البعد الزمني لخريف التّساقط

نحتاج إلى مقوّمات منهجيّة ترشدنا لمعرفة الطّرق التي يجب أن نسلكها في الوصول للحقائق التي لا تخضع لمحدّدات تعرقل نداء تصادم الأفكار وتلاقحها.
ما فائدة هذا الكمّ الهائل من الاصطلاحات والمسمّيات والتي جلّها تأتي ضمن صياغات إنشائيّة تعظيميّة دون أن يكون لها الأثر في تقريب الفكرة الكلّية؟
كتاب النقد الأدبي لأحمد أمين صناعة أصليّة في تصويب الأشياء المّادية والرّمزية

بعد أن عجّت المظاهر الحياتية بتنّوع فنونها ومشاربها في مختلف الفعاليات والأنشطة العلمية والجمالية، يبقى الإنسان محركها في عالم الحقائق المطلقة، وكل ما يأتي بعدها هو انعكاس لها في مداعبات الذات الإنسانية وإخراج المضمر العاصي وما أنتجته من وسيلة الأداء الوظيفي لعملية الكتابة، وعن المكنونات التعبيريّة من مشاعر وأحاسيس وتطوّر فكري قابل على أن يكون في خدمة الأداء في خصائصه الاشتغالية. 
ولكن نبقى نحتاج إلى مقوّمات منهجيّة ترشدنا لمعرفة الطّرق التي يجب أن نسلكها في الوصول للحقائق التي لا تخضع لمحدّدات تعرقل نداء تصادم الأفكار وتلاقحها بل تكون في خدمة صيرورتها بما يحقّق ملامح ترتيب شكل المعمار الذي يجب أن يكون في عالم يسوده الإرتباك في المنطق وحتى الأحلام. 
ومن هنا رأيت أن أشير وبملاحظات سريعة ودقيقة اعتمدت على عيّنات واقعيّة في بلوغ المقاصد الشّاملة والمتنوّعة على نحو يتقبّله الجميع دون أن يمسّ في دقائقه الذّوقية والاعتبارية أيًّا من الأسماء أو الاتّجاهات والمناهج، بل هي تلميحات إشاريّة عامّة اتّخذت من الحقائق شكلا محسوسا يمكن الاعتماد عليها إذا ما سلّمنا أنّنا تحت مرشد العقل بطريقة غير مباشرة بل نحن تحت ظلّ وعي الحواس بما رأته العين وما نقله العقل من مختبر الذّوق.
كثيرا ما نقرأ اليوم من دراسات نقديّة بمختلف الميول والاتجاهات الفكرية والفلسفية والتي تأخذنا بعيدا وفي مساحات شاسعة لا حدود لها ولا ضابط تجعلها في المنطقة التي تعالج مكامن الذات الإنسانية لمعرفة حقيقة الوجود، والذّي تمثّله كلّ ما نتج من تصادم الأفكار وأصبح خلاصة الشّكل الذي نرتضيه في جدليّة الاستخدام الأمثل لمسيرة الحياة كشكل من أشكال التمرّد المنتفض. 
يعني ما فائدة هذا الكمّ الهائل من الاصطلاحات والمسمّيات والتي جلّها تأتي ضمن صياغات إنشائيّة تعظيميّة دون أن يكون لها الأثر في تقريب الفكرة الكلّية وجعلها وحدة متماسكة دون خلق موانع تشير إلى أكثر من مفهوم في وحدة الفكرة والمعنى وهي أساس قاعدة العقل والإدراك. 
يعني ماذا نريد أكثر من الوصول للفكرة بطرق سّهلة ومبسّطة دون أن ندخل في نفق تظلّ فعاليّة الوصول للفكرة بل نشعر ببوهيميّة النّظرة القاصرة غير قادرة على تعريف بنفسها على الأقل.
قبل أيام انتهيت من قراءة النّقد الأدبي للأستاذ أحمد أمين رغم أنها كانت قراءات متقطّعة، ولكنّها دائما تشدّني للرّجوع اليها بما تحمل من متعة تعريفيّة وعلميّة تخصّ أصول النّقد ومبادئه، تطبيقات وملاحظات عامّة واستشهادات وتعليقات ونواحي تاريخيّة مهمّة في نظم الكلام في الشّعر والنّثر والرّواية، كلّ هذا يأتي ضمن صناعة أصليّة في تصويب الأشياء المّادية والرّمزية بعذوبة رغم ثقل وزن الكتاب الذي يتعبني وأنا مستلقي إلا أنه يخفّ عليّ بمادّته الدّسمة وأسلوبه السّلس المغري في القراءة حتّى النّهاية بل كنت أتعجّل في الحصول على المعلومات التّي تمهّد إلى القراءات المستقبلية في مختلف الفروع والفنون. 
ولا شكّ كنت أتمتّع في قراءة نقود بعض الأسماء على قلّتها فهي مثمرة في عطائها ومليئة في محتواها؛ الشاعر الكبير سامي مهدي أنموذجا. والقائمة لا تطول اختصرت علىّ بعض الأسماء وظلّت هكذا على ما أعتقد لأسباب لا مجال لذكرها.
إذن كيف نقتنع نحن أوّلا أنّ الإقناع والاجتذاب كما يسميه كارليل الأصوات المبتكرة  وبين ما هو مجرد أصداء؟
علينا أن نتوخّى الدّقة في الأحكام حتى يتمرّن العقل على تمرير إرضاء الذوق، مثلما يوصفها الأستاذ أمين :"كما يبعث المنظر الجميل والشكل الجميل يبعث القول الجميل في الحب ونحوه شعورا خلقيّا. وحتّى تضيق المنطقة المظلمة ويشعّ النّور يلزمنا منطقة آمنة يكون فيها الكاتب فنّانا أداته الكلمة، لا عابر سبيل يمرّ دون أن يترك له أثرا في إثراء حياتنا جهدا ونشاطا تركب فيها الأشياء ضمن نظام يرصد العمليّة الإبداعيّة في إكسير استثمار التّحصيل المهاري على مسافة تصوير الأهداف وتصويبها.