التايمز: زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي لبريطانيا هي الأولى منذ 2018

الحكومة البريطانية تسعى إلى الحصول على دعم سعودي لإبرام اتفاق تجاري مع مجلس التعاون الخليجي الذي تلعب المملكة دورا رئيسيا فيه.
رئيس وزراء بريطانيا والأمير محمد بن سلمان يتطلعان لعقد لقاء في أقرب فرصة

لندن - كشفت صحيفة التايمز البريطانية اليوم الخميس أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سيقوم في الخريف بزيارة إلى لندن بناء على دعوة رسمية من الحكومة البريطانية ستكون هي الأولى له منذ العام 2018 وهو العام الذي تعرضت فيه المملكة لضغوط غربية شديدة على خلفية مقتل الصحفي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
وأثارت تلك القضية ضجة واسعة في الأوساط الغربية مع اتهامات للأمير محمد بالمسؤولية عن جريمة قتل خاشقجي، فيما أجج حينها المحور الإعلامي التركي القطري حملة ضد المملكة وولي عهدها، بينما تحركت تركيا عبثا لتدويلها في ذروة توترات مع السعودية.
ونفت الحكومة السعودية أي صلة للأمير محمد بتلك القضية واتخذت إجراءات قانونية وقضائية بحق عدد من المشتبه بتورطهم في قتل خاشقجي، بينما نجحت الرياض في احتواء تداعيات الحادثة التي يقول مسؤولون إنها كانت محاولة للإضرار بسمعة ولي العهد وتشويه الدور المحوري للمملكة.
وهدأ ضجيج الأزمة بمجرد اتخاذ المملكة الإجراءات القانونية والقضائية لغلق ملف مقتل خاشقجي وتعاملت مع الانتقادات والاتهامات الغربية بدبلوماسية هادئة وأفشلت محاولات لعزل الأمير محمد دوليا.
ووجهت لندن وكذلك واشنطن انتقادات حادة للسلطات السعودية على خلفية قضية خاشقجي حتى أن الرئيس الأميركي جو بايدن الذي كان يخوض حملته الرئاسية حينها ولم يكن قد وصل إلى الرئاسة، تعهد بعزل المملكة. وبعد أشهر على فوزه اضطر إلى زيارة جدة في زيارة صافح فيها الأمير محمد وكان يأمل خلالها في دفع الرياض لزيادة إنتاج النفط والتراجع عن قرار تحالف أوبك بلس المتعلق بخفض الإنتاج النفط بنحو مليوني برميل يوميا.
وستمثل زيارة الأمير محمد لبريطانيا إذا تمت وفق ما تحدثت عنه الصحيفة البريطانية، تدشينا لمرحلة أوسع من التعاون الاقتصادي بدرجة أولى في الوقت الذي تبدو فيه المملكة المتحدة بحاجة ماسة لتعزيز شراكاتها مع السعودية بعد انسحابها من الاتحاد الأوروبي وبعد أن خلف انفصالها عن التكتل الأوروبي تركة من المشاكل المالية وثغرات اقتصادية وفجوات واضطراب في سلاسل الإمداد.
وفي المقابل تبحث السعودية التي دشنت مرحلة تحول ضخمة وانفتاحا اجتماعيا واسعا ضمن خطة 'رؤية 2030' الطموحة التي يقودها ولي العهد، عن توسيع وتنويع الشراكات الدولية وفتح المزيد من المنافذ الاقتصادية وبريطانيا واحدة من الوجهات التي تشتغل المملكة على الاستثمار فيها واستقطاب استثمارات بريطانية مهمة.

وقال مكتب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك إنه بحث في اتصال هاتفي مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان اليوم الخميس تعزيز العلاقات بين البلدين.

وذكر في بيان إن "رئيس الوزراء وولي العهد قالا إنهما سيواصلان العمل عن كثب لتعزيز التعاون البريطاني السعودي ويتطلعان إلى عقد لقاء بالحضور الشخصي في أقرب فرصة".

بدورها أفادت وكالة الأنباء السعودية بأن الأمير محمد بن سلمان تلقى اتصالا هاتفيا اليوم من سوناك، استعرضا خلاله "أوجه التعاون المشترك بين البلدين وسبل تعزيزه وتطويره في المجالات كافة إلى جانب تبادل وجهات النظر حيال المستجدات على الساحتين الإقليمية والدولية والجهود المبذولة بشأنها".

وأضافت الوكالة في بيان أن "رئيس الوزراء البريطاني أبدى خلال الاتصال تقديره لدور المملكة المؤثر في المساهمة بالتوصل إلى حل للأزمة الأوكرانية عبر مبادرة اجتماع مستشاري الأمن الوطني".
وأكد ولي العهد السعودي حرص المملكة على بذل الجهود لما يسهم في تحقيق السلام والاستقرار ويدفع بحل سياسي للأزمة الأوكرانية ـ الروسية، وفق المصدر نفسه.

 وأكد مسؤول بريطاني في وقت سابق أن الأمير محمد سيلتقي خلال زيارته إلى لندن الملك تشارلز الثالث، مشيرا إلى العلاقات التاريخية الوثيقة التي تجمع العائلة المالكة البريطانية بأفراد العائلة المالكة السعودية.

"السعودية تشهد تحولا سريعا للغاية بالطريقة نفسها التي كانت عليها دبي قبل عشر أو 15 عاما"

ويتطلع الفريق الحكومي لرئيس الوزراء البريطاني إلى أن تتوّج زيارة ولي العهد السعودي إلى بريطانيا باتفاقيات ثنائية تنعكس إيجابا على المملكة المتحدة قبل انتخابات العام المقبل.

وقال مصدر من الحكومة البريطانية إنه "تم توجيه الدعوة للسعوديين وأن المناقشات جارية حول طبيعة الرحلة"، مضيفا أن "هناك رغبة في لندن لتحقيق ذلك بحلول نهاية العام". وفق "التايمز".

وأجرت لندن في الفترة السابقة مفاوضات مع مجلس التعاون الخليجي بشأن إبرام اتفاقية تجارة حرة مع الكتلة الإقليمية التي تضم السعودية والإمارات وقطر والكويت وعمان والبحرين.

وتتوقع تقارير أن ترفع الصفقة حجم التجارة مع الدول بنسبة 16 في المئة، مما يضيف 1.6 مليار جنيه إسترليني سنويا للاقتصاد البريطاني، فيما يعتبر المفاوضون موافقة السعودية على شروط الاتفاقية حاسمة وستوفر أكبر فرصة للنمو.

وقال مسؤول حكومي بريطاني إن "السعودية تشهد تحولا سريعا للغاية بالطريقة نفسها التي كانت عليها دبي قبل عشر أو 15 عاما"، لافتا إلى أن التطور الاقتصادي الذي تحققه الرياض "يوفر فرصا هائلة لقطاع الخدمات البريطاني في مجالات مثل الهندسة المعمارية والخدمات المصرفية والقانونية".

وتابع أن "السعودية أصبحت اللاعب الأساسي داخل دول مجلس التعاون الخليجي وستكون مفيدة في تحديد شروط الصفقة وصار دورها أكثر أهمية منذ النزاع الروسي الأوكراني"

وإلى جانب المسألة الاقتصادية يتصدّر ملف التسليح الملفات التي سيتم التباحث بشأنها خلال لقاءات ولي العهد السعودي والمسؤولين في بريطانيا.

وزار الأمير محمد لندن في العام 2018، حيث التقى الملكة إليزابيث الراحلة وتوّجت الزيارة التي استمرت 3 أيام بتوقيع اتفاقيات اقتصادية واستثمارية بقيمة قدّرت بـ100 مليار دولار وتمتد على عشر سنوات، كما تعهّد البلدان بزيادة التعاون في أمن الطيران.

كما اتفقت الرياض ولندن خلال الزيارة على تعزيز الجهود لمكافحة الارهاب والتطرف وتحقيق الاستقرار الإقليمي عبر تبادل المعلومات وفهم الطرق التي يسلكها الإرهابيون والمتطرفون للتأثير في الفئات الضعيفة.

كما توجت الزيارة بتوقيع مذكرة إعلان نوايا عن رغبة السعودية وبريطانيا في مواصلة المناقشات بينهما للتوصل إلى اتفاق لحصول المملكة على 48 طائرة "تايفون" إضافية.

ورفضت المحكمة العليا في لندن في يونيو/حزيران الماضي دعوى قضائية رفعتها الحملة المعارضة لتجارة الأسلحة ضد قرار حكومي بريطاني قالت إنه سمح ببيع أسلحة للسعودية بشكل غير قانوني، بينما تعزّز التعاون العسكري والدفاعي خلال السنوات الأخيرة بين البلدين، في ظل توتّر بين السعودية والولايات المتحدة، حليفها الإستراتيجي.

وتتحرك الرياض منذ مدة في كل الاتجاهات لتوسيع قائمة شركائها الاقتصاديين وعدم الاقتصار على حليف واحد، في وقت تحقق فيه نموا اقتصاديا متسارعا، بينما تحرص السلطات السعودية على استقطاب الاستثمارات الأجنبية، معوّلة على خطتها الاقتصادية "رؤية 2030".