البطران يكتب هوامشه على حرية التعبير

العملية الإبداعية هي عملية ذهنية بحته، ترفض أي نوع من أنواع الرقابة عليها، فإذا ما تخوف المبدع من الرقابة، فإن العملية الإبداعية عنده سوف تتلاشى وتضمحل.
المبدع قد يجد نفسه في مجتمع محافظ، ويرفض التجديد، ويقاوم كل عمليات التحديث
نظراً لخطورة حرية التعبير في كل دول العالم، فقد نظمتها مواثيق دولية

القاهرة ـ من حازم خالد

يتناول الكاتب والروائي حمدي البطران في كتابه "هوامش على حرية التعبير" دور السلطة السياسية والدينية في ممارسة الرقابة على حرية الإبداع، وتضمن الكتاب بين دفتيه ثلاثة فصول، بالإضافة الى الملاحق والوثائق .
يقول البطران "الإبداع الأدبي هو نشاط يتعلق بالذهن البشري، يخرج فيه الكاتب مكنونه الداخلي بوسيلة أو بأخرى، من وسائل التعبير المتاحة له، سواء بالأدب، القصة، الرواية، النقد أو بالفنون الرسم، العزف أو بالتمثيل وخلافه، هذا النشاط يتقبل النقد، سواء بالإطراء، أو بالذم، من الجمهور أو النقاد والمثقفين على سواء".
ويؤكد أن العملية الإبداعية هى عملية ذهنية بحته، ترفض أي نوع من أنواع الرقابة عليها، فإذا ما تخوف المبدع من الرقابة، فإن العملية الإبداعية عنده سوف تتلاشى وتضمحل، ومع تطور الفكر الإنساني، بدأت الدول المتقدمة تنادي بضرورة توفير حرية أكثر للمبدع، وبدأت الصيحات تتعالى، وتنادي بحرية الإبداع، فظهرت الدساتير والمواثيق الدولية، لتجبر معظم الدول، على النص في دساتيرها وقوانينها، على ضرورة احترام حرية الإبداع.
وتحاول الدول وخصوصاً في العالم الثالث أن تفرض سيطرتها على عملية الإبداع، بسن وتطبيق قوانين رادعة، وقد ترى الدولة أن المبدع تحول إلى خطر على مبادئها وأفكارها التي تحكم بها، فتحاول أن تحد من نشاطه، بتقييد حريته في الكتابة، ومنعه من التعبير عما بداخله، فتفرض عليه أنواعت من الرقابة وتسن له القوانين التي تكبله وتمنعه من التعبير.
وقد تلجأ الدولة إلى احتواء المبدع، وتوظيفه لأغراضها، فتتحالف معه، وتغدق عليه، وهو ما حاولت الدولة المصرية أن تفعله، منذ قيام ثورة يوليو/تموز 1952 حتى الآن، مع معظم الأدباء والكتاب، فيفقد المبدع فطرته وحريته، ويحاول تطويع أدبه لخدمة الدولة وسلطتها وأغراضها.
ولكن الأمر قد لا يتوقف على رقابة سلطات الدولة على المبدع، بل يعاني من رقابة السلطات الدينية، كمؤسسات دينية رسمية أو غير رسمية، وهي السلطة التي ظهرت بوضوح في الخمسين سنة الماضية، وتغاضت الدولة عن هذا النوع من الرقابة، لأنه يحل محلها، دون أن ينسب إليها. وهو ما أوضحناه في الفصل الخاص بالرقابة الدينية.
وقد يجد المبدع نفسه في مجتمع محافظ، ويرفض التجديد، ويقاوم كل عمليات التحديث، فظهر نوع تلقائي من الرقابة، وهو ما يعرف برقابة المجتمع على الإبداع. وهو ما وضحناه في الفصل الثالث بعنوان رقابة المجتمع.
الوضع القانوني لحرية التعبير
نظراً لخطورة حرية التعبير في كل دول العالم، فقد نظمتها مواثيق دولية، ونصت عليها الدساتير في معظم دول العالم، وصدرت القوانين إما لتحقيقها أو لتكبيلها، وقد نظمت الدساتير المختلفة، وتناولتها القوانين المحلية لمصر . 

الدولة تبتغي من الكتاب والمثقفين تأييد سياستها
كتاب يحرجون الوزراء 

ويقصد بمفهوم الرقابة، هو عين الدولة الفاحصة، لكل ما ينتجه الفكر الإنساني، لمعرفة تأثيره على ثوابتها السياسية والدينية والقومية والعرقية، ما يكتبه المثقفون والأدباء والشعراء، وبمعنى آخر، قيام الحكومة بفحص ما ينتج داخل البلاد، وما يرد إليها من الخارج، من الكتب والصحف والمجلات والأفلام والرسائل ونحوها، قبل السماح بنشرها، لأجل ذلك تحاول الدولة في كل تصرفاتها، فيما يخص إنتاجها الفكري الثقافي، أن تحمي دينها وأيديولوجيتها وثقافتها من الأفكار الغريبة التي تشوهها. وفي نفس الوقت تبتغي من الكتاب والمثقفين تأييد سياستها.
ومنذ ظهور الدولة الحديثة، ومع بداية تكوينها في العصر الحديث أيام محمد علي باشا، فكرت الدولة في محاولة فرض نوع من الرقابة على الكتب و الموضوعات.
ومع وجود مطبعة عربية، تلك التي أنشأها محمد علي عام 1821، التي عرفت باسم مطبعة بولاق، وكانت تطبع الكتب العسكرية للجيش، ثم تطورت بعد ذلك حيث قامت بطبع الكتب الأدبية والعلمية والمدرسية، وخشية استخدامها في طبع اي شيء آخر، أصدر محمد علي باشا والي مصر، أمراً يحرم طبع أي كتاب في مطبعة بولاق إلا بإذنه، وعندما تولى سعيد باشا مقاليد الحكم، في الفترة ما بين 1855 إلى 1863، أصدر قرارين لتنظيم المطبوعات.
القرار الأول، أصدره الخديوي سعيد باشا والي مصر في عام 1857 ويفرض القرار الرقابة على المطبوعات، وعدم جواز إصدار الصحف دون الحصول على رخصة من ديوان الداخلية، وينص القرار على: إرسال أصل الكتب المراد طبعها إلى مكتب الداخلية، لأجل مطالعتها، والنظر فيها، إن كانت مضرة للديانة ولمنافع الدولة العلية – ويقصد بها الدولة العثمانية - والدول الأجنبية والعامة أم لا.
والقرار الثاني، هو منع صحف الأجانب في مصر من نشر نقد لأعمال الحكومة، أو معارضتها.
وفي سنة 1870 صدر القانون الهمايوني، الصادر عن سلطات الاحتلال العثمانية، الذي اعترف بحرية المطبوعات في الدولة العثمانية وسائر ولاياتها، ومن بينها مصر، وفي عام 1881 تم وضع قانون للمطبوعات تعين بمقتضاه، على أصحاب الجرائد، وضع مقدار من المال على سبيل الاحتياط، لما عساه أن يقع عليها من أحكام الغرامة .
قسم حمدي البطران كتابه إلى مقدمة، يليها فصل تمهيدي، ثم الفصل الأول الذي تناول الرقابة في مصر وتطورها – المثقفون وثورة 23 يوليو – كتاب يحرجون الوزراء .
أما الفصل الثاني، فكان موضوعه "الرقابة الدينية" مفهومها وأشكالها، وتناول الفصل الثالث رقابة المجتمع. وتعرض لشكاوي المثقفين والأفراد والجامعة الأميركية وحرية التعبير ورقابة اتحاد الكتاب المصري وكاتبات تحت الخوف .
ومن الملاحق الوثائقية التي تضمنها الكتاب كملحق له: قرار مجلس الدولة المصري بشأن رقابة الأزهر على الأعمال والمصنفات الفنية – نص شكوى أولياء أمور طلبة الجامعة الأميركية لإدارة الجامعة – مذكرة وزارة الداخلية أمام مجلس التأديب الاستئنافي في قضية حمدي البطران – حكم مجلس التأديب الاستئنافي في قضية البطران – بيان جبهة المثقفين المصريين .
يذكر أن كتاب "هوامش على حرية التعبير" لمؤلفه حمدي البطران، صدر مؤخرا عن الهيئة المصرية العامة للكتاب .(وكالة الصحافة العربية)