البنتاغون يتحدى تهديدات أردوغان بتوقيع عقود بناء في قاعدة إنجرليك

وزارة الدفاع الأميركية وقعت عقودا مع ثمان شركات تركية بقيمة 95 مليون دولار لإجراء أعمال بناء في قاعدة إنجرليك بعد ان هدد أردوغان بغلقها.

واشنطن - وقعت وزارة الدفاع الأميركية، الثلاثاء، عدة عقود مع شركات تركية بشأن إجراء أعمال البناء في قاعدة إنجرليك الجوية في مقاطعة أضنة.

وجاء في بيان نشر على الموقع الرسمي للبنتاغون اليوم الثلاثاء "تم إبرام عقود مع ثمان شركات تركية بقيمة 95 مليون دولار بسعر ثابت"، ومن المتوقع أن يتم الانتهاء من أعمال البناء قبل نهاية عام 2024.

ويستخدم سلاح الجو الأميركي قاعدة إنجرليك الواقعة في جنوب تركيا، في إطار مكافحة تنظيم داعش في سوريا، بينما تضم قاعدة كوريجيك الواقعة في جنوب شرقي البلاد محطة رادار كبرى لحلف شمال الأطلسي.

وشهدت العلاقات التركية الأمريكية توترا شديدا في السنوات الأخيرة زادت حدته منذ شراء أنقرة لمنظومات الدفاع الجوي الروسية "إس - 400"، حيث قالت واشنطن إنها تدرس فرض عقوبات ضد أنقرة بسبب تلك الصفقة، بالإضافة إلى تدخل الجيش التركي في شمال سوريا ضد قوات سوريا الديمقراطية الحليفة للولايات المتحدة.

وقبل أيام، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إن تركيا ستغلق قاعدتي إنجرليك وكوراجيك العسكريتين "إذا استدعت الضرورة وعندما يحين الوقت المناسب"، ردا على تهديدات الولايات المتحدة بفرض عقوبات على تركيا، وقرار لمجلس الشيوخ الأميركي يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن قبل مئة عام.

وبعد مجلس النواب، الذي يسيطر عليه الديمقراطيون، صوت مجلس الشيوخ الأميركي بدوره، في 12 ديسمبر على قرار غير ملزم يعترف بالإبادة الجماعية للأرمن عام 1915.

واعتبر أردوغان القرار "خطوة سياسية بحتة لا وزن لها"، ولم يستبعد احتمال تبني البرلمان التركي قرارات للرد عليه.
وشدّد على أن قرار مجلس الشيوخ لا ينسجم مع روح التحالف بين تركيا والولايات المتحدة، ويتعارض مع التفاهم الموقع بين البلدين في 17 أكتوبر/تشرين الأول الماضي حول الشأن السوري.

وليست هذه المرة الأولى التي يهدد فيها أردوغان ومسؤولون أتراك بإغلاق هاتين القاعدتين العسكريتين، حيث تلجئ حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا إلى الحديث عن هذا التهديد كلما طرأ توتر دبلوماسي بين أنقرة وواشنطن كنوع من أنواع الابتزاز السياسي.

أردوغان يلجأ إلى التهديد بغلق القاعدة العسكرية الأميركية في أضنة كلما طرأ توتر دبلوماسي بين أنقرة وواشنطن كنوع من أنواع الابتزاز السياسي

وشيدت الولايات المتجدة قاعدة إنجرليك بجنوب تركيا عام 1951، في أشد حقبة من الحرب الباردة. وهي تستخدم قاعدة خلفية للعمليات الأميركية في المنطقة وتُخزن فيها خمسون رأسا نووية من ضمن قوة الحلف الأطلسي الرادعة، تضمن منذ عقود أمن تركيا.

ومنذ اعتداءات 11 أيلول/سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة، تؤمن القاعدة القسم الأكبر من المساعدة اللوجستية لعمليات الحلف الأطلسي في أفغانستان، كما تلعب دورا كبيرا منذ 2015 في عمليات التحالف الدولي في العراق وسوريا.

ويقول مراقبون إن التهديد التركي اليوم لم يعد يمثل خطرا على الولايات المتحدة بقدر ما هو تهديد لأمن تركيا نفسها خصوصا بعد توجه الرئيس الأميركي إلى سحب عدد كبير من جنود بلاده من "حروب لا تعني بلاده".

ولا يرى مراقبون للشأن التركي أن أردوغان قادر على تنفيذ تهديدات مماثلة كون تصريحاته لا تخرج عن محاولات استعراض شعبوية دأب على إطلاقها، لأنه أبعد من قدرته على المخاطرة بعضوية أنقرة في حلف شمال الأطلسي.

ويستخدم الرئيس التركي مثل هذه التهديدات كمناورة داخلية، لمواجهة ضغوط معارضيه في تركيا، التي تشهد أزمة اقتصادية يريد التغاضي عنها باستعراض العضلات في وجه الأميركيين.

ومع تزايد الاضطرابات ابتداء من الحدود السورية وصولا مؤخرا إلى ليبيا واليونان والتي أصبحت تركيا تلعب دورا رئيسيا فيها، يدعو بعض الخبراء الأميركيين إلى الحد من اعتماد القوات الجوية الأميركية على قاعدة إنجرليك.

وبالإضافة إلى حظر الكونغرس الأميركي على البنتاغون تسليم تركيا أي طائرة مقاتلة من طراز إف 35 بسبب منظومة صواريخ اس-400 الروسية، ستكلف خطوات مماثلة تركيا غاليا على صعيد البرامج العسكرية.

وتحاول واشنطن تفادي تصعيد الأزمة مع أنقرة، فقد قال وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر إنه يحتاج إلى الحديث مع نظيره التركي خلوصي أكار، لفهم مدى جديّة أردوغان بشأن إمكانية إغلاق قاعدة إنجرليك.

وقال إسبر للصحافيين الأسبوع الماضي “لم أُحط علما بالأمر من قبل، أول مرة علمت به كان من خلال الصحف، ومن ثم فأنا بحاجة إلى الحديث مع نظيري التركي لفهم ما يقصدونه فعلا ومدى جديتهم".

لكن عدد كبير من الأتراك لا يستبعد اليوم تأزم العلاقات بين بلادهم وواشنطن أكثر وحصول قطيعة مثل تلك التي تسبب فيها أردوغان مع ألمانيا حين قررت في 2017 سحب قواتها من إنجرليك التي كان يتمركز 260 جندياً ألمانياً، ونقلهم إلى الأردن فضلاً عن أنظمة دفاعية وقطع حربية ألمانية تعد من الأحدث تكنولوجياً حول العالم.

وحرم أردوغان بسبب سلوكه المستفز تجاه ألمانيا آنذاك بلاده من الاستفادة من هذه التكنولوجيا العسكرية المهمة.

وجاء قرار برلين على إثر منع برلمانيين ألمان من زيارة قوات بلادهم في القاعدة التركية بعد انتقادات ألمانية للسلوك الاستبدادي الذي تنتهجه حكومة أردوغان خصوصاً ضد المعارضين والصحافيين، وهو السلوك الذي دفع بالسلطات التركية أيضا إلى احتجاز صحافيين ألمان واتهامهم بالإرهاب والتجسس، في تصرف اعتبرته برلين "تلفيقاً لقضايا سياسية، وجزءاً من الحرب التي تشنها الحكومة التركية على حرية الرأي والتعبير".

وانتقدت ألمانيا مراراً سجل تركيا الحقوقي واعتبرت أن أنقرة "لا تهتم بحقوق الإنسان"، مشيرة إلى موجات اعتقال جماعية تتم بشكل شبه يومي في تركيا، تطال المعارضين والصحافيين والبرلمانيين والمحامين وحتى مسؤولين داخل الدولة أبدو قلقهم من تصرفات أردوغان الاستبدادية.