التمديد لمفتي لبنان يثير خلافات في دار الافتاء

منابر لبنانية بعضها مقرب من حزب الله، تتهم المفتي دريان بالسعي لإحكام قبضته على دار الإفتاء وإقصاء المعارضين في المؤسسات التابعة لها بعدما قرّر منع المشايخ والخطباء من الإدلاء بمواقف سياسيّة.

بيروت – منع المفتي اللبناني الشيخ عبد اللطيف دريان أي تصريح من دون إذنٍ مسبق لكل من له صفة دينية، فيما احتدم السجال حول مدى صحة هذا القرار واتهام بعض المشايخ بالخروج عن الخط الذي يسير عليه المفتي، في محاولة لتسجيل حضور في الساحة السياسية من باب الصفة الدينية لاسيما مع معارضة البعض للتمديد للمفتي، في هذه المرحلة التي تمثل أسوأ فترة سياسية بالنسبة للسُنَّة في لبنان بسبب الافتقار إلى القيادة.

واتهمت بعض المنابر اللبنانية لاسيما المقربة من حزب الله، المفتي دريان بأنه يسعى لإحكام القبضة الحديدية وإقصاء المعارضين في المؤسسات التابعة لدار الفتوى. بعدما قرّر منع المشايخ والخطباء من الإدلاء بمواقف سياسيّة بعد اعتراض حزبَي القوات اللبنانية والكتائب.

وأصدر المكتب الإعلامي في دار الفتوى بيانا قال فيه "بناء لتوجيهات مفتي الجمهورية اللبنانية يمنع منعاً باتاً الإدلاء بتصريحات أو مواقف وآراء سياسية لجميع العاملين في الجهاز الديني والمؤسسات التابعة لدار الفتوى دون اخذ الإذن الخطي المسبق من المديرية العامة للأوقاف الإسلامية والإدارات المعنية المختصة".

وتابع "ان مفتي الجمهورية ودار الفتوى لا تتبنى أي رأي سياسي لا يصدر عنها مباشرة وترفض أي موقف يؤدي الى الفتنة أو الخلاف بين اللبنانيين، وأن المصلحة الإسلامية العليا والوحدة الوطنية والعيش المشترك هما الأساس في التوجه العام لدار الفتوى ومؤسساتها والعاملين فيها ودورها الأساسي هو الحفاظ على رسالة الإسلام السمحة والمصلحة الوطنية العامة".
واعتبر متابعون أن البيان يتعلق بالعديد من المشايخ ومنهم  مساعد المفتش العام في دار الفتوى الشيخ حسن مرعب الذي ذهب بعيداً في تصريحاته من دون إذنٍ من الدار الأم التي ينتمي إليها، متحدثا باسم أهل السنّة حيناً وباسم الدار أحياناً، حتى بلغت الأمور حدّ إصدار مفتي الجمهورية هذا القرار.

اتهامات للمفتي دريان بإحكام القبضة الحديدية وإقصاء المعارضين في المؤسسات الدينية، بينما جرى التمديد له خوفاً من الفراغ في المركز الديني الأول للطائفة السُنّية.

من جهة أخرى قدم القاضيان الشرعيان عبد العزيز الشافعي وهمام الشعار إلى مجلس شورى الدولة طعناً في قرار "المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى" التمديد لدريان، ليصدر بيان عن قضاة الشرع الشريف لدى المحاكم السنية، قائلا بأنّ "ما فعلاه يُعتبر خروجاً على الإجماع الحاصل لدى جميع المراجع الزمنية والدينيّة في الطائفة السنيّة"، و"أن التذرّع بتصحيح مسارات المؤسسات الدينية لا يتم إلا من خلال كلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ومن أشخاص صادقين ومخلصين ومأمونين ليس في سجلّهم الوظيفي ولا في سمعتهم المسلكية ما يسيء إلى منهج الاعتدال والوسطية، وليس ممن يتخذون شعار الغاية تبرّر الوسيلة"، مشدّداً على "أننا لا نسمح بكسر هيبة المفتي ولا إرادة الإجماع السني على تجديد الثقة به.

وجرى التمديد لمفتي الجمهورية دريان خوفاً من الفراغ في المركز الديني الأول للطائفة السُنّية ومنعاً لوصول مفتٍ جديد لا يحظى بالتوافق السياسي اللبناني.

وفي التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي، مدّد "المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى" خمس سنوات ولاية دريان، التي كان يفترض أن تنتهي بعد نحو سنة ونصف السنة مع بلوغه السن القانونية (73 عاماً)، ما سيسمح له بالبقاء في منصبه حتى عام 2028، مع أنّ دار الفتوى سبق وأعلنت قبل الجلسة أنّ المفتي دريان يرفض "رفضاً قاطعاً أن يطرح في جلسة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى من خارج جدول الأعمال مشروع اقتراح تعديل المادة السادسة من المرسوم الاشتراعي لتمديد ولايته لمرة واحدة، لحين بلوغه سن السادسة والسبعين".

لكن المجلس وفي بداية الجلسة ومن خارج جدول الأعمال، أصر بإجماع حضوره على طرح موضوع تعديل المادة السادسة من المرسوم 18 لعام 1955 المتعلقة بتعديل ولاية مفتي الجمهورية اللبنانية، وكذلك تعديل المادة الرابعة من القرار 50 لعام 1996 المتعلقة بمدة ولاية مفتيّ المناطق" وكان التعديل موضع جدل في ضوء ما رآه البعض تجاوزات قانونية استند إليها قرارا التمديد لمفتي الجمهورية ولمفتي المناطق.

وذهبت التكهنات إلى أن التمديد لم يكن هو الهدف بعينه، بقدر ما كان المطلوب توفير حالة من الثبات والاستقرار في قيادة المؤسسة الدينية، التي من المفترض أن تقوم بأعباء الطائفة السنية على المستوى الروحي والسياسي والاجتماعي في هذه الظروف الصعبة التي يمر فيها لبنان، والتي تفاقمت تداعياتها على أهل السنّة ومناطقهم.  بينما يتساءل البعض الآخر عن الإنجازات التي حققها المفتي دريان في السنوات التسع الماضية، سواء على مستوى دار الإفتاء، أو في الأوقاف، أو حتى في ضبط التعليم الديني، حيث يتخرج سنوياً المئات من المشايخ الشباب، دون حسيب أو رقيب على المناهج، أو جدية الامتحانات.

في المقابل يقول المؤيدون للمفتي أنه قام بتحركات نشطة ودعوات على الساحة السياسية السنية خلال الفترة الأخيرة للمصلحة الوطنية، اذ دعا الى اجتماع بين النواب السنة جميعاً من أجل الطائفة والوطن، وحافظ على جميع مؤسسات دار الفتوى خلال الظروف الصعبة وأثبتت نجاحها وفاعليتها وتفاعلها مع المجتمع. في ظل مجلس نيابي هجين وضعف في تمثيل الطائفة السنية.
واعتبروا أن بقاءه يشكل ضمانة كبرى للمسلمين السنة، وتمديد الوقت عامل جيد في سبيل متابعة المسيرة التي سلكها منذ توليه المسؤولية، والهيئة الناخبة للمجلس الشرعي هي التي تمدد للمفتي، والمجلس الشرعي يشرّع أمور الطائفة السنية وهو مجلس نواب مصغر لها ويحق له أن يعدل ما يراه مناسباً.