التاريخ القاتم لأكسفورد وكامبريدج ينبض بالحياة أمام الزائرين

الجانب المظلم في الجامعتين الأرقى في بريطانيا يتجلى في انعدام المساواة والعنصرية تجاه السود والنساء والفوائد التي حصلا عليها من العبودية.

أكسفورد (المملكة المتحدة) - تحتل جامعتا أكسفورد وكامبريدج البريطانيتين باستمرار صدارة ترتيب أفضل مؤسسات التعليم العالي في العالم، ورغم ذلك لا يخلو الأمر من جانب مظلم في تاريخ هذين الصرحين الأكاديميين اللذين تأسسا في العصور الوسطى.

وأصبح تاريخ الجامعتين القاتم ينبض بالحياة أمام السياح، حيث تتصارع البلاد بشكل متزايد مع ماضيها الاستعماري.

وحذرت المرشدة والطالبة كلير ماكان، قبل أن تقود مجموعتها إلى شوارع أكسفورد المرصوفة بالحصى، والتي تجتذب حوالي سبعة ملايين زائر كل عام، أن “هذه ليست جولة المشي المعتادة”.

وتشهد المباني المهيبة التي يعود تاريخ العديد منها إلى العصور الوسطى على التاريخ الغني للمدينة الجامعية التي تقع على بعد حوالي 50 كيلومترًا شمال غرب لندن.

ويتحدث المرشد السياحي أوليفر مع مجموعة من الأشخاص الذين يحضرون جولة “أكسفورد غير المريحة” خارج برج كارافي في أكسفورد.

وخلف الأسوار العالية لمختلف كليات أكسفورد، تابع معظم رؤساء الوزراء البريطانيين دراستهم، كالرئيس الحالي للحكومة المحافظة ريشي سوناك، ورؤساء الحكومات السابقون بوريس جونسون وتوني بلير ومارغريت تاتشر وزعيم حزب العمال كير ستارمر.

لكن سنواتهم الجامعية ليست موضوع الجولة، التي تركز بدلاً من ذلك على “الموروثات الصعبة” وهي قضية ملحة برزت إلى الواجهة في المملكة المتحدة منذ الاحتجاجات المناهضة للعنصرية التي نظمتها حركة “حياة السود مهمة”.

 

هيبة قامت تاريخياً على العبودية
هيبة قامت تاريخياً على العبودية

وتقرأ كلير ماكان، وهي من أصول جنوب إفريقية، كلاما لرودس يصف فيه الأفارقة بأنهم "أحقر البشر". ويسلط الضوء على دوره في حرب البوير (1899-1902). وتتذكر أنه أسس شركة "دي بيرز" التي لا تزال شركة الماس الأولى في العالم، وتتحدث عن "الاستغلال" الذي شهدته المناجم.

وبفضل الثروة التي راكمها أمكنه إنشاء واحدة من أرقى المنح الدراسية في العالم، وهي منحة رودس التي كان الرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون من أبرز المستفدين منها.

وتسـأل ماكان "هل ينبغي الاحتفاظ بهذا التمثال؟". وقررت أكسفورد عام 2021 إبقاء التمثال في مكانه، بعد حملة ("رودس يجب أن يسقط") التي أطلقها الطلاب وأثارت نقاشات حادة في كل أنحاء المملكة المتحدة.

ثم تنتقل المجموعة إلى كلية ("أول سولز كولدج")، "الأكثر نخبوية بين كليات" أكسفورد، إذ لا تقبل إلا اثنين أو ثلاثة طلاب جدد فحسب سنوياً وهي كذلك من أغنى الكليات. وتشير ماكان إلى أن "هيبتها قامت تاريخياً على العبودية".

وأعادت "أول سولز كولدج" تسمية مكتبتها التي تُعدّ من الأجمل في المملكة، إذ كانت تحمل اسم طالب سابق هو كريستوفر كودرينغتون، ترك للجامعة عند وفاته عام 1710 قسماً من من ثروته المتأتية "إلى حد كبير"، كما أوردت الكلية على موقعها من مزارع في جزر الهند الغربية كانت تملكها عائلته ويعمل فيها عبيد "من أصول إفريقية".

وقالت الجامعة إن تحقيقا طلبت إجراءه لم يصل إلى أي دليل على أن الجامعة نفسها امتلكت أي عبيد أو مزارع استعباد بشكل مباشر، لكنها أظهرت أنها حصلت على "فوائد كبيرة" من العبودية.

وذكر تقرير التحقيق أن الاستفادة جاءت من خلال المتبرعين للجامعات الذين كسبوا أموالهم من تجارة الرقيق، كما أن الجامعة استثمرت في الشركات التي شاركت في هذه التجارة وحصلت على رسوم من عائلات تملك مزارع يعمل فيها الرقيق.

وخلص الباحثون إلى أن زملاء من كليات كامبريدج تعاونوا مع شركة الهند الشرقية، في حين كان لمستثمرين في الشركة الأفريقية الملكية أيضا صلات بكامبريدج، وكلتاهما كانت تعمل في تجارة الرقيق.

وتُنظَّم زيارات سياحية في كامبريدج أيضاً. وتسأل المرشدة آشلي لانس (27 عاماً) وهي تسير على طول نهر كام الهادئ، مقابل كلية "تشابل أوف كينغز" الضخمة "هل تعلمون أن مساحة الأراضي التي تملكها أكسفورد وكامبريدج معاً أكبر من مساحة الأراضي التي تمتلكها كنيسة إنكلترا؟".

وتضيف أن دراسة أجريت عام 2018 أظهرت أن كامبريدج هي المدينة التي تعاني أكبر قدر من عدم المساواة في بريطانيا"، إذ أن فيها عالمَين: عالَم الجامعة بطلابها وأساتذتها ومختبراتها، وبقية السكان.

ورغم الخصومة بين الجامعتين العريقتين ثمة جوامع مشتركة عدة بينهما. فقد أتيح مثلاً للنساء أن يتابعن دراستهن في أكسفورد في وقت مبكر من عام 1870، لكنهنّ انتظرن حتى عام 1920 لكي يصبح من حقهن الحصول على الإجازة. ومُنعن لمدة طويلة من دخول المكتبات خوفاً من أن يكون وجودهنّ فيها "عنصر إلهاءِ للرجال"، بحسب كلير ماكان. وكانت أورييل آخر كلية فتحت أبوابها للنساء عام 1985.

وفي كامبريدج، بدأت كلية "سانت جون كولدج" التي تأسست عام 1511 بقبول النساء اعتبارا من 1980. ولكن في اليوم الذي التحقت فيه الدفعة الأولى من الطالبات بالكلية، عمد أحد مسؤوليها إلى تنكيس العلم ووضع شارة سوداء. وتعلّق امرأة لندنية شاركت في الزيارة مع ابنتها "إنه أمر صادم جداً".

أما الأميركية ميشيل ميلر التي انتقلت للتو إلى أكسفورد مع زوجها، فتقول إنها مهتمة بما وراء كواليس الأماكن السياحية "لم نكن نعلم بوجود كل هذه المواضيع المثيرة للجدل".

وبدأت هذه الجولات التي تسمى "جولات مزعجة" عام 2018. ومنذ ذلك الحين، شارك فيها أكثر من 20 ألف شخص بحسب المؤسسين، ومن المتوقع أن تمتد إلى لندن وحتى إلى باريس.

وسبق أن صرح مدير معهد كامبريدج لعلم الجريمة، البروفيسور مانويل إيسنر، "كان طلاب أكسفورد جميعهم من الذكور وتتراوح أعمارهم عادةً بين 14 و21 عامًا، وهذه الفئة السنية كانت تشكل ذروة العنف والميل للمخاطرة".

وتابع "كان هؤلاء من الشباب الذين تحرروا من القيود الصارمة التي تفرضها الأسرة أو القرية أو أي تجمعات نقابية، وتم دفعهم إلى بيئة مليئة بالأسلحة، مع إمكانية الوصول إلى الحانات والعاملات في مجال الجنس".

وفي أوائل القرن الرابع عشر، كان عدد سكان أكسفورد حوالي 7 آلاف نسمة، يعيش بينهم حوالي 1500 طالب. وكشفت أبحاث جديدة أن مدينة أكسفورد العريقة في بريطانيا، كانت "عاصمة لجرائم القتل" الفظيعة في البلاد.