الترهيب يفرض الرقابة الذاتية على صحفيي باكستان

إعلاميون باكستانيون يقرون بأن سياسة الترهيب والتضييق السائدة في البلاد تجبر الصحافيين على إتباع رقابة ذاتيا خوفا من التتبع القضائي أو المضايقة أو الاختطاف.

كراتشي - كان كثيرون يعتبرون الآلة الإعلامية الباكستانية أصبحت من أنشط الآلات الإعلامية في المنطقة بعد انتهاء الحكم العسكري في 2008 غير أن أكثر من عشرة من العاملين بالصحافة في الصحف والقنوات التلفزيونية يقولون إن الفوضى أصبحت تسود القطاع الآن بسبب الترهيب وضغوط الجيش.

وفي مقابلات منفصلة مع رويترز قال الصحفيون إن حملة تضييق على الإعلام بدأت أثناء الإعداد لانتخابات يوليو تموز الماضي التي فاز فيها رئيس الوزراء عمران خان تحولت إلى رقابة ذاتية واسعة النطاق من جانب الصحفيين خوفا من ردود الفعل إذا انتقدوا خان أو الجيش أو القضاء.

ويقول عدد من المعلقين السياسيين وساسة المعارضة إن خان يحظى بدعم المؤسسة وهو مصطلح يستخدم في باكستان للإشارة إلى كبار قادة الجيش والمخابرات وبعض كبار الموظفين المدنيين والقضاة.

أما منافسه الرئيسي رئيس الوزراء السابق نواز شريف فكان على خلاف مع الجيش.

ومما يزيد من جو الخوف السائد قضية خيانة مرفوعة على الكاتب الصحفي البارز سيريل ألميدا في أعقاب مقابلة أجراها مع شريف ووردت فيها إشارة إلى دور متشددين باكستانيين في هجوم إرهابي على مومباي في العام 2008.

وقال مرتضى سولانجي رئيس مكتب إسلام أباد بقناة كابيتال التلفزيونية المستقلة لرويترز "ثمة ثقافة سكوت. الناس ترفض أن تتحدث عمن وراء ذلك".

وأضاف "الرقابة الذاتية بلغت ذرى جديدة".

ونفت إدارة العلاقات العامة بالجيش الباكستاني وجود ترهيب لوسائل الإعلام وقالت إنها لا تضغط على الصحفيين للتأثير في تغطيتهم للأحداث.

وقالت الإدارة في رد مكتوب على استفسارات عديدة من رويترز عما يصفه الصحفيون بأنه ترهيب ومضايقات من جانب قوات الأمن "إعلامنا مستقل. وليس لإدارة العلاقات العامة أي دور في التحكم فيما تعبر عنه وسائل الإعلام".

عمران خان
عمران خام والجيش خط أحمر

وامتنعت الإدارة عن أي تعليق آخر.

ولم يرد مكتب خان على طلب للتعليق لكنه هزأ خلال حملة الدعاية الانتخابية بما تردد من تقارير عن ترهيب الصحافة.

وقال وزير الإعلام الباكستاني فواد تشودري لرويترز إن مكتبه لم يتلق أي شكاوى من أي من المنافذ الإعلامية.

وأضاف "أعتقد أن من الممكن تشبيه حرية الإعلام الباكستاني بأي إعلام في دول العالم الأول".

وجاء في تقرير نشرته الشهر الماضي لجنة حماية الصحفيين ومقرها الولايات المتحدة أن الجيش الباكستاني يستخدم التخويف والترهيب لخنق وسائل الإعلام وتقويض حرية الصحافة.

وقالت اللجنة في التقرير الذي صدر عقب مقابلات مع صحفيين ورؤساء تحرير ومؤسسات إعلامية في خمس مدن باكستانية في فبراير شباط الماضي "فرض الجيش بكل هدوء وبفاعلية قيودا على التغطية الصحفية من منع الوصول إلى مناطق بعينها ... إلى تشجيع الرقابة الذاتية من خلال وسائل الترهيب المباشرة وغير المباشرة بما في ذلك ... ما تردد عن التحريض على العنف ضد الصحفيين".

ولم يرد الجيش على استفسارات للتعقيب على تقرير اللجنة.

تأثير في القرارات

قال طلعت حسين الصحفي بقناة جيو التلفزيونية أبرز القنوات الإخبارية في باكستان لرويترز "تدور مناقشات داخل المؤسسات عما قد يدفع بالمؤسسة إلى الوقوع في مشكلة وهذه النقاشات في الأساس تؤثر في قراراتك التحريرية".

وأضاف "يمكن أن تتراوح المشكلة من ... إغلاق القناة .. إلى إصابة المؤسسة بالضرر من خلال إبطاء وتيرة تدفق الإعلانات".

وتقوم قضية اتهام الكاتب ألميدا بالخيانة على مقابلة أجراها في مايو أيار الماضي مع شريف أشار فيها رئيس الوزراء السابق من طرف خفي إلى أن باكستان سمحت لمتشددين يعملون على أراضيها بتنفيذ هجمات 2008 في مدينة مومباي الهندية ما أسفر عن مقتل 166 شخصا.

وتنفي باكستان أي دور للدولة في الهجمات التي أصبحت محور تدهور العلاقات مع الهند.

والناشطة الباكستانية جول بخاري
الاختطاف أحد الأسلحة أيضا

ومثل شريف وألميدا الاثنين أمام المحكمة التي ستبت في أمر توجيه الاتهام لهما رسميا. وتأجلت القضية إلى 22 أكتوبر تشرين الأول.

ولم يرد ممثل لشريف على طلب للتعليق.

وامتنع ألميدا وكبار المحررين في صحيفة دون (الفجر) التي يعمل بها عن إجراء مقابلات معهم وقالوا إن محامين نصحوهم بتحاشي التعليق على قضية منظورة أمام القضاء.

اختفاءات

قال الصحفيون الذين تحاورت معهم رويترز إنه رغم ندرة سجن الصحفيين في باكستان فقد أدت عدة حالات من اختطاف الصحفيين إلى نشوء ثقافة الرقابة الذاتية.

وقال عمر قريشي رئيس التحرير السابق للموقع الالكتروني بقناة سماء التلفزيونية "بصفة عامة وسائل الإعلام تتوخى الحرص الشديد فيما لا تنشره أو تناقشه. وإذا نشرت فقد تواجه اضطراب توزيعها أو وضع قناتها على شبكات المشتركين ... وفي بعض الأحيان التعتيم".

وفي يونيو حزيران اختطف مسلحون المعلقة والناشطة الباكستانية جول بخاري التي كثيرا ما تنتقد الجيش وهي في طريقها إلى مقابلة تلفزيونية. وقال سائق للقناة إن رجالا يرتدون زيا عسكريا كانوا موجودين عندما اقتادها رجال يرتدون ملابس مدنية.

وأعيدت بخاري التي تحمل أيضا الجنسية البريطانية إلى بيتها في اليوم التالي بعد الضجة التي ثارت عبر وسائل التواصل الاجتماعي والإعلام الدولي حول اختفائها. وامتنعت عن الخوض في تفاصيل المحنة التي عاشتها لكنها قالت لرويترز إن من الممكن اعتبار اختطافها جزءا من الترهيب قبل الانتخابات العامة.

ونفى الجيش أي دور له في اختطافها.

وفي يناير كانون الثاني قال طه صديقي الصحفي المعروف بانتقاده للجيش للصحفيين إنه تفادى اختطافه بأعجوبة بعد أن أوقف مسلحون السيارة الأجرة التي كان يركبها. وقال إنه صاح طالبا المساعدة عندما مرت سيارة عسكرية لكن أحد المسلحين أشار للسيارة بمواصلة السير.

وقدم صديقي بلاغا إلى الشرطة عن هذا الحادث. ونفى الجيش ضلوعه فيه.