التشيع في المغرب بين المذهبي والسياسي

تعدد مرجعيات الخارج واختلاف المواقف

حصل أن قطعت المغرب علاقاتها مع إيران، بسبب النشاط المحموم في الكسب المذهبي، وبالتالي لوجود كتلة شيعية سياسية تكون طوع الولي الفقيه، وهذا لا يتحقق إلا بوجود مذهبية شيعية مبنية فكرة الولاية، ثم عادت العلاقات بين البلدين بعد الاعتذار الإيراني عما دفع بالمغرب إلى قطع العلاقات، وتعود الآن المغرب مرة أخرى إلى قطع العلاقات، في هذا المقال تفصيل عن الوجود الشيعي في المغرب، بنشاطه الإعلامي والديني.

فمن الناحية التاريخية، خضع المغرب لسيطرة المذهب الشيعي الإسماعيلي مع حكم الدولة الفاطمية، حيث وجدت الدعوة الفاطمية مستقرا لها بمنطقة المغرب بفعل الدعوة وحسن تخطيطها، وكذلك بسبب توالي التحولات العقدية بالمغرب بفعل الحركات المشرقية التي استقرت فيه بعد صراعها مع الخلافة في المشرق، حيث استطاع الفاطميون إسقاط الدولة الإدريسية، وبدؤوا بنشر مذهبهم الإسماعيلي. خلال حكم الفاطميين للمغرب، تؤكد بعض الكتابات التاريخية أنهم عملوا على محاربة المخالفين لهم فكريا، وكان من نتائجها جموع من الضحايا من أهل المغرب. ولعدم طول فترة حكم الفاطميين للمغرب، وعدم قبول الأهالي والعلماء لمذهبهم، لم تترك هذه الحقبة أثرا كبيرا كالذي خلفته مرحلة حكم الدولة الإدريسية الزيدية.

بعد سقوط الفاطميين بالمغرب وصعود الدولة المرابطية المتمسكة بمنهج السلف، تراجع أثر التيارات الشيعية والباطنية، فلم يعد الحديث عن المهدوية أو العصمة أو الإمامة، بل أكثر من ذلك، اعتبر المرابطون وفقهاؤهم المالكيون أن محاربة التيار الشيعي يعد جهادا مؤكدا. وتسجل الكتابات التاريخية أن أمير المرابطين يوسف بن تاشفين فتح بلاد سوس وكان بها طائفة من الشيعة البجليين، فقتلهم المرابطون وتحول منهم من بقي حيا إلى المذهب السني.

العلاقة بآل البيت

تلتقي الثقافة المغربية مع ثقافات شيعية مشرقية في اختيار اسمي الحسن والحسين كأفضل الأسماء التي تطلق على التوأمين، وكذلك يفضل المغاربة إطلاق اسم فاطمة الزهراء على مولوداتهم. بالإضافة لهذا نجد في الأدب والشعر والملحون بالمغرب، كثيرا من الحديث عن مأساة الحسين بصفة عامة. ودائما في إطار رصد مختلف العادات ومظاهر الالتقاء مع الثقافة الشيعية في المشرق، يطلق المغاربة على القوس الذي يظهر في الأفق، بعد نزول المطر ويعكس ألوان الطيف يسميه المغاربة حزام فاطمة الزهراء.

والأبرز من بين هذه المظاهر المذكورة، إحياء ذكرى \"عاشوراء\" في بعض المناطق، حيث يقوم الأطفال بإلباس عظم، معتنى به من الأضحية، كسوة في صورة دمية ثم يخفونه إلى حين يوم العاشر من محرم، فيقومون بدفنه ويجعلون منه طقس ندبة وبكاء، كما أنه عند بعض المناطق بالمغرب يوم حزن لا يطهى فيه طعام ولا يغسل فيه لباس، حيث يتحدث فيه البعض على أنه يوم مقتل ابن النبي محمد. وتنتشر عبارات عامية في سياق إحياء ذكرى عاشوراء وبعدها، مثل \"كربلاء أرض البلاء\".

يسود كذلك في يوم عاشوراء لدى بعض المناطق المغربية، مظاهر إشعال النيران بشكل شبه كبير، يحيل إلى حدث إضرام النار في خيام معسكر الإمام الحسين. كما تقوم بعض من النساء، قبل إحياء ذكرى \"عاشوراء\"، بقص شعورهن وخضابه بالحناء، ووضع الحناء على أيديهن وأرجلهن، كما يضعنها على أيدي الأطفال. بالإضافة إلى طقس تسويد الوجوه، الذي يعبر عن الحزن على الإمام الحسين بن علي الذي قتل يوم عاشوراء. وتقوم بعض النساء بالنواح كعادة في طقوس ذكرى عاشوراء.

عن نمط تعامل الدولة مع المتشيعين ووضعيتهم بالمغرب، ورد في \"التقرير الذي نشره معهد واشنطون لسياسات الشرق الأوسط سنة 2014\" حول \"الحريات الدينية في العالم\" ما يلي: \"تتجه الحكومة المغربية إلى التمييز بين الشيعة الذين اعتنقوا المذهب الشيعي بدافع الشعور بقناعة دينية، وأولئك الشيعة الذين -في نظر الحكومة- يعتنقون هذا المذهب دعماً لقضايا الشيعة الدولية.

نشاط إعلامي

فخلال سنة 2012 تزايد نشاط القنوات الفضائية كحالة قناتين في إسبانيا تروجان للفكر الطائفي، تحمل الأولى اسم \"تي في بريس\" وهي قناة تبث برامجها باللغة الإنجليزية، فيما تحمل الثانية اسم \"هيسبان تي في\" وتبث برامجها باللغة الإسبانية، وتتلقيان دعما مباشراً من طرف حكومة إيران، وتتولى مهمة نشر الفكر الطائفي. وقد قامت إسبانيا وأمريكا اللاتينية تطبيقا لعقوبات دولية على إيران بإغلاق هذه القنوات.

عموما تسهم هذه القنوات بشكل كبير في تشجيع المغاربة على الانفتاح على الشيعة، وتجاوز الخوف الحاصل لديهم من التشيع. وقد ورد في تقرير صادر عن المركز الأمريكي \"بيو للأبحاث\" سنة 2012 حول \"العالم الإسلامي: الوحدة والتنوع\"، أن (50%) من المغاربة لا يعتبرون الشيعة مسلمين. على الرغم من أننا نتحفظ على هذا الرقم وسنحلله في المحور الذي سنخصصه لدراسة الحالة.

أما بخصوص مواقع شبكة الإنترنت والمنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، فتشكل القناة الرئيسة في الدعوى الشيعية واستقطاب المغاربة إلى المذهب الشيعي، وتعد الوسيلة الأكثر تعبيرا عن مختلف الحساسيات المتشيعة في المغرب. فبالإضافة إلى مواقع الدردشة الصوتية الذي يضم غرفة خاصة بمتشيعي المغرب، والتي تمتاز بحدة النقاش، نجد المواقع الإلكترونية وصفحات الفيسبوك التي نشطت بقوة في بداية حراك سنة 2011

كما نسجل أيضا نشاط موقع \"هيئة طنجة\" المعروف بدفاعه عن طروحات الشيعي الكويتي ياسر الحبيب، حيث أصدر الموقع عديد البيانات، كالبيان الذي يطالبون فيه الحكومة المغربية \"بحماية الشيعة المغاربة ببروكسيل\" على خلفيات مقتل عبدالله الدهدوه، كما نسجل أيضا استمرار نشاط موقع \"الخط الرسالي\" الذي يديره عصام احميدان، إذ يشكل هذا الموقع القناة الأساسية التي تعبر عن المواقف الرسمية \"للخط الرسالي\" تجاه الأحداث الوطنية والدولية.

أما بخصوص المقالات في الجرائد الورقية والإلكترونية، فنجد عديد الكتابات خاصة في مواقع إعلامية كـ\"هيسبريس\" و\"مغرس\" وموقع \"الخط الرسالي\" وأغلب هذه الكتابات تعود إلى الشيعة المغاربة، وخاصة كل من عصام احميدان وإدريس هاني.

اقتصر التحرك الشيعي في هذا المجال على الأعمال التي يقوم بها بعض رموز المتشيعين؛ من خلال المقالات والحوارات التي تنشر بين الفنية والأخرى، والتي تسعى إلى التقعيد \"للفكر الشيعي\" بالمغرب. ويمكن تلخيصها في كتابات كل من إدريس هاني، حيث اتجهت كتاباته إلى المجال الفكري والثقافي، إذ اعتبر المغرب بلداً شيعياً من حيث ثقافته وهويته، لأن تاريخه يدل على ذلك، وأعطى مثالاً التعبيرات الاحتفالية بـ\"بعاشوراء\".

ورد في أحد مقالاته المعنون بـ\"التشيع كمكون سوسيو- ثقافي مغربي\" المنشور في \"موقع هيسبريس\" القول التالي: \"إن المغرب في تقديري: سني في النظر، شيعي في العمل، سني في الترسيمة المذهبية، شيعي في التعبير عنها، سني في الصورة، شيعي في الجوهر، سني في المذهب، شيعي في الثقافة، سني في الجغرافيا، شيعي في التاريخ، سني في الأحكام، شيعي في الامتثال، سني في الوعي، شيعي في اللاوعي، سني المدعى، شيعي المتخيّل.

التيار الرسالي

خلال أفراد سابقين في حركة الاختيار الإسلامي، بالإضافة إلى الانفتاح على بعض الأفراد من تيارات فكرية مختلفة كالعدل والإحسان وتيارات اليسار. كانت أولى خرجات التيار الرسالي للعلن من خلال تأسيسه لموقعه الإلكتروني الرسمي يوم 19 يناير (كانون الثاني) 2012 وقد جاءت هذه الخطوة بعد محاولات من أفراد الخط الرسالي في الشرق المغربي ومدينة طنجة، لتأسيس جمعيات تخضع لقانون الحريات العامة، هي جمعية أنوار المودة بطنجة، وجمعية اللقاء الإنساني بالجهة الشرقية، وكذا تم إصدار عددين من جريدة رؤى معاصرة.

ينطلق \"الخط الرسالي\" في أطروحته السياسية والثقافية، من اعتبار الحركة الثقافية مدخلاً لبناء الحركة السياسية، وأن هذه الأخيرة أداة للتغيير. ومن ثم فإن الحركة الثقافية هي المرحلة الأولى والأساس في عملية البناء الرسالي. وإدراكا من الرساليين لطبيعة العلاقة القائمة بين الثقافي والسياسي، فإن التيار الرسالي يرى أنه لا بد من الاشتغال بمنطق الثقافة السياسية، أي مقاربة القضايا السياسية من زاوية ثقافية، وكذلك بطريقة عملية في الميدان عن طريق الاشتغال في المواقع السياسية، بهدف اكتساب التجربة التي تخول لأفراد التيار القدرة على الفعل في عمق المجتمع المدني والسياسي.

في رؤية \"الخط الرسالي\" للمسألة المذهبية والحقوقية بالمغرب، أن الإسلام والمواطنة شكلا مرتكزي التجربة السياسية التاريخية للمغرب، وأن النزعات الدينية والمتطرفة والإقصائية حالة طارئة على المجتمع المغربي، ويجب التصدي لها للحفاظ على التعايش والتسامح الديني بالمغرب، وفي هذا السياق يؤكد التيار الرسالي إيمانه بمبدأ ألا إكراه في الدين، مع ضرورة احترام اللا تدين لغيرهم من المتدينين لصيانة الأخلاق والضمير الجمعي للمجتمع المغربي.

في واقع التشيع بالمغرب حاليا، يرى التيار الرسالي أنه يجب التمييز بين التشيع السياسي والتشيع المذهبي، والتعاطي مع النموذجين مختلفتين: سياسي تتعاطى مع التشيع السياسي، وأخرى ثقافية واجتماعية لنموذج التشيع المذهبي. ويرى الرساليون أن الحل لاندماج شيعة المغرب يقوم على أساس المواطنة لا المذهب، دون اللجوء إلى تأميم المعرفة الدينية، وإلغاء التنوع، وتبني نهج الإقصاء الثقافي والاجتماعي.