التلفزيون التونسي يعدل دفّته في تغطية الحدث بعد إقالة مديره

قيس سيعد يصدر قرار يقضي بإقالة مدير التلفزيون الوطني بعد جدل حول منع أحد أعضاء نقابة الصحافيين وناشطا حقوقيا من دخول مبنى التلفزيون للمشاركة في برنامج حواري.

تونس- لمس التونسيون بعد حوالي ثلاثة أيام من إقالة الرئيس قيس سعيد للحكومة وتجميد عمل البرلمان وما أعقب ذلك من تغيرات، خطابا مختلفا في إعلامهم الرسمي، الذي غاب في البداية عن تقديم تغطية لتليق بالحدث، واتهم بالولاء لبعض الأطراف السياسية. وبرر المتابعون هذا التغيير بإقالة سعيّد للمدير العام للتلفزيون الوطني محمد لسعد الداهش.

وأفادت الرئاسة التونسية، في بيان، بأن الرئيس التونسي أصدر أمرا رئاسيا يقضي بإعفاء الداهش، من مهامه مديرا عاما للتلفزيون الوطني. وكلف الإعلامية عواطف الدالي بتسيير مؤسسة التلفزيون مؤقتا، والتي سبق أن شغلت هذا المنصب لفترة مؤقتة أيضا.

جاء قرار الإقالة بعد ساعات قليلة من جدل أثاره خبر منع نائب رئيس نقابة الصحافيين التونسيين أميرة محمد ونائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي من دخول مبنى التلفزيون الرسمي للمشاركة في حوار حول الأحداث في تونس.

تردد في البداية أن الجيش منع محمد والطريفي من دخول المبنى. وقال الطريفي في تصريح للتلفزيون الرسمي، إن مدير عام التلفزيون لسعد الداهش، أكد له أن "عميدا من الجيش التونسي أخبره بأنه تمّ منع استقبال الضيوف في البرامج الحوارية، بناء عل تعليمات من الرئاسة".

وسرعان ما دارت ماكينة الإسلاميين على مواقع التواصل الاجتماعي منددة ببدء عهد "قمع الحريات والسيطرة على الإعلام"، في خبر انتشر بسرعة بين وسائل الإعلام التونسية الحاصة، بمختلف توجهاتها،  ليتبين لاحقا أن قرار المنع لم يصدر عن الرئاسة ولا وزارة الدفاع قرار مماثل بخصوص أي من ضيوف التلفزيون الرسمي.

وفي ردّ سريع، تدخل كل من وليد الحجام، الملحق برئاسة الجمهورية والناطق الرسمي باسم وزارة الدفاع على المباشر، لنفي أصدار أية تعليمات بخصوص منع الضيوف من دخول مقر التلفزيون والمشاركة في برامج حوارية.

كما نقلت وكالة الأنباء الرسمية (وات) عن الناطق باسم وزارة الدفاع، المقدم محمد زكري، أن “لا صحة للمعلومات التي تم تداولها بخصوص إقدام مسؤول عسكري على منع زوار من دخول المؤسسة للمشاركة في برنامج حواري”. وتم بثّ البرنامج الذي انطلق بعد ساعة من توقيته المحدد بمشاركة ضيفيه أميرة محمد وجانب بسام الطريفي.

وجاءت هذه الحادثة لتكون بمثابة النقطة التي أفاضت كأس العاملين في مؤسسة التلفزيون والإذاعة، الذين كثيرا ما اشتكوا من ممارسات المدير العام، خاصة بعد الانتقادات الأخيرة، حيث كان لافتا تعمّد مؤسستي الإعلام الوطني تجاهل ما يحدث في البلاد من تطورات سياسية، فلم تتم تغطية احتجاجات 25 يوليو بالشكل المناسب. طالبت هذه الاحتجاجات بإسقاط المنظومة الحاكمة بكاملها، كما اتهمت المعارضة بـ"الفشل"، في ظل أزمات سياسية واقتصادية وصحية.

على وقع هذه الاحتجاجات اجتمع سعيد مع قيادات عسكرية وأمنية، ليعلن بعد ساعات قليلة، إقالة رئيس الحكومة هشام المشيشي، على أن يتولى هو بنفسه السلطة التنفيذية بمعاونة حكومة يعين رئيسها، وتجميد اختصاصات البرلمان لمدة 30 يوما، ورفع الحصانة عن النواب، وترؤسه النيابة العامة.

وبوتيرة متسارعة ومكثفة، أنهى سعيد مهام عدد كبير من المسؤولين، منهم في مؤسسات حكومية ووزارات سيادية ومناصب قضائية.

لكن، وبينما كانت وسائل الإعلام العالمية تضج أخبارا ومتابعات على ما يجري في تونس لحظة بلحظة اكتف التلفزيون الوطني بعرض صور متحركة وإعادة لمسلسلات قديمة. وبالمثل لم تولي الإذاعة الوطنية، المسموعة على نطاق واسع في البلاد، اهتماما يليق بالمتغيرات التي تشهدها البلاد.

وحمّلت نقابة أعوان التلفزيون التونسي في بيان لها  مسؤولية عرقلة السير العادي للمؤسسة للرئيس المدير العام (المقال) لسعد الداهش. وقالت إن الأخير "أعطى تعليمات مشبوهة قد تؤدي إلى ما لا يحمد عقباه من توتر داخل المؤسسة".

ودعت الجامعة العامة للإعلام، في بيان لها، رئاسة مؤسسة التلفزيون التونسية إلى “توضيح الغموض الحاصل، وتحمل المسؤولية” في ما اعتبرته “مغالطات وتصريحات وقع تكذيبها من الجميع”.

وردا على هجمات الإعلام المضاد، التي سعت لاستغلال هذه الحادثة للتخويف من مصير حرية الإعلام في تونس،  أكد هشام السنوسي عضو الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري، لإذاعة موزاييك الخاصة، أن رئاسة الجمهورية اتصلت بالهيئة وأعلمتها بخطورة ما وقع من منع لضيوف من دخول مقر التلفزيون، ونسقت معها قرار إعفاء لسعد الداهش من منصبه.

وأضاف السنوسي أن الرئاسة أعلمتهم قبل عملية الإعفاء بهذا القرار، وبأنه سيتم تعيين مدير بالنيابة مؤقتا في انتظار تعيين مدير عام بعد تعيين رئيس حكومة وأخذ الرأي المطابق.

على خلفية التغييرات الأخيرة يتطلع الكثير من التونسيين إلى أن يستعيد الإعلام الرسمي بعضا من بريقه ومكانته وأن يكون الواجهة المضادة لما يعرضه الإعلام الخاص ويحقق التوازن مع البرامج الإعلامي في القنوات والإذاعات الخاصة التي يحمل أغلبها  أجندات تتبع مموليها وإن سعت إلى رفع شعار الحياد.

الجيش يؤكد أن علاقته بالتلفزيون لا تتجاوز حماية المبنى وتأمينه
الجيش يؤكد أن علاقته بالتلفزيون لا تتجاوز حماية المبنى وتأمينه