في المنزل بعد ظهر يوم الاثنين.

وقد أدى الانهيار المالي في لبنان المستمر منذ ثلاث سنوات إلى خفض قيمة الليرة بشدة واستنزاف خزائن الدولة مما دفع 80 بالمئة من السكان إلى براثن الفقر وأضر بالخدمات العامة، ومن بينها المياه والكهرباء.

كما أدى إلى أن تظل المدارس العامة مغلقة حتى الآن هذا العام الدراسي إذ نظم المعلمون إضرابا مفتوحا بسبب انخفاض رواتبهم بشدة كما تخشى إدارات المدارس من عدم تمكنها من تأمين الوقود اللازم للحفاظ على الإضاءة والتدفئة خلال فصل الشتاء.

وعلّمت كلود قطيش (44 عاما) الأدب الفرنسي في المدارس الحكومية اللبنانية نصف عمرها بالضبط. وقالت لرويترز من غرفة معيشتها في بلدة دير قوبل الجبلية المطلة على العاصمة اللبنانية "تعرفي مستوى الأستاذ الثانوي من سنتين ثلاثة لورا كان كتير مقبول، فكنت أتقاضى معاش مرتفع بخولني أحطهن بمدارس خاصة، وقت وصلنا للفترة يا اللي نحن فيها تقهقر وضعنا كمعلمي ثانوي رسمي قررت إنو أنقلهم بكل بساطة على التعليم الرسمي معي أسوة بالتلاميذ اللي عم أعلمهم ومتلهن متل باقي الأفراد بلبنان".

لكن منذ عام 2019، فقدت الليرة اللبنانية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها وزادت التكاليف الأخرى بشكل كبير بعدما رفعت الحكومة الدعم عن الوقود وارتفعت الأسعار العالمية.

وكان راتب كلود قطيش الشهري يبلغ في السابق حوالي ثلاثة آلاف دولار لكنها تتقاضي الآن ما يعادل مئة دولار، مما اضطرها إلى التفكير في اتخاذ قرار صعب الصيف الماضي بشأن إما إعادة ابنيها إلى مدارس خاصة باهظة الثمن أو تحويلهما إلى نظام تعليم عام يصيبه خلاف على الرواتب بالشلل.

وقالت كلود "كنا دائما بين الإي واللاء ناطرين لتتغير الأجور تبعنا أو يحقق الوزير مطالبنا ويوصلونا للي بدنا إياه، بقينا مكانا كان هيدا القرار أخذته بحسم من دون ما آخذ وأعطي، أنا أولادي مارح أقدر أحطهم بالخاص حتى لو عملولي ديسكونت (خصم) لأنو الخاص كتير ارتفع".

وبحلول سبتمبر/أيلول، لم يكن هناك تقدم يذكر في زيادة الرواتب بالنظر إلى خزينة الدولة المستنزفة في لبنان. وفي الوقت نفسه، كانت مدرسة أبناء كلود قطيش الخاصة تطلب دفع أغلب المصروفات الدراسية بالدولار نقدا كي تضمن قدرتها على تحمل تكاليف الوقود الباهظة والاحتياجات المستوردة الأخرى.

وقد تصل المصروفات السنوية بذلك إلى 500 دولار للطالب بالإضافة إلى 15 مليون ليرة أو حوالي 400 دولار. وقالت كلود قطيش "لقيت رقم كتير عالي وخيالي بالنسبة لإلي فقراري نابع من ثقة، قرار ذاتي أخذته ومش ندمانة أبدا عليه".

ورغم أن زملائهم السابقين في الفصل يرتدون زي مدرستهم الخاصة، فليس لدى كلود قطيش وأبنيها فكرة واضحة حتى الآن عن موعد عودتهم إلى الدراسة.

ووفقا لوزارة التعليم العالي، يعتمد نظام التعليم في لبنان اعتمادا كبيرا منذ فترة طويلة على المدارس الخاصة التي تستقبل ما يقرب من 60 بالمئة من طلاب البلاد البالغ عددهم 1.25 مليون طالب.

ومع ذلك، اضطرت الأسر إلى التحويل بسبب الضغط الذي فرضه عليها الانهيار المالي في لبنان. وقال البنك الدولي إن حوالي 55 ألف طالب انتقلوا من المدارس الخاصة إلى المدارس الحكومية في العام الدراسي 2020 و2021 وحده.

وأضاف البنك الدولي أن التعليم الحكومي يعاني تاريخيا من نقص التمويل مع تخصيص الحكومة له أقل من اثنين بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، وهو أحد أدنى المعدلات في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

كما أدت مجموعة من الضغوط على مدى السنوات القليلة الماضية من تدفق للاجئين السوريين اعتبارا من عام 2011 إلى جائحة كوفيد-19وانفجار المرفأ الذي دمر بيروت إلى زيادة صعوبة الوضع في المدارس.

وقالت كلود "أكيد يا اللي لاحظته فيهم إنو صارت اهتماماتهم أكتر من تعليمية، يعني صاروا عم بفكروا كيف يأمنوا لقمة العيش، يعني حملوا مسؤولية كتير بكير، أنا بعلم الثاني ثانوي... بهيدا العمر لازم يكون ملتزم بالأمور المدرسية".

وقال إدوارد بيجبدير رئيس منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) في لبنان، إن حوالي ثلث الأطفال في لبنان ومن بينهم الأطفال السوريون، لا يذهبون إلى المدرسة، مضيفا "لدينا أرقام مقلقة من زيادة عدد الأطفال الذين يتم توظيفهم في لبنان بالإضافة إلى تزويج الفتيات في سن مبكرة".

ووجدت دراسة أجرتها يونيسف هذا العام أن 38 بالمئة من الأسر خفضت نفقاتها التعليمية مقارنة مع 26 بالمئة فقط في أبريل/نيسان 2021. وهذا التوجه يجعل العودة إلى الدراسة أكثر أهمية من أي وقت مضى.

ويأمل البعض في إعادة فتح المدارس في أكتوبر/تشرين الأول على الرغم من أنه لم يكن هناك أي إشارة من الحكومة على ذلك. وقال بيجبدير "هناك نوع من السباق مع الزمن لضمان الافتتاح في الأسبوع الأول من أكتوبر، سنفتتح المدارس بالشكل الصحيح".