"التانكي" .. رواية تنشغل بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب

رواية عالية ممدوح تضاف لمسيرة كاتبة يعتبرها النقاد من أبرز الروائيات العربيات في عصرها، وبين الكاتبات المغتربات؛ لما تتميز به من خصوصية إبداعها الأدبي.
محمد الأشعري: رواية التانكي من أجمل وأعمق ما كُتب في أدبنا العربي الحديث عن بتر الأمكنة منّا، أو بترنا منها
الوطن يمشي وحيداً، ونحن نمشي وحيدين بعيداً عنه

روما ـ صدرت حديثاً عن منشورات المتوسط – إيطاليا، رواية جديدة للروائية العراقية المعروفة عالية ممدوح، حملت عنوان: "التانكي"، وكلمة التانكي كلمة مُستمدّة من معناها الإنجليزي تُستعمل في اللهجة العراقية بمعنى الخزان. روايةٌ تضاف لمسيرة كاتبة يعتبرها النقاد من أبرز الروائيات العربيات في عصرها، وبين الكاتبات المغتربات؛ لما تتميز به من خصوصية إبداعها الأدبي، ومتخيّلها السردي المليء بالتنوع، والنابع من صميم واقع الكاتبة ومحيطها، وتجاربها، بل وتوصف نصوصها كفعل ثوري، يتضح من خلال الانقلاب على السائد والموروث، ومن خلال التعبير عن قضايا نضال المرأة.
و"التانكي" رواية تنشغل بعلاقة الإنسان بالمكان المسلوب، وكيف يمكن بعد أربعة عقود من الزمن في المنافي، أن تتخيَّل الكاتبة عودتها إلى العراق، لتبدأ رحلتها في رصد التحولات الكبرى التي مرَّ بها البلد والتغيّيرات التي حدثت في المجتمع، عودة أدبية، لكنها تلامس حدود التراجيديا، بنسج حياة تتشارك فيها مع أبطالها، ما طال المكان من تحوّلات.

المكعب الذي يشبه سفينة الطوفان، نغلقهُ على ما تبقى من خراب المدينة، ونبحر على متنه طلبا للنجاة منه، ومن أنفسنا

وقد عدَّ محمد الأشعري الروائي والأديب الكبير الحائز على جائزة البوكر العالمية للرواية العربية؛ الرواية من أهم ما النصوص الأدبية التي كُتبت حول بتر الأمكنة منّا، واستيلابها قصراً، حيث قال عن الرواية وأهميتها: "إنني متأكد أن رواية التانكي هي من أجمل وأعمق ما كُتب في أدبنا العربي الحديث عن بتر الأمكنة منّا، أو بترنا منها، حتى يصبح الوطن يمشي وحيداً، ونحن نمشي وحيدين بعيداً عنه. لقد شعرت أثناء قراءتي للرواية بأثقال الطوبوغرافيا التي صارت خريطة دواخلنا، ومجالاً مستباحاً بالعنف والحسرة والموت البطيء. ثم هذا المكعب الذي يشبه سفينة الطوفان، نغلقهُ على ما تبقى من خراب المدينة، ونبحر على متنه طلبا للنجاة منه، ومن أنفسنا. روايةُ ألمٍ لا تروضه سوى متعة الكتابة".
ومن أجواء الكتاب:
غريب أمركم، دكتور، أعني أجدادكم الإغريق، عندما كان يتمّ التركيز الشديد لتطويل فترة الحنين عبر عائلة عوليس وزوجته المستسلمة وطفله تيليماخوس، فيتمّ تصعيد احتياجات المحارب للتعويض عن الأوقات السّيّئة والخسارات المتوالية في الحروب، فغدت إيثاكا، شخصية سَردِيَّة مُهلكة لمن ينتظر الوصول إليها. فنرى عوليس يجرجر قدميه "كصيّاد مرتحل"، وهو لا يملك ما يعارض به القدر، والمدينة على بعد إصبع منه، فلا يصلها. يتجمّع في فمه ما لا يقال، فلا يتفوّه بكلمة .. فهل تغيّرت الطريق إليها؟ أم غادرت إيثاكا، وارتحلت؟
فحسب خطاب هومير، الوقت يفلت من بين ذراعيه، والزوجة لا تغادر خرسها، العابر للخرساوات المكتئبات المنتظرات جميعهنّ دونما غفوة ولا نوم، وعلى طول سَردِيَّة التاريخ، ألم تشاهد يدها يوماً، دكتور، وهي تفكّ كبّة الخيوط تلك، وتعيدها؟ فبماذا تُذكِّركَ؟ كلاّ، ليس بالحكمة والصبر؛ بالتسوّل وبالعوز رسمت يدها، وهي تتسوّل ظلاّ لعوليس، وهو ينهض مبتهجاً من بين أحضان "كاليبسو". ما الذي نراه فيها؟ اليد، والذراع، الأصابع والكفّ والرُّسْغ. يدان هاربتان، ويُغمى عليهما دائماً، فتقرع الأجراس، لكي لا تتوقّف عن تلك التعاسة".
عالية ممدوح: 
كاتبة وروائية عراقية، مواليد بغداد ١٩٤٤. خريجة علم النفس من الجامعة المستنصرية عام ١٩٧١، شغلت وظيفة رئيسة تحرير جريدة "الراصد" البغدادية الأسبوعية لأزيد من عشر سنوات. غادرت بغداد منذ ١٩٨٢، وتنقلت بين عواصم ومدن شتى، تقيم حالياً في باريس. أصدرت عام ١٩٧٣ مجموعة قصصية بعنوان: «افتتاحية للضحك»، ومنها توالت أعمالها الأدبية؛ ثمانُ روايات منها: «ليلى والذئب»، 1980. «المحبوبات» الحائزة على جائرة نجيب محفوظ للرواية، 2004. و«الأجنبية»، سيرة روائية، 2013. تُرجمت بعض رواياتها إلى الإنجليزية، والفرنسية، والإيطالية، والإسبانية، أشهرها رواية «النفتالين» التي تُرجمت إلى سبع لغات، ودُرست لمدة سنتين في جامعة السوربون.