التوتر بين فرنسا والجزائر ينتقل إلى لي الأذرع
باريس/الجزائر - اتّهمت الاستخبارات الفرنسية الداخلية مسؤولا سابقا رفيع المستوى في السفارة الجزائرية في باريس بالضلوع في اختطاف أمير بوخرص المعارض لنظام عبدالمجيد تبون عام 2024 بالقرب من العاصمة باريس، في أحدث فصل من فصول معركة لي الأذرع بين البلدين، فيما لا تلوح في الأفق أي بوادر لتسوية الأزمة المتفاقمة.
وفي هذا التحقيق الذي أشرف عليه قاض من وحدة مكافحة الإرهاب في باريس وأفضى في منتصف الشهر الماضي إلى توقيف ثلاثة أشخاص، وجّهت المديرية العامة للأمن الداخلي في فرنسا أصابع الاتّهام إلى شخص رابع غير ملاحق حتّى الساعة قُدّم على أنه "ضابط صفّ في مديرية الوثائق والأمن الخارجي" يبلغ من العمر 36 عاما وعُرف عنه بالأحرف الأولى من اسمه (س. س.)، بحسب ما أكده مصدر مطلع لوكالة فرانس برس.
ويرجّح التحقيق أنه أتى إلى باريس "بغطاء دبلوماسي بصفته السكرتير الأوّل" للسفارة الجزائرية. وهو لم يتعرّض للتوقيف ومن المحتمل أن يكون غادر الأراضي الفرنسية وقد يتحجّج بحصانته الدبلوماسية وأثير ذكره في أسبوعية "لو جورنال دو ديمانش" الأحد.
ولم تغادر العلاقات بين الجزائر وفرنسا مربع التوتر طيلة الأعوام الماضية بسبب العديد من الملفات الخلافية من بينها ملف الذاكرة المتعلق بالفترة الاستعمارية، فيما ينظر إلى السلطات الجزائرية على أنها تمتلك مفتاح التهدئة، لكن تصعيدها في العديد من القضايا من بينها التعنت الذي أبدته خلال الأزمة التي أثارها اعتقال الكاتب الفرنسي من أصل جزائري بوعلام صنصال، أجج التوتر بين البلدين.
ويرى مراقبون أن الأزمة الراهنة تعود جذورها إلى التصعيد الذي قابلت به الجزائر الاعتراف الفرنسي بسيادة المغرب على صحرائه وتعهد باريس بدعم المملكة في الدفاع عن قضيتها في المؤسسات الدولية ويتصدرها مجلس الأمن.
وخُطف المؤثّر والمعارض الجزائري أمير بوخرص في 29 أبريل/نيسان 2024 في فال-دو-مارن قبل الإفراج عنه في الأوّل من مايو/أيار من العام نفسه.
وفي منتصف الشهر الماضي، أوقف ثلاثة رجال، من بينهم موظفّ قنصلي جزائري، على ذمّة التحقيق وهم ملاحقون على خلفية الخطف والاحتجاز التعسفي على ارتباط بمخطط إرهابي.
وأفادت المديرية العامة للأمن الداخلي في تقريرها المؤرّخ في 11 أبريل/نيسان بأن أحد الموقوفين استدعى س. س. في بداية العملية أو أن الأخير شارك في لقاء للاطّلاع على آخر التطوّرات بين الرجال الأربعة بعد ساعتين من الاختطاف.
وسحب س. س. في تلك الليلة ألفي يورو من البنك لإعطاء المبلغ على الأرجح إلى خاطفي أمير بوخرص. واتّصل هاتف السكرتير الأوّل بشبكة الإنترنت بالقرب من منزل أمير بوخرص عدّة مرّات ومن حانة عهد على ارتيادها قبل أكثر من شهر على الحادثة.
وأمير بوخرص الملقّب بـ"أمير دي زد" مؤثّر جزائري يبلغ 41 عاما ويقيم في فرنسا منذ 2016، وقد طالبت الجزائر بتسليمه لمحاكمته.
وأصدرت السلطات الجزائرية تسع مذكرات توقيف دولية بحقّه متّهمة إياه بالاحتيال وارتكاب جرائم إرهابية. وعام 2022، رفض القضاء الفرنسي تسليمه وحصل على اللجوء السياسي عام 2023.
وفي اتّصال مع وكالة فرانس برس، ندّد محاميه إريك بلوفييه بما وصفه بأنه "انتهاك جسيم للسلامة الجسدية للاجئ سياسي في فرنسا وتعدّ خطير على السيادة الفرنسية"، وطلب إصدار مذكّرات توقيف. وأجّجت هذه التطوّرات الأزمة الدبلوماسية بين فرنسا والجزائر الآخذة في الاحتدام منذ أشهر.
وتصاعد التوتر بين البلدين مجددا بعد طرد مزيد من الموظفين الفرنسيين من الجزائر وهو إجراء قال وزير الخارجية الفرنسي جان - نويل بارو الاثنين إنه سيتم الرد عليه بشكل فوري وحازم ومتناسب.
وندّد بارو خلال إحاطة إعلامية في بوليفيك في غرب فرنسا بـ"قرار غير مفهوم وقاس"، مشيرا إلى أن "مغادرة عناصر في مهام مؤقتة هي غير مبرّرة وغير قابلة للتبرير"
وعلى الرغم من محاولة مصالحة في بداية أبريل/نيسان قادها الرئيسان إيمانويل ماكرون وعبدالمجيد تبون، فشلت الدولتان في استئناف الحوار بطريقة هادئة ومستدامة، حيث قامت الجزائر في منتصف الشهر نفسه بطرد اثنى عشر موظفا فرنسيا من أراضيها ينتمون لوزارة الداخلية.
وفي غياب السفير الفرنسي في الجزائر ستيفان روماتي الذي استدعاه قصر الإليزيه للتشاور استدعت الجزائر الأحد القائم بأعمال السفارة الفرنسية لإبلاغه بنيّتها طرد المزيد من الموظفين الرسميين الفرنسيين من أراضيها.
والأحد أكد وزير الخارجية الفرنسي أن العلاقات بين باريس والجزائر لا تزال "مجمدة تماما" منذ قيام الجزائر بطرد اثني عشر موظفا منتصف أبريل/نيسان ورد فرنسا بإجراء مماثل.
واحتدمت الأزمة غير المسبوقة بين الجزائر وفرنسا، المستعمر السابق (1830-1962) عندما سحبت الجزائر سفيرها في باريس احتجاجا على إعلان باريس في أواخر يوليو/تموز 2024 تأييدها خطة الرباط في تطبيق الحكم الذاتي في الصحراء المغربية.
وتفاقم الوضع في خريف نفس العام بتوقيف بوعلام صنصال وإدانته بالسجن خمس سنوات بتهمة المساس بوحدة الوطن، ثم خلافات متعددة متعلقة بالهجرة.
وتتهم فرنسا الجزائر برفض استقبال مواطنيها الذين يتم طردهم من أراضيها وبينهم مؤثرون على شبكات التواصل الاجتماعي.