التدخل التركي في ليبيا ينشط الدبلوماسية الجزائرية والتونسية

الجزائر ترفض "كل تدخل أجنبي" في ليبيا، معتبرة أن طرابلس "خط أحمر لا يجب تجاوزه"، داعية إلى "عودة سريعة لمسار الحوار الوطني الشامل".
تونس والجزائر مع حل سلمي ينهي الأزمة الليبية
الجزائر خرجت عن دور الحياد بدعم حكومة السراج
التدخل التركي في ليبيا ينشط الدبلوماسية الجزائرية والتونسية

باريس - تبذل الجزائر وتونس الرافضتان لأي تدخل أجنبي في ليبيا البلد الجار، جهودهما للتوصل إلى حل للأزمة لتفادي الأسوأ مع انخراط تركيا العسكري في الأزمة بقوات على الأرض دعما لحكومة فايز السراج في طرابلس.

ووسط نشاط دبلوماسي حثيث، حثت الجزائر المجتمع الدولي وخصوصا الأمم المتحدة على "تحمل مسؤولياتها" لـ"فرض وقف فوري لإطلاق النار وإنهاء التصعيد العسكري" في ليبيا.

ومنذ قرار تركيا الأخير بنشر قوات في ليبيا، تكثف الدبلوماسية الجزائرية المشاورات بغرض تهدئة الأزمة المهددة بالتدويل.

لكن اللقاء الأخير بين الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون وفايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني في العاصمة الجزائرية، أظهر أن موقف الجزائر ابتعد عن الحياد.

واعتبر مدير البحوث في معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية بباريس كريم بيطار أن الجزائر التي تواجه حركة احتجاج شعبية "تسعى خصوصا للحفاظ على استقرارها"، مضيفا أن "الجزائر ليست لها مصلحة في أن تكون في قلب هذه الحرب بالوكالة" في ليبيا.

واعترافا بدورها الإقليمي رغم عدم ظهورها دوليا منذ إصابة رئيسها السابق عبدالعزيز بوتفليقة بجلطة دماغية في 2013، تمت دعوة الجزائر رسميا للمؤتمر الدولي المقرر قريبا في برلين لمحاولة التوصل إلى حل سياسي في ليبيا برعاية الأمم المتحدة.

وتعيش ليبيا في الفوضى منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في 2011، منقسمة اليوم بين سلطتين: حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من الأمم المتحدة ومقرها طرابلس وحكومة مؤقتة في الشرق مدعومة من قوات الجيش الوطني والبرلمان.

وألقت تركيا بثقلها في دعم حكومة السراج التي تصفها قيادة الجيش الوطني الليبي بأنها واجهة سياسية لحكم الإخوان المسلمين، منتقلة من الدعم السرّ إلى العلني تمويلا وتسليحا وصولا إلى انخراطها العسكري المباشر دعما لسلطة عاجزة عن استعادة الأمن والاستقرار في غرب ليبيا.

وينفذ الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر منذ ابريل/نيسان 2019 عملية عسكرية لتحرير العاصمة طرابلس من قبضة ميليشيات متطرفة موالية لحكومة الوفاق وسط اتهامات للأخيرة بارتهان ليبيا لسطوة الجماعات المتشددة وللهيمنة التركية.  

وسيطرت قوات الجيش الوطني الليبي الاثنين الماضي على مدينة سرت الساحلية الإستراتيجية الواقعة بين شرق البلاد وغربها. وأشاد حفتر الخميس بالنداء الذي وجهته موسكو وأنقرة لوقف إطلاق النار الأحد، لكنه أعلن استمرار عملياته العسكرية ضد ميليشيات الوفاق.

وتعتبر الجزائر التي ترفض "كل تدخل أجنبي" في ليبيا، طرابلس "خطا أحمر لا يجب تجاوزه"، داعية إلى "عودة سريعة لمسار الحوار الوطني الشامل".

ورأى الصحافي الجزائري أكرم خريف المتخصص في مسائل الدفاع أن أولويات السلطات الجديدة في الجزائر واضحة وهي "رفض كل تدخل أجنبي وتعزيز أمن الحدود وتجديد التأكيد على سيادة حكومة الوفاق وشرعية فائز السراج" الذي يُستقبل بانتظام في العاصمة الجزائرية.

ويكشف هذا الموقف انحيازا جزائريا لسلطة الوفاق بينما عجزت الأخيرة منذ دخولها طرابلس في مارس/اذار 2016 عن فرض الأمن والاستقرار وعن كبح سلاح الميليشيات ومعالجة الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

وكانت مجموعة الأزمات الدولية قد دعت لمراجعة الاتفاق السياسي الذي انبثقت عنه حكومة وسلطة السراج في ديسمبر/كانون الأول 2015، مشيرة إلى أنه اتفاق ولد ميتا كونه لا يمثل كل الأطراف الليبية وكونه أسس لنهج اقصائي في الوقت الذي يفرض فيه الواقع تمثيلا لكل مكونات النسيج الليبي.  

وقال المحلل جلال حرشاوي إن "الجزائريين ضد حرب حفتر على طرابلس لأنهم على قناعة تامة أنه لا يستطيع إنهائها"، مضيفا "هم يعتقدون أننا إزاء حرب مدن لا يمكن الانتصار فيها وبلا نهاية ما سيعني أزمة إنسانية متعاظمة وموجات نزوح يمكن أن تؤثر على تونس والجزائر، دون نسيان مخاطر تصاعد الآفة الجهادية".

لكن هذا الرأي يتعارض مع حقيقة أن الجيش الليبي خاض في السابق حربا أشدّ تعقيدا ونجح في تحرير شرق ليبيا من الجماعات الإرهابية.

وقد أكدت قيادة الجيش الوطني الليبي مرارا أن العملية العسكرية في طرابلس لا تستهدف أي مكون ليبي بل هي حرب معلنة لتخليص العاصمة من قبضة الجماعات المتشددة الموالية لتركيا ولسلطة الوفاق.

وللجزائر وتونس اللتان تتشاوران في الملف الليبي، الانشغالات الأمنية ذاتها، حيث ترتبط الجزائر مع ليبيا بحدود ممتدة تصل إلى نحو 1100 كلم ولتونس حدود طولها 450 كلم مع جارتها الشرقية.

وكانت تونس تعرضت في عامي 2015 و2016 إلى سلسلة من الاعتداءات الجهادية تم التخطيط لها في ليبيا، كما حاول تنظيم الدولة الإسلامية انطلاقا من الأراضي الليبية الاستيلاء على مدينة بن قردان في محافظة مدنين حبنوب شرقالبلاد في 2016.

وأثارت الزيارة غير المعلنة للرئيس التركي رجب اردوغان مؤخرا لتونس سجالات سياسية وتساؤلات حول توقيتها ومضامينها وسط مخاوف من اتخاذ البلاد قاعدة خلفية لانطلاق الغزو التركي لليبيا.

وتساءلت صحيفة "لابراس" التونسية الحكومية "هل ستستخدم تونس قاعدة خلفية للتحالف المعادي لحفتر أو ستكون وسيطا في هذه الأزمة؟".

ووضعت الرئاسة التونسية حدا للتكهنات بتأكيدها أن "تونس دولة ذات سيادة ولن تقبل أبدا أن تكون ضمن أي حلف"، إلا أن هذا التأكيد كان يفترض أن يسمعه الرئيس التركي من نظيره التونسي قيس سعيد، لكن غموض موقف سعيد عرضه لانتقادات حادة حتى من المعسكر الذي دعمه في حملته الانتخابية للرئاسة.

ورأى المحلل السياسي التونسي يوسف الشريف أن تونس لم تخرج عن سياق السياسة الخارجية التقليدية القائمة على عدم الانحياز، مضيفا "الأمر المهم الذي بإمكان تونس أن تفعله هو وضع مستشفياتها على ذمة الجرحى وعدم غلق حدودها أمام اللاجئين".

وكانت تونس آوت في 2011 مئات آلاف الأشخاص الفارين من النزاع في ليبيا وهي تستعد لتدفق محتمل جديد للاجئين. أما الجزائر فهي بحسب المنظمة الدولية للهجرة، تستقبل يوميا عددا من المهاجرين يفوق ما تستقبله أوروبا كلها.

تتهيأ السلطات التونسية منذ زيارة أردوغان الأخيرة لأسوأ السيناريوهات ومن ضمنها نزوح عشرات الآلاف من غرب ليبيا إلى أراضيها في الوقت الذي تعاني فيه من أزمة اقتصادية حادة ومن أزمة سياسية تتعلق بتشكيل الحكومة الجديدة.