التربة تهدد البشر بحروب وهجرات وانقراض أنواع حية

البشر يغيرون الطبيعة باستمرار

ميديين (كولومبيا) - حذّر خبراء من العالم أجمع من تردّي نوعية التربة الذي يتسبب بموجات هجرة كبيرة ونزاعات وبانقراض الأنواع، لكنهم اقترحوا أيضا تدابير للحدّ من تداعيات هذه الظاهرة قبل فوات الأوان.

والسبب في تدهور التربة يعود إلى الممارسات الزراعية غير المستدامة، والتلوث البيئي، والتمدد العمراني، وهو يهدد رفاه ثلاثة مليارات و200 مليون شخص وينذر بموجات نزوح كبيرة قد تشمل 700 مليون شخص بحلول العام 2050.

وجاء في التقرير الذي أصدره الاثنين علماء وباحثون في إطار المنبر الدولي الحكومي للتنوع الحيوي والأنظمة البيئية المنعقد في ميديين في كولومبيا أن 25% فقط من الأراضي في العالم ما تزال تربتها سليمة من التدهور.

وقال روبرت واتسون رئيس المنبر "لقد حولنا جزءا كبيرا من غاباتنا ومراعينا، لقد فقدنا 87% من المناطق الرطبة لقد غيرنا الأرض حقيقة".

وتتدهور نوعية التربة بسبب سوء الاستخدام أو الاستغلال المفرط، ويترجم هذا "بانحسار الأراضي القابلة للزراعة وبالتالي موارد العيش"، بحسب ما يشرح واتسون.

ويُتوقّع أن يؤدي هذا العامل، مضافا إلى مشكلات التغير المناخي، لإجبار ما بين خمسين مليونا و700 مليون شخص على الهجرة، وفقا للتقرير الذي أعده خبراء من 45 بلدا.

حروب ونزاعات

ومن شأن تدهور التربة أن يسبب الحروب أيضا، فانحسار إنتاجية الأراضي "يجعل المجتمعات الضعيفة أكثر عرضة لعدم الاستقرار، ولا سيما في المناطق الجافة".

وسيكون لذلك أيضا تأثير على الأمن الغذائي، وعلى الماء ونوعية الهواء، أي على مجمل سكان الأرض، إضافة إلى التكلفات الاقتصادية المقدرة بـ10% من إجمالي الناتج المحلي.

وحتى اليوم، سلمت من تدهور التربة بشكل كبير مساحات لا تزيد عن 25% من الأرض، وهي نسبة مرشحة للانحسار إلى 10 % بحلول العام 2050.

وقال روبرت شولز أحد معدي التقرير لوكالة فرانس برس "كانت الغابات المدارية تاريخيا قليلة السكان، لأن دخولها كان صعبا، أما اليوم فنحن نشق فيها الطرقات ونحول مساحات منها إلى مساحات زراعية".

ويؤثر ذلك سلبا على الحيوانات والنباتات وعلى الغابات نفسها التي تنتج غاز الأكسجين وتمتص غاز ثاني أكسيد الكربون وغيره من الغازات المسؤولة عن ارتفاع حرارة الأرض.

تطلب إعداد التقرير ثلاثة أعوام، وهو يجمع كلّ ما صدر من تقارير علمية عن هذا الموضوع في الآونة الأخيرة.

وأعرب الخبراء الجمعة الماضي عن قلقهم على التنوع الحيوي في الوقت الذي تشهد فيه الأرض أكبر موجة اندثار للأنواع منذ الانقراض الكبير الذي اختفت خلاله الديناصورات قبل 65 مليون سنة.

وفي ما يأتي أبرز الاقتراحات التي قدّمت في إطار المنبر الحكومي الدولي للتنوع الحيوي والأنظمة البيئية في ختام الجلسة العامة التي عقدت في مدينة ميديين الكولومبية.

الترميم

يدرّ ترميم الأراضي المتضررة منافع هي أكبر بعشر مرات من كلفته.

وفي افريقيا وآسيا، قد يكلّف التقاعس ثلاث مرات أكثر من التدابير اللازمة لتجديد التربة.

ويمكن إصلاح الأضرار مثلا من خلال غمر المستنقعات المتجففة بالمياه واحتواء تلوّث المياه برواسب الأنشطة المنجمية والزراعية والصناعية، من المصدر.

ويوصي التقرير بإنشاء "بنى تحتية خضراء" في المدن، مثل الحدائق، وإعادة زرع النبات المحلي ومعالجة مياه المجارير واستصلاح الأنهر.

الزراعة

يؤدي القطاع الزراعي القائم على استغلال الأراضي دورا أساسيا في حلّ هذه المشكلة من خلال تغيير أساليبه.

فحراثة الأراضي قد تؤثّر على نوعية التربة وتحرّر الكربون المحتبس فيها، ما يفاقم من الاحترار المناخي.

وقال بوب شولس أحد القيمين على تقرير المنبر "من شأن الحراثة بطريقة مختلفة وبوتيرة أقل أن تساعد إلى حد بعيد في استعادة المواد العضوية الضرورية للتربة بدلا من تدهورها".

واعتبر روبرت واتسون رئيس المنبر الحكومي الدولي للتنوع الحيوي والأنظمة البيئية أن الحلّ يكمن جزئيا في اعتماد ما يعرف بـ "الزراعة الدقيقة" مشيرا "لا بدّ لنا من أن نحسن استخدام السماد ومبيدات الحشرات، فضلا عن ترشيد استعمال المياه".

المنشأ

لا بدّ لقطاع التوزيع من إيلاء أهمية أكبر لمنشأ المنتجات وطريقة صنعها التي قد تؤثر على الطبيعة.

وشدد لوكا مونتاناريلا العضو في مركز الأبحاث التابع للمفوضية الأوروبية، على أهمية "وضع علامات توضيحية على المنتجات الغذائية".

ولفت مونتاناريلا الذي ساهم في إعداد التقرير إلى ان المستهلك قد يختار استخدام منتج آخر إذ علم بأن مزوّد منتج ما لا يراعي النظم البيئية في أساليبه، حتّى لو كان خياره هذا أغلى كلفة.

فالمستهلك قادر على اتّخاذ قرارات بشأن ما يضرّ صحته خصوصا وبيئته عموما، بحسب مونتاناريلا.

تحفيزات

يوصي المنبر الحكومي الدولي للتنوع الحيوي والأنظمة البيئية باعتماد تدابير تحافظ على استدامة البيئة بدلا من "تحفيزات خبيثة" تؤدي إلى تدهور التربة.

ولا بدّ من مراجعة المساعدات المقدمة لقطاع الزراعة، بحسب المنتدى، إذ أنها تشجع على الإنتاج المفرط على حساب استدامة البيئة.

فلا يتوانى المزارع مثلا عن الإفراط في استخدام السماد الذي يحظى بمساعدات حكومية كبيرة، بحسب ما أشار شولس.

تعاون دولي

لا بدّ من أن تضع الحكومات نصب أعينها حماية البيئة في كل القرارات التي تتخذها مع إدماج مبدأ مراعاة البيئة في كل المجالات، من الزراعة إلى الاقتصاد، مرورا بالطاقة والبنى التحتية.

ويوصي الخبراء باعتماد رؤية شاملة على الأصعدة الدولية والوطنية والتوقف عن التعامل مع المشكلة كأنها "حالة منفردة"، على حدّ قول شولس.

ومن المرتقب تنظيم اجتماعات دولية مهمة في هذا الصدد سنة 2019 من شأنها أن تساعد في رفع الوعي.

ومن المقرّر عقد الجلسة العامة المقبلة للمنبر الذي سيحدّث تقريره العائد للعام 2005 حول التنوع الحيوي، في باريس.

وأشارت آن لاريغودري الأمينة التنفيذية للمنبر في تصريحات لوكالة فرانس برس إلى أهمية إدراج هذه المشكلة المرتبطة بالتنمية المستدامة بمسائل الصحة والأنظمة الغذائية والمياه والطاقة والتغير المناخي، إذ إن "الصلة واضحة بين كل هذه الملّفات لكنها ليست دوما مفهومة".