التوترات في لبنان وإيران تعمق جراح الاقتصاد السوري

الليرة السورية تتعرض لموجة انهيار جديدة متأثرة بالأزمة في لبنان ومأزق إيران الناجم عن عقوبات أميركية وتفاقم التوترات مع واشنطن.
الليرة السورية تدفع ثمن التوترات في لبنان وإيران
ارتباط الاقتصادين السوري واللبناني يعرضهما لهزات شديدة كلما حدثت أزمة
الليرة السورية تتهاوى مع انحسار التمويل الإيراني وقيود المصارف اللبنانية

دمشق - تتعرض الليرة السورية في الأيام الأخيرة لموجة انهيار جديدة متأثرة بالتوترات في لبنان وإيران مع تراجع مصادر الحصول على نقد أجنبي يحمي أسواق الصرف في البلاد من انتعاش الأسواق الموازية (السوداء).

وشكلت تحويلات السوريين المقيمين في لبنان وتعاملات التجار السوريين في السابق مصدرا حيوا للنقد الأجنبي في سوريا، إلا أن الاضطرابات الأخيرة التي تشهدها الدولة الجارة على وقع حراك شعبي متواصل أربك البنوك اللبنانية ودفع المصارف لفرض قيود على السحب والتحويلات بالدولار.

ويقول محللون إن الأحداث في كل من لبنان وإيران فاقمت من أزمة الليرة السورية وبالتالي من الأزمة المالية التي يواجهها النظام والذي سخر معظم المقدرات لتمويل الحرب على الفصائل السورية المعارضة.

وكان إيران من ممولي النظام السوري وإحدى المنافذ الحيوية التي خففت عليه وطأة الأزمة الاقتصادية سواء عبر الدعم المالي المباشر أو عبر تزويد السوق السورية بالوقود والسلع الأساسية، لكن العقوبات الأميركية دفعت طهران إلى حافة انهيار اقتصادي أجبرها على تجميد تمويل النظام السوري ووكلائها في المنطقة.

وفقدت الليرة السورية ثلث قيمتها مقابل الدولار منذ مطلع العام الحالي، حيث انخفضت قيمتها مقابل الدولار خلال أسبوعين من 900 ليرة إلى 1200 في السوق السوداء مسجلة رقما قياسيا في قيمة الانخفاض.

وبعد وصول سعر الصرف إلى 1200 ليرة لكل دولار، تكون العملة الأميركية قد صعدت مقابل العملة السورية بنحو 25 ضعفا منذ بدء الثورة السورية في مارس/آذار 2011  حيث كان سعر صرف الدولار  49 ليرة.

وقال جاسم عجاقة الخبير الاقتصادي والأستاذ في الجامعة اللبنانية، إن تراجع الليرة السورية هو نتاج طبيعي للأزمة التي تعصف بسوريا منذ 2011 وحتى اليوم وما نتج عنها من تدمير لمكونات ومقومات الاقتصادي السوري إضافة إلى العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا.

وأوضح أن "كل هذه العوامل تؤثر سلبا على الليرة السورية وتدفعها إلى التراجع ولا يخفى على أحد الترابط العضوي بين الاقتصادين السوري واللبناني" حيث تتأثر سوريا بالاضطرابات في الدولة الجارة.

وقال إن شح الدولار في الأسواق اللبنانية، أثّر بشكل مباشر على الليرة السورية وخفض من قيمتها مقابل الدولار.

وكان للمضاربة من قبل بعض شركات الصرافة ومافيات العملات تأثير سلبي وهذا ما دفع المركزي السوري إلى إقفال عشرات مكاتب الصرافة.

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أنه كلما تأزم الوضع في لبنان سيكون له تداعيات على الليرة السورية، مضيفا أن التاريخ أثبت أن التأثير الاقتصادي بين لبنان وسوريا كبير، فعند وقوع الأزمة السورية تراجع الوضع الاقتصادي في لبنان وكذلك الأمر عند بدء الأزمة الاقتصادية الحالية في سبتمبر/أيلول الماضي، تأثر الاقتصاد السوري.

وقال الخبير الاقتصادي محمد العون، إن الليرة الضعيفة هي نتاج سنوات الحرب والاضطرابات الإقليمية والاقتصاد الهش الذي روافده داعمة لعملة قوية.

وأضاف أنه بغياب الرقابة وشح العملة في البنوك المحلية، تجد تفاوتا كبيرا بين السعر الرسمي والسوق السوداء للعملات الأجنبية.

وأكد أن التراجع الكبير في الأسابيع الأخيرة، يعود بشكل رئيس إلى استمرار العقوبات الاقتصادية ضد إيران وتصاعد التوترات الجيوسياسية بين واشنطن وطهران بعد مقتل قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني، مما زاد المخاوف من اشتعال حرب مع الحليف الأبرز للنظام السوري.

كما أشار إلى أن الاضطرابات السياسية في لبنان وتأثرها اقتصاديا وإغلاق البنوك هناك، أثر بنحو ملموس على توفير العملة في سوريا.

وفي محاولة بائسة للسيطرة على الوضع، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد خلال الأسبوع الحالي مرسوما تشريعيا يشدد العقوبة على كل من يتعامل بغير الليرة السورية كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية سواء كان ذلك بالقطع الأجنبية أم المعادن الثمينة.

وحسب المرسوم الرئاسي، تم تعديل المادة الثانية من المرسوم التشريعي رقم 54 لعام 2013، بتغليظ العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن 7 سنوات وغرامة مالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد أو الخدمات أو السلع المعروضة.

وجاء في المرسوم أيضا "في حال كان المبلغ المتعامل به 5 آلاف دولار فأكثر أو ما يعادله من العملات الأجنبية الأخرى أو المعادن الثمينة، كانت العقوبة الأشغال الشاقة المؤقتة من 3 إلى 10 سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات أو المبلغ المتعامل به أو المسدد على ألا تقل عن مليون ليرة سورية".

وكانت العقوبة في السابق الحبس من 6 أشهر إلى 3 سنوات والغرامة المالية بما يعادل مثلي قيمة المدفوعات على أن لا تقل عن 100 ألف ليرة سورية أو بإحدى هاتين العقوبتين.

وقال عبدالرحمن مصطفى السياسي التركماني من أصل تركي والذي يشغل منصب رئيس ما يسمى بالحكومة السورية المؤقتة، إن تراجع الليرة أمر طبيعي في ظل الظروف التي يمر بها النظام الحالي.

واعتبر أن الاقتصاد المحلي يواجه رزمة ضغوطات سابقة تتمثل في "ارتفاع الدين العام وتجميد أرصدة البنك المركزي وانهيار كافة المؤشرات التنموية وانخفاض الناتج المحلي بينما خرجت معظم ثروات البلد من سيطرته".

وتابع "التجار بدورهم عاجزون عن سحب أرصدتهم من البنوك اللبنانية بعد الاضطرابات التي تشهدها عديد المدن في لبنان. تقدر أرصدة التجار السوريين في بنوك لبنان بـ30 مليار دولار".