البوليساريو عالقة في معركة خاسرة سياسيا وميدانيا

بحسابات الربح والخسارة، البوليساريو تتخبط في مأزق لا مخرج لها منه فقد خسرت خلال التصعيد الأخير سياسيا بحيث لم تلق أي تعاطف دولي أو إقليمي لتقف بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها وميدانيا تكبدت هزيمة مذّلة أعادتها إلى حجمها الطبيعي.
موقف الجزائر من تطورات الكركرات شكل نشازا في سياق ردود الفعل الدولية
تحليلات جزائرية تُصور البوليساريو ضحية لعجز الأمم المتحدة
افتتاح قنصليات بالصحراء المغربية ضربة دبلوماسية قاصمة للبوليساريو

الجزائر - تجد جبهة البوليساريو نفسها عالقة في معركة خاسرة دُفعت إليها دفعا من قبل الجزائر التي تحرص على إبقاء التوتر على أشدّه في الصحراء المغربية، بينما تعلم أن كل الذرائع التي تُسوقها لتبرير انتهاك وقف إطلاق النار لم تعد تُقنع المجتمع الدولي ولا حتى الصحراويين الذين تحتجزهم في مخيم تندوف وشق كبير منهم يرفض الطروحات الانفصالية.

وتُسوق تحليلات جزائرية لرواية أن إعلان الجبهة حالة "الحرب المفتوحة" مع المغرب هو نتاج اليأس والإحباط بسبب عجز الأمم المتحدة عن إيجاد حل للنزاع المستمر في الصحراء وهي رواية تكتسب صدقية في جانب واحد منها هي "اليأس والإحباط" ليس بسبب عجز أممي عن تسوية النزاع بل بسبب انكشاف محدودية خيارات الانفصاليين وفقدانهم كل أحزمة الدعم السياسي والدبلوماسي باستثناء الدعم الجزائري والذي بدا نشازا في مسار رد الفعل الدولي والعربي على تحرك القوات المغربية لإنهاء عبث عصابات الجبهة في معبر الكركرات.

وكان لافتا أن إنهاء البوليساريو اتفاق وقف إطلاق النار من جانب واحد، محاولة للهروب إلى الأمام مع سحب دول افريقية ومن أميركا اللاتينية الاعتراف بالكيان غير الشرعي المسمى الجمهورية العربية الصحراوية وافتتاح العديد منها قنصليات في مدينتي العيون والداخلة في خطوة تعزز مغربية الصحراء وتسقط شعارات "التحرر" التي كانت الجبهة ترفعها في المحافل الدولية والافريقية.

وفي المقابل التزم المغرب منذ توقف المفاوضات برعاية الأمم المتحدة في مارس/اذار بالمواثيق الدولية ولزم ضبط النفس إلى أقصى درجة ولم ينجرّ لاستفزازات الانفصاليين وكان قادرا على وقفها فورا قبل أن تصل إلى إغلاق معبر الكركرات.

وتؤكد الجبهة أن لا خيار أمامها سوى "تكثيف القتال التحريري الوطني واللجوء إلى كافة الوسائل الشرعية من أجل السماح للشعب المستعمر باستعادة حقه في تقرير المصير" وهي العناوين والذرائع التي تسوقها البوليساريو لتبرير انتهاكاتها.

ويعتبر المحلل السياسي الجزائري منصور قديدير أن "معاودة حمل السلاح هي مسألة بقاء بالنسبة للصحراويين (الانفصاليين)"، مضيفا أن هذا "السبيل يبدو مبررا أمام عجز الأمم المتحدة عن تسوية هذه المسألة" وهو رأي يتناغم في مضمونه مع التبرير الجزائري الرسمي لانتهاكات الانفصاليين لاتفاق وقف إطلاق النار.

ويفتقد هذا الرأي للصدقية إذ أن تعثر المفاوضات في مارس/اذار من العام الماضي بسبب استقالة المبعوث الأممي للصحراء هورست كولر لا يعني بأي شكل من الأشكال انهيار المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة وكان الأمر يتطلب الحفاظ على الهدوء وعدم القيام بأي استفزازات من شأنها أن تنسف الجهود السابقة.

ويقول دبلوماسي غربي رفض كشف هويته أن "ما نراه الآن هو أن بوليساريو بلغت مرحلة اليأس. لقد أدركت أن لا عملية سياسية ستحصل وتريد جذب الانتباه من أجل زيادة الضغط في سبيل التوصل لحل سياسي".

وهذا الرأي أيضا يجانب الصواب كون من عرقل الحلّ السياسي هم الانفصاليون وليس المغرب الذي التزم ضبط النفس وأبقى باب المفاوضات مفتوحا رغم الانتهاكات الخطيرة للانفصاليين والتي كانت مقدمة للوضع الراهن في المنطقة العازلة.

غالي لم يعد يملك هامشا واسعا للمناورة.. سقطت الذرائع وانكشفت محدودية خياراته
غالي لم يعد يملك هامشا واسعا للمناورة.. سقطت الذرائع وانكشفت محدودية خياراته

ويبقى الوضع متوترا في الصحراء المغربية منذ خرق الانفصاليين وقف إطلاق النار في 13 نوفمبر/تشرين الثاني الذي كان قائما منذ عام 1991 ومنذ ذلك الحين يتواصل تبادل إطلاق النار على طول الجدار الفاصل بين الجانبين.

ورغم أنها أقل قوة من الناحية العسكرية، إلا أن قوات البوليساريو أعلنت "حالة الحرب" بعد عملية عسكرية مغربية مفاجئة في منطقة عازلة في أقصى جنوب الصحراء المغربية عند معبر كركرات الحدودي.

ويقول المغرب إن عمليته تقوم على ضرورة إعادة حركة شاحنات البضائع على الطريق الوحيد المؤدي إلى موريتانيا الذي تقطعه منذ ثلاثة أسابيع مجموعة من الانفصاليين الصحراويين.

وتسعى الأمم المتحدة لتفادي التصعيد والحفاظ على وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه بعد 15 عاما من القتال والعودة إلى تسوية سياسية لهذه المنطقة "التي لا تتمتع بحكم ذاتي"، إلا أن المغرب سبق أن اقترح حكما ذاتيا تحت سيادته وهو المقترح الواقعي والعملي لتسوية النزاع، لكن الجبهة الانفصالية تطالب في المقابل باستفتاء لتقرير المصير و"الاستقلال".

وتتذرع بوليساريو بأن شق الطريق المذكور (معبر الكركرات) يخرق اتفاقات عام 1991. ويندد المغرب من جهته بـ"استفزازات" الجبهة في الكركرات، مؤكدا أنه للمرة الأولى، كان المدنيون الذين يقطعون الطريق مدعومين من "أربع آليات مزودة بأسلحة رشاشة" دخلت من موريتانيا.

وأمام الصعوبات التي واجهت الأمم المتحدة في إخلاء المنطقة العازلة، قرر المغرب "تسوية المشكلة بشكل نهائي"، بإرساله قوات مدعومة بنحو 200 آلية إلى المكان، وفق المصدر نفسه. وأمّنت القوات المغربية المعبر، معززة موقعها ببناء جدار يحمي من أي توغل.

وكتبت الناشطة الداعمة للانفصال أميناتو حيدر مؤخرا على تويتر أن "على الأمم المتحدة التحرك قبل فوات الأوان"، منددةَ بـ"عدم تحرك" مجلس الأمن.

ورحبت الرباط التي تؤيد حلّ منح المنطقة حكما ذاتيا تحت سيادة المملكة، بعدم تضمين آخر قرار لمجلس الأمن أي إشارة إلى "استفتاء"، بينما يشير إلى "حل سياسي ست مرات".

وبحسابات الربح والخسارة علقت البوليساريو في مأزق لا مخرج لها منه فقد خسرت خلال التصعيد الأخير سياسيا ولم تلق أي تعاطف دولي أو إقليمي لتقف بيد فارغة وأخرى لا شيء فيها وميدانيا تكبدت هزيمة مذّلة أعادتها إلى حجمها الطبيعي رغم الدعم الجزائري بالمال والسلاح والغطاء السياسي.

والمفاوضات التي يشارك فيها المغرب وبوليساريو والجزائر وموريتانيا متوقفة منذ آذار/مارس 2019.

ولم يستبدل بعد المبعوث الأممي وهو الرئيس الألماني السابق هورت كوهلر منذ استقالته لأسباب صحية في مايو/ايار 2019.

وتقول الرباط إن المشاريع التنموية التي تقوم بها في الصحراء المغربية تساهم في تعزيز الأمن الإقليمي وهو رأي أيدته كثير من الدول الغربية والإفريقية.

وتحتجز البوليساريو آلاف الصحراويين في مخيم تندوف المنقسم بين موالين لها يتمتعون بكل الامتيازات وبين منادين بالعودة للمغرب ورافضين لطروحات الانفصال وقد فرض الانفصاليون قيودا مشددة على تحركاتهم وتنقلاتهم وحرموهم من المساعدات الإنسانية الدولية واستخدموا القمع وسلاح التجويع لإجبارهم على الرضوخ.