التفكير الإبداعي يكبح الضغوط النفسية في رسالة جامعية لمنى لملوم

الدراسة تعزز أهمية استخدام استراتيجيات معرفية وسلوكية متكاملة لمساعدة الطالبات في التعامل مع ضغوطهن الأكاديمية والاجتماعية.

تعتبر المراهقة فترة حرجة من أهم سماتها زيادة الضغوط النفسية، التي تتطلب مستوى عالٍ من الأداء الأكاديمي. حيث يشعر الطلاب المتفوقون – في بعض مراحل التعليم في مصر - بقلق مستمر بشأن مستقبلهم الأكاديمي والمهني، ويعتبر التفكير في القبول الجامعي والخيارات المهنية مصدرًا كبيرًا للضغط النفسي. تشمل هذه الضغوط تحديات مثل المنافسة الشديدة، ضغوط الامتحانات، والواجبات المنزلية المكثفة، بالإضافة إلى الضغوط المرتبطة بالتحضير للامتحانات النهائية والقبول الجامعي، والتي تبدأ في الظهور بشكل ملحوظ لدى طالبات الصف الحادي عشر (الثاني الثانوي). كما تشمل الضغوط الاجتماعية الناتجة عن التفاعل مع الأقران والمشاكل العاطفية، مثل الضغط الناتج عن العلاقات مع المعلمين أو المظهر الشخصي." على الرغم من أن الضغوط في الصف الثاني عشر (الثالث الثانوي) تكون أكبر بسبب أن السنة التي يتحدد بناء عليها دراستهم الجامعية، ذلك لأن الصف الحادي عشر يعتبر مرحلة انتقالية حيث تبدأ الطالبات في استيعاب حجم المسؤوليات المستقبلية، مما يجعلها فترة مثالية لدراسة تأثير الضغوط النفسية وتقييم فعالية برامج التدخل قبل أن تصل الضغوط إلى ذروتها في الصف الثاني عشر. خاصة وأنه قد تؤدي هذه الضغوط إلى مشكلات صحية ونفسية مثل الاكتئاب والقلق، بالإضافة إلى تأثيراتها السلبية أيضا على التحصيل الدراسي.

وتشير الأدلة إلى أن التفكير الإبداعي يمكن أن يكون أحد الأدوات الفعالة في مواجهة الضغوط النفسية، إذ يعزز من قدرة الطلاب على التفكير بطرق مبتكرة وحل المشكلات بطرق غير تقليدية، مما يقلل من شعورهم بالضغط الأكاديمي.

وتساءلت الباحثة الأكاديمية منى لملوم مطاوع عن تأثير البرنامج التدريبي القائم على التفكير الإبداعي في خفض مستوى الضغوط النفسية لدى المجموعة التجريبية مقارنة بالمجموعة الضابطة في القياس البعدي؟ وتأثير البرنامج التدريبي القائم على التفكير الإبداعي في خفض مستوى الضغوط النفسية لدى المجموعة التجريبية بين القياسين القبلي والبعدي؟ وهل يستمر تأثير البرنامج التدريبي القائم على التفكير الإبداعي في خفض مستوى الضغوط النفسية لدى المجموعة التجريبية في القياس التتبعي؟ وهل يحدث تغير في مستوى الضغوط النفسية لدى المجموعة الضابطة بين القياسين القبلي والبعدي؟

وعلى ذلك نهض بحثها الأكاديمي عن فعالية برنامج قائم على التفكير الإبداعي لخفض مستوى الضغوط النفسية لدى عينة من طالبات مدارس STEM للعلوم والتكنولوجيا في مصر. ويهدف هذا البحث أو هذه الدراسة إلى التحقق من مدى استمرارية فاعلية برنامج قائم على التفكير الإبداعي في خفض مستوى الضغوط النفسية لدى عينة من الطالبات هذه المدارس.

وتأتي أهمية الدراسة نظريًّا في أنها قد تسهم في الإضافة إلى الأدبيات النفسية والتربوية من خلال تقديم دليل علمي حول مدى فعالية برنامج تدريبي قائم على التفكير الإبداعي في خفض مستوى الضغوط النفسية لدى الطالبات المتفوقات في السياق التربوي والنفسي، كما تقدم الدراسة أداة جديدة لقياس الضغوط النفسية صممتها الباحثة، مما يعزز من دقة القياس على عينة الطالبات المتفوقات المقيمات بالمدارس. كما تُعد هذه الدراسة إضافة مهمة للمكتبة العربية، حيث تجمع بين التفكير الإبداعي والضغوط النفسية كمتغيرين في سياق تجريبي، وهو ما يمثل ندرة في التناول في البحث العلمي خاصة على عينة الدراسة، وهو ما يفتح آفاقًا جديدة للبحث في تطبيق هذه الأساليب في البيئات التعليمية المتخصصة.

أما الأهمية التطبيقية لتلك الدراسة فتكمن في إعداد برنامج تدريبي قائم على التفكير الإبداعي يهدف إلى خفض الضغوط النفسية لدى الطالبات، مما يعزز من رفاههن الأكاديمي والنفسي. وإذا أثبت البرنامج فعاليته، فيمكن تعميمه على مستوى واسع، مما يسهم في تحسين البيئة التعليمية والداعمة لهذه الفئة المتميزة.

وقد تسهم النتائج في توجيه المعلمين والموجهين الأكاديميين لتطبيق برامج تدريبية مشابهة تساعد في تخفيف الضغوط النفسية على الطلبة المتفوقين.

وتقدم الدراسة أدوات عملية للمعلمين والأخصائيين النفسيين لتقييم الضغوط النفسية لدى الطالبات بشكل علمي ودقيق.

وتقول الباحثة منى لملوم أن عينة دراستها الأساسية بلغ عدد أفرادها 20 طالبة من طالبات الفرقة الثانية من طالبات المدرسة STEM  للعلوم والتكنولوجيا، والذين تتراوح أعمارهن بين 16-17 سنة، وتم تقسيم العينة إلى مجموعة ضابطة من 10 طالبات، مجموعة تجريبية من 10 طالبات.

أما الأدوات التي استخدمتها الباحثة فهي عبارة عن: استمارة المستوى الاجتماعي / الاقتصادي (إعداد/ عبد العزيز الشخص 1995)، ومقياس تورانس للتفكير الإبداعي شكلي صورة ب، لفظي صورة أ (تأليف/ بول تورانس ترجمة محمد أحمد محمود خطاب 2018)،  ومقياس الضغوط النفسية للطالبات المتفوقات بالمرحلة الثانوية (إعداد الباحثة).

وأظهرت نتائج الدراسة فاعلية البرنامج التدريبي في خفض الضغوط النفسية للطالبات المتفوقات بالمرحلة الثانوية، حيث حقَّق تحسنًا واضحًا في جميع أبعاد الضغوط النفسية، واستمر هذا التحسن حتى بعد شهرين من انتهاء التدريبات، مما يشير إلى أن تأثير البرنامج لم يكن لحظيًّا بل امتد ليحقق استدامة في النتائج. يعكس هذا النجاح مدى ملاءمة الاستراتيجيات المستخدمة لطبيعة الضغوط التي تواجهها الطالبات، حيث لم يعتمد البرنامج على نهج معرفي منفصل، بل جمع بين استراتيجيات معرفية، وسلوكية، وانفعالية متكاملة، مما ساعد في إحداث تغيير أعمق وأكثر استدامة.

إن هذا البرنامج يتميز بدمجه بين عدة استراتيجيات وأساليب تدريبية في إطار واحد، حيث لم يقتصر على التقبل والالتزام أو اليقظة العقلية أو التفكير الإبداعي كل منها على حدة، بل جمع بينها جميعًا داخل منظومة متكاملة، مما عزَّز من فاعليته في خفض الضغوط النفسية مقارنة بالبرامج التي ركزت على استراتيجية واحدة فقط. كما استند البرنامج إلى أسس نظرية متنوعة، مثل التعلم المعرفي لباندورا، والتكيف المعرفي لتايلور، والتنظيم الذاتي، مما جعله أكثر شمولية في استهداف العوامل المختلفة التي تؤثر على استجابة الطالبات للضغوط النفسية.

لملوم
نتائج قد تسهم في توجيه المعلمين والموجهين الأكاديميين لتطبيق برامج تدريبية مشابهة

ومن بين أهم النقاط التي تميز هذه الدراسة هو تركيزها على استمرارية الأثر، حيث أشارت النتائج إلى أن الطالبات واصلن الاستفادة من التدريبات حتى بعد انتهاء البرنامج. ويرجع ذلك إلى سهولة دمج التمارين المقدمة داخل البرنامج في الروتين اليومي للطالبات، مثل تقنيات اليقظة العقلية وتمارين التقبل والالتزام، والتي أصبحت جزءًا من استراتيجياتهن الشخصية في التعامل مع الضغوط. لم تتطرق العديد من الدراسات السابقة إلى متابعة استدامة التأثير بعد انتهاء البرامج التدريبية، مما يجعل هذه الدراسة تقدم إضافة علمية جديدة في هذا المجال.

إضافةً إلى ذلك، فإن تصميم البرنامج لم يقتصر على تقديم استراتيجيات معرفية فقط، بل تضمن أنشطة تطبيقية وتفاعلية مثل الدراما ثيرابي وتمثيل الأدوار، مما أتاح للطالبات فرصة تجربة المواقف الضاغطة في بيئة آمنة وتعلم أساليب تكيف أكثر فاعلية. كما أن التحليل النفسي للطالبات بناءً على ما تخيلنه في تمارين سكامبر وفر لهن فهمًا أعمق لأفكارهن ومشاعرهن، مما عزز من قدرتهن على إدارة هذه المشاعر بطريقة أكثر تكيفًا.

وبشكل عام، يمكن القول إن نتائج هذه الدراسة تسلط الضوء على أهمية التدخلات النفسية التي تجمع بين استراتيجيات معرفية وسلوكية متنوعة في خفض الضغوط النفسية، خاصة لدى الطالبات المتفوقات اللواتي يواجهن مستويات مرتفعة من التوقعات الأكاديمية. كما تعكس الحاجة إلى تصميم برامج تدريبية لا تقتصر على تقديم الدعم المؤقت، بل تركز على تعزيز استراتيجيات مستدامة لمواجهة الضغوط، وهو ما تحقق من خلال البرنامج الحالي.

وقد أوصت دراسة الباحثة منى لملوم بتطوير وتحديث البرامج التدريبية القائمة على التفكير الإبداعي بشكل مستمر. فمن المهم توسيع هذه البرامج لتشمل تمارين وأدوات إضافية تعزز مهارات التفكير الإبداعي لدى الطالبات، مع مراعاة اختلاف أنماط التعلم والفروق الفردية بين المشاركين. وتعزيز التعاون المستمر بين الباحثين وإدارات المدارس لتسهيل تنفيذ البرامج التدريبية؛ من أجل تحسين بيئة الدعم النفسي من خلال تشجيع الإدارات المدرسية على تبني برامج مبتكرة لدعم الصحة النفسية للطلاب. وتعميم وسائل التحفيز لتعزيز الالتزام بالبرامج التدريبية، حيث أظهرت الدراسة فعالية الحوافز الأكاديمية والاجتماعية في تعزيز التزام الطالبات بالبرنامج التدريبي. حيث ستشجع تلك الوسائل الطالبات على المشاركة الفعّالة في الأنشطة التدريبية. مع إضفاء طابع مرن على توقيت الجلسات التدريبية التي تعرض الطالبات لضغوط زمنية بسبب التزاماتهن الدراسية. ويمكن تقديم الجلسات بشكل هجين (يجمع بين الجلسات الحية والافتراضية) أو تحديد مواعيد بديلة بحيث لا تتعارض مع مواعيد الدراسة أو الأنشطة المدرسية المكثفة.

بالإضافة إلى تطبيق آليات تقييم مستمرة لقياس مستوى تقدم الطالبات في كل مرحلة من مراحل التدريب، مع ضرورة إجراء تقييمات طويلة الأمد بعد انتهاء فترة التدريب وبعد إجراء القياسات البعدية والتتبعية وذلك لقياس الاستدامة الفعلية للبرنامج. التقييم طويل الأمد يساعد في فهم مدى تأثير البرنامج على الطالبات بعد فترة من الزمن، وكذلك التأكد من استمرار تطبيقهن لما تعلموه. توسيع نطاق تطبيق البرنامج ليشمل مدارس أخرى داخل النظام التعليمي المصري، مثل المدارس الحكومية والخاصة التي تضم فئات من الطالبات المتفوقات، لمعرفة مدى توافق نتائجه مع بيئات تعليمية مختلفة. ودمج بعض استراتيجيات البرنامج داخل الأنشطة الصفية والمناهج الدراسية، بحيث لا تقتصر هذه التدريبات على جلسات مستقلة، بل تصبح جزءًا من العملية التعليمية. يمكن للمعلمين استخدام تمارين اليقظة العقلية أو استراتيجيات التقبل والالتزام داخل الفصول الدراسية، مما يسهم في توفير بيئة تعليمية أكثر دعمًا للصحة النفسية للطالبات، ويجعل تأثير البرنامج أكثر استدامة.

وإنشاء برامج متابعة دورية بعد انتهاء البرنامج التدريبي، لضمان استمرار تأثير التدريبات على المدى البعيد. يمكن أن تشمل هذه المتابعة جلسات مراجعة شهرية أو تكليف الطالبات بمتابعة بعض التمارين بصفة دورية، مما يساعدهن على ترسيخ ما تعلمنه من استراتيجيات في حياتهن اليومية. وتعزيز دور أولياء الأمور والمعلمين في دعم هذه الاستراتيجيات داخل البيئة المدرسية والمنزلية، من خلال تقديم ورش عمل أو توفير مواد إرشادية تسلط الضوء على كيفية مساعدة الطالبات في تطبيق مهارات إدارة الضغوط النفسية بشكل عملي في حياتهن اليومية. سيسهم ذلك في توفير بيئة داعمة أكثر شمولية، مما يعزز استفادة الطالبات من البرنامج التدريبي على المدى الطويل.

يذكر أن هذه الدراسة نُفذت تحت إشراف أ. د. جمال شفيق أحمد أستاذ علم النفس الإكلينيكي بكلية الدراسات العليا للطفولة جامعة عين شمس، أمين لجنة قطاع الطفولة بالمجلس الأعلى للجامعات.

ونوقشت الدراسة التي تحولت إلى رسالة جامعية لنيل درجة الدكتوراه من خلال لجنة تكونت من  أ.د/ جمال شفيق أحمد أستاذ علم النفس الإكلينيكي بكلية الدراسات العليا للطفولة - جامعة عين شمس، وأ. د. أمل محمد حسونة أستاذ متفرغ علم نفس الطفل (صحة نفسية) كلية التربية للطفولة المبكرة - مدينة السادات، وأ. م. د. هدى جمال محمد أستاذ علم النفس الإكلينيكي ورئيس قسم الدراسات النفسية للأطفال كلية الدراسات العليا للطفولة – جامعة عين شمس.