التغيير يبدأ من الدم في 'فصيلة الدم C'
كتاب "فصيلة الدم (C)" كتاب جديد للدكتور مهنَّد بن داود بن حمزة العصفور هو خلاصة تجربة مؤلفه في التطوير المؤسسي، والتخطيط والإدارة، ملقيًا الضوء على قصة الشغف التي حرَّكته وهو شابٌّ يافع، وأشعلت شغفه بالتفوق في الحياة والتميز فيها من خلال تحقيق طموحاته في أقصى تجلياتها.
ويأتي عنوان الكتاب الصادر حديثًا عن "الآن ناشرون وموزعون" في الأردن في 64 صفحة من القطع المتوسط، ويضم ثلاثة أبواب ومدخلًا ومقدمة وخاتمة.
يقول مهند العصفور في مدخل الكتاب حول العنوان الذي يتسم بالجدة والطرافة في آن: "ثمَّة شريانٌ خفيٌّ يجري في عروق العُظماء، لا تُحدِّده معايير الطب ولا تقيِّده سلالات الوراثة، ولكن تنبض فيه ذرَّات التحوُّل وتتشكَّل من جزيئاته ملامح التغيير. نحن هنا نشير إلى انتماءٍ حقيقيٍّ إلى جوهر المعنى يشبه تمامًا انتماء الحرف (C) إلى الكلمة التي لا تُبصر إلا بها، وعمومًا فصيلة الدم (C) هي فصيلة قابلة للحقن في وريدك بشكلٍ مباشرٍ دون أي قلق".
ويتابع العصفور في مدخل الكتاب: "نتناول في هذا الكتاب نموذجًا حيًّا لصاحب هذه الفصيلة، وهو الدكتور مهنَّد بن داود بن حمزة العصفور، أوَّل عُماني يحصُل على شهادة مدير تغييرٍ معتمدٍ من مؤسَّسة (Prosci) الأميركية في عام 2013، والذي كان له أثرٌ كبيرٌ في انتشار الفكر الحديث بإدارة التغيير في السلطنة، وهذا ما يعكس إصرار نسل العصفوريين على تصدُّر المراكز الأولى ووضع بصمةٍ فارقةٍ في المجتمع".
وهو إذ ذاك يوضِّح كم كانت تجربته ثرية وجديرة بالتدوين، ويراها رائدة في عالم التغيير، ويحفِّزنا الدكتور مهند العصفور للمضيِّ قدمًا في تحقيق أهدافنا دون الالتفات إلى الظروف أو العراقيل التي تواجه كل إنسان في حياته.
ويحكي لنا العصفور عن قصة الشغف التي تملكته في الباب الأول من الكتاب، إذ بدأت الشرارة الأولى لشغفه مع حضوره برنامج "مدير تغييرٍ معتمدٍ من مؤسسة بروساي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 2013"، والذي كان سببًا في إصراره على استكمال دراسته الأكاديمية وحصوله على درجة الدكتوراة، والتي حصل عليها في العام 2016م، والتي تناولت موضوع "مواءمة التنوُّع الثقافي لوكلاء التغيير وأثره على نجاح إدارة التغيير"، بعمق فلسفي. ويقول مهند العصفور حول ذلك: "ومنذ ذلك الحين وأنا أبحر في عوالم هذا التخصُّص، ساعيًا لفكِّ ألغازه واستكشاف أبعاده، مكرسًا جهودي لتطوير فهمٍ أعمق لأفضل الممارسات وتعزيز تطبيقاتها في الواقع. لم يكن هذا السعي فرديًّا، بل امتدَّ إلى تقديم مساهماتٍ مجتمعيةٍ متعدِّدةٍ، كإنتاج فيديو توعويٍّ على منصَّة "إدلال" العمانية، وتقديم أوراق عملٍ غنيةٍ بالأفكار في مؤتمراتٍ ومنتدياتٍ محليةٍ وإقليميةٍ، حيث يتقاطع الفكر مع التطبيق، وتتلاقى الرؤى لصياغة مستقبلٍ أكثر وعيًا في هذا المجال، فهي رحلةٌ علميةٌ وعمليةٌ مستمرةٌ، باختصار هي رحلة حياة".
وفي الباب الثاني يتحدث مهند العصفور حول مساره المهني، ويحكي قصة ملهمة تثبت كم كان مضطلعًا بالمسؤولية التي اختارها لنفسه وسط عدد من التحديات التي واجهته، إذ وجد نفسه وجهًا لوجه أم السؤال المهم: "إذا لم ينجح المشروع ونتجت عنه آثارٌ سلبيةٌ كبيرةٌ في الوزارة والقطاع ككل، هل أنت مستعدٌّ لتحمل المسؤولية؟".
ويتابع مهند العصفور واصفًا حاله حين واجهه التحدي على مرأى ومسمع من جموع الناس: "لحظة صمتٍ ثقيلةٌ خيَّمت على القاعة. كنتُ أسمع دقات قلبي بوضوحٍ، لكنني أدركت أن هذه اللحظة هي مفترق الطرق بين أن أكون مجرد موظفٍ يعبر دون أثرٍ، أو أن أتحمَّل وِزر القرار وأمضي في طريقٍ لا عودة فيه. نظرتُ إلى الحاضرين، ثم أجبت بثقةٍ تشوبها رهبةٌ:
نعم، سأتحمَّل المسؤولية، لكن النجاح يتطلَّب دعم الجميع لأن التغيير لا يُقاد بجهدٍ فرديٍّ، بل برؤيةٍ جماعيةٍ، ومع ذلك بصفتي مدير المشروع، فإنَّني أتحمَّل المسؤولية كاملةً".
كان هذا الالتزام العلني بمثابة كسرٍ للحواجز، فقد تحوَّل المشروع من مبادرةٍ فرديةٍ إلى مسؤوليةٍ مشتركةٍ، وهنا تجلَّت إحدى فرضيات إدارة التغيير: "المشاركة تصنع الالتزام".
واختار العصفور للباب الثالث عددًا من التجارب الشخصية، وعلى رأسه مشاركته في برنامج "من سيربح المليون"، مع الإعلامي جورج قرداحي، وكذلك تجربته مع سوق السمك، والتي اختار لها عنوان "مدرسة سوق السمك"، والذي يثير به شغف القارئ، والأكثر من ذلك حين يقرأ المشهد بكثير من التأمل والنظرة الفلسفية، فيقول العصفور: "رحلتي مع "مدرسة سوق السمك" شكَّلت لي كنزًا معرفيًّا ضخمًا، فضلًا عن أنها هذَّبت نفسي، إذ لم تكن مُجرَّد تجربةٍ تعليميةٍ عابرةٍ، بل كانت مُغامرةً مليئةً بالمواقف المُلهِمة والدروس القيِّمة التي تركت بصمةً لا تُنسى في مسيرتي. بدأتُ هذه الرحلة قبل سنواتٍ عديدةٍ، عندما قرَّرتُ الانخراط في هذا العالم الفريد، حيث يختلط صخب الحياة اليومية بحكمة التجربة وخبرات السنين في مشهد أعادني إلى البدايات في شاطئ صحم الجميلة حيث ترعرعت بجوار السوق ونداءات الصيادين وأصوات المراكب وأمواج البحر بزرقته الخلابة".
ويختتم العصفور كتابه بإقرار أهمية التغيير في حياة الإنسان قائلًا: "ختامًا فالتغيير ليس مجرد مرحلةٍ، بل هو أسلوب حياةٍ، وكُلٌّ منا يحمل فصيلة دم (C) بطريقته الخاصة، فقط إذا قرَّر أن يكون جزءًا من الحراك لا مجرد مُتفرِّجٍ عليه، وتأكَّد أن رحلة التغيير تبدأ من الداخل، وإذا كان هناك ما يستحقُّ أن نعمل من أجله، فهو أن نُصبح أولئك الذين يصنعون التغيير بدلًا من أن نكون مجرد ضحايا له، فلنحتفل بالتغيير، ولنكن معاول بناءٍ في عالمٍ لا يكتمل إلا بالتحوُّل المستمر. لتكن أنت قائد التغيير الذي تريد أن تراه في عالمك".