التحالف العربي ومناورة الحوثيين

من يصدق وعود الحوثيين؟ اذا كان ليس هناك من يريد العودة بالذاكرة الى ما فعله "انصار الله" بعبد ربّه منصور هادي الذي وجد نفسه في الإقامة الجبرية واضطر الى الاستقالة قبل ان يتمّ تهريبه من صنعاء الى عدن، ماذا عن التعاطي مع علي عبدالله صالح؟

يندرج التأخير الذي طرأ على استعادة ميناء الحديدة في سياق خطة واضحة تستهدف بلوغ الهدف من دون التسبب بخسائر كبيرة في صفوف المدنيين. لا يمكن تجاهل ان الحديدة ليست ميناء فقط بل هي مدينة كبيرة يصل عدد سكانها الى نحو 800 الف نسمة. ما لا يمكن تجاهله أيضا ان اهل الحديدة والمنطقة المحيطة أناس مسالمون لا علاقة لهم بالسلاح المنتشر بين قبائل الشمال. ليس في وارد ان يقاتل اهل الحديدة الحوثيين. القتال ليس من عاداتهم. كلّ ما يستطيعون عمله هو اعتماد الصبر في انتظار اليوم الذي يستعيدون فيه حريتهم بعدما عاثت الميليشيات المذهبية التي ترفع شعارات إيرانية فسادا في المدينة.

فوق ذلك كلّه، هناك عاملان يمكن ان يؤخرا الحسم العسكري، اولّهما ان استمرار الحرب يشكل مصدر ربح لعدد كبير من الأطراف في اليمن وخارج اليمن. امّا العامل الثاني فهو عائد الى ان الجيش الوطني اليمني والتحالف العربي لا يستطيعان الّا مراعاة مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة مارتن غريفيث الذي يصرّ على إعطاء فرصة للحوثيين (انصار الله). في الواقع ليست هذه الفرصة سوى هامش للمناورة يستخدمه الحوثيون والطرف الذي يقف خلفهم، أي ايران، من اجل المناورة ليس الّا.

من حسن الحظ، لا ينطلي هامش المناورة هذا لا على التحالف العربي ولا على القوى الموجودة على الأرض التي تعرف تماما ان اللغة الوحيدة التي يفهمها الحوثيون هي لغة الحسم العسكري. ولكن ما العمل عندما يكون هناك مبعوث للأمم المتحدة لا يريد العودة الى تجارب الماضي القريب والاستفادة منها، خصوصا من تجربة الايّام التي تلت مباشرة دخول الحوثيين الى صنعاء ووضع يدهم عليها في الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. ليس بعيدا اليوم الذي سيكتشف فيه مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذي يدرك حجم المأساة الانسانية في اليمن، ان هؤلاء لا يحترمون كلمتهم ولا الاتفاقات التي يوقّعونها. لو كانوا يحترمون أي اتفاق يمكن التوصل اليه معهم، لما كانوا انقلبوا على "اتفاق السلم والشراكة" الذي وقعوه مع الأطراف اليمنية الأخرى بمن في ذلك الرئيس الانتقالي عبد ربّه منصور هادي بعيد استيلائهم على صنعاء. وقّْع هذا الاتفاق وقتذاك برعاية الامم المتحدة التي كانت ممثلة بمبعوث الأمين العام جمال بنعمر. من المفترض في المبعوث الحالي تذكّر ذلك. لم يكد الحبر الذي وقع به "اتفاق السلم والشراكة" يجفّ حتْى اعتقل الحوثيون الرئيس الانتقالي ووضعوه في الإقامة الجبرية وفرضوا الدستور الذين يريدون فرضه على اليمن. حسنا، اذا كان ليس هناك من يريد العودة بالذاكرة الى ما فعله "انصار الله" بعبد ربّه الذي وجد نفسه في الإقامة الجبرية واضطر الى الاستقالة قبل ان يتمّ تهريبه من صنعاء الى عدن، ماذا عن التعاطي مع علي عبدالله صالح؟ اليس ما فعله الحوثيون بالرئيس السابق، الذي تحول الى حليف لهم ووقع معهم مجموعة من الاتفاقات والذي كان في أساس نشوء حركتهم، ذروة الغدر؟  

لا وجود لحلول وسط مع الحوثيين. لا يستهدف كلّ ما يطرحونه الآن بالنسبة الى تسليم الميناء للأمم المتحدة سوى كسب الوقت. هناك حاجة ماسة لدى "انصار الله" الى ميناء الحديدة حتّى لو كان تحت اشراف الامم المتحدة. المهمّ ان يبقوا في المدينة وفي داخل الميناء بطريقة او باخرى لضمان مصالحهم. ماذا يعني ضمان هذه المصالح؟ يعني اوّلا استيفاء رسوم وخوات على البضائع التي تمر بميناء الحديدة من جهة واستخدام الميناء من اجل تهريب الاسلحة التي مصدرها العراب الأكبر لـ"انصار الله"، وهو ايران، من جهة اخرى.

عاجلا ام آجلا ستستعيد "الشرعية" الحديدة. لا خيار آخر غير اغلاق كل الموانئ اليمنية في وجه الحوثيين الذين سيكون عليهم الانكفاء في اتجاه شمال الشمال في انتظار معركة صنعاء. لا مجال لأي تفاهم مع هؤلاء، لا لشيء سوى لأنّهم لا يحترمون كلمتهم. احتلوا صنعاء عن طريق المراوغة. لعبوا كلّ الاوراق التي كانت في حوزتهم من اجل بلوغ هدفهم. أرادوا ان تكون صنعاء نقطة انطلاق لوضع اليد على اليمن كلّه.

لن يكون تحرير الحديدة سوى خطوة أخرى على طريق توجيه ضربة قاضية للمشروع الايراني في اليمن. لو لم يكن ميناء الحديدة مهمّا لما كان ذلك التشديد من الأمين العام لـ"حزب الله" على ما يدور في اليمن. حرص حسن نصرالله على القول انّه "خجول لانه ليس بين المقاتلين اليمنيين على الساحل الغربي". من الواضح ان مثل هذا الكلام الذي يراد منه رفع معنويات الحوثيين لن يؤدي الى نتيجة. الواقع ان هناك افقا لمعركة اليمن وان هذا الأفق يتجاوز اليمن لأنّه يصب في المواجهة التي تستهدف التصدي للمشروع الايراني ككلّ. ليست معركة اليمن التي يعطيها نصرالله كلّ هذه الاهمية ثم يقول ان "لا افق لها"، أي يقول الشيء ثم عكسه، سوى حلقة في سلسلة المعارك التي تخاض حاليا في المنطقة للحفاظ على ما بقي منها، أكان ذلك في الخليج العربي او في العراق او في سوريا او في لبنان.

المهمّ الآن ان ما ينطلي على مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لا ينطلي على التحالف العربي الذي شنّ "عاصفة الحزم" ولا على القوى التي تقاتل الحوثيين على الأرض. ستعود "الشرعية" الى الحديدة في الوقت المناسب وسيكتشف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة، الذي لا يمكن الشكّ في نياته الحسنة، ان الحوثيين يتقنون فن المناورة وان لا هدف لهم سوى تنفيذ ما هو مطلوب منهم ايرانيا لا اكثر ولا اقلّ، أي تحويل اليمن الى شوكة في خاصرة كل دولة من دول الخليج العربي. في النهاية ما هو المشروع الحوثي لليمن؟ الأكيد ان الجامعات التي سيقيمونها، هذا اذا اقاموا جامعة يوما، لن تكون افضل من "جامعة الايمان" التي اقامها عبدالمجيد الزنداني في ايّام علي عبدالله وصالح والتي راحت تخرّج متطرفين لا همّ لهم سوى نشر الفتن في كل انحاء المنطقة.

بعض الوعي لما هو على المحك في اليمن ضروري، بل ضروري جدا. لو لم يكن هناك مثل هذا الوعي لما كانت "عاصفة الحزم" التي لم تبق للحوثيين من منفذ بحري غير الحديدة. لولا هذا الوعي، لكان الحوثيون في المكلا وعدن وميناء المخا الذي يتحكّم بباب المندب، المضيق الذي تمرّ عبره كل السفن المتجهة الى قناة السويس.

مرّة أخرى، يمكن تفهّم الدوافع الانسانية لدى مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة. لكن المطلوب في الوقت ذاته، على الرغم من حجم المأساة اليمنية، الاقتناع ان لا مجال للبحث في صيغة جديدة لليمن في ظلّ موازين القوى القائمة حاليا. لا احد يريد الغاء الحوثيين. هؤلاء جزء من النسيج اليمني، لكنّ لا احد يستطيع في الوقت ذاته التعاطي معهم كأنّهم نصف اليمن واكثر. ليس مطلوبا القضاء عليهم، بل اعادتهم الى حجمهم الحقيقي انطلاقا من استعادة ميناء الحديدة بكلّ ما يمثله على غير صعيد.