التَّنوير والتحديث في السعودية.. ينتزع الشرعية

التنوير من الأعلى إلى الأسفل

بلا شك، أصبحت المواجهة بين السلفية الحركية منها التقليدية، في المملكة العربية السعودية، واضحة المعالم، فالإجراءات المتواصلة لصالح التنوير، والتي بدأت بالحقبة الجديدة، والتي يمثلها جيل الشباب، التي تولى أمر الحكم، وتبني التحديث في المجتمع والدولة، فإلغاء دور هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقرار قيادة المرأة للسيارة، وفتح المناصب، التي كانت محجوبة عن المرأة، إلى جانب تشجيع الفن باعتماد مؤسسة للترفيه الاجتماعي، والحرب على الفساد والانفتاح الاجتماعي، وما زالت الخطوات تتلاحق، كلها تؤكد انتصار الاتجاه التنويري، غير أن ذلك لم يكن بعيداً عن المواجهة، التي تتوقف يوماً، على الرغم من هيمنة تيار الصحوة الدينية، بعد حركة جيهيمان وحرب الكويت، وصعود التيار الإسلامي بفضل الثورة الإيرانية والحرب الجهادية في أفغانستان. وهنا رصد لتلك لمواجهة.

على ما يبدو انتزع تيار التنوير الإسلامي في السعودية وخفت المعانات من معضلة انتزاع الشرعي، بعد الهجمات القاسية التي تعرض لها من قبل تيار الإسلام السياسي ومن السلفيين التقليديين، وذلم بفضل الحاكم أو ولي الأمر الذي أعلن التنوير صراجة بإجراءات واضحة. بعد أن انشغل العديد من أفراد هذا التيار انشغلوا بالصراع على مكتسب (أبوية) التيار أكثر من تأسيس نظرية متماسكة لأفكاره، وما يطرحه من اجتهادات مسبوقة لا تشفع له كثيراً للبقاء كتيار فاعل، ما لم يكسر حاجز الخوف والتردد الذيَّن يحولانه بفعل الزمن إلى تيار متكلس، يردد شعارات بعناوين حالمة، دون أن ينعكس ذلك على المشهد الفكري المتغير باطراد.

يغلب على أصحاب التعاطف مع تيار التنوير في السعودية، باعتباره ضرورة ملحة لنقد الخطاب السلفي، وهم يرون أن لحظة التنوير في السعودية مرحلة انفجار مدوٍ، بدأ مع تراجع الصحوة الإسلامية بعد سجن دعاتها ثم بلغت ذروته مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر الذي أفرز جيلاً من ناقدي السلفية التنويرين الذين انتقلوا بعد ذلك إلى خيارات أكثر تطرفاً من وجهة نظرهم ليستقر التنوير الإسلامي المعتدل مع تيار بدأ يتشكل مؤخراً ويتخذ له رموزاً ذات رؤية فكرية منهجية لعل من أبرزها الدكتور محمد حامد الأحمري.

ويلح الصحفي عبد العزيز قاسم على ضرورة التمييز بين لحظتي التنوير كردة فعل، والتنوير الذي صنع على مهل\".

يرى الباحث خالد المشوح أن مثقفي التنوير يؤمنون بمرجعية الوحي إجمالاً، إلا أن أطروحاتهم الناضجة هي سبب اصطدامهم بالمجتمع: \"الأطروحات وقتها كانت غير ناضجة وتفتقر إلى المنهجية الواضحة نتيجة حداثة هذا التيار مما أوقع بعض منتسبيه السابقين في صدامات حادة مع المجتمع بالإضافة إلى الاحتكاك بين أفراد التيار ذاته\".

التنوير بحسب الكاتب عادل الطريفي، وإن كان حالة سعودية استثنائية، إلا أن رموزه تخرجوا من المدرسة التقليدية وأفادوا منها، ويؤكد :\"هناك نماذج لباحثين شرعيين سعوديين تخرجوا من المدرسة الفقهية التقليدية، ويحملون هماً تنويرياً مثيراً للإعجاب، ويمكن ضرب أمثلة بالأكاديمي والكاتب محمد علي المحمود الذي ناقش بشكل جاد الإشكاليات السلفية وموضوعات المرأة\".

ويبالغ الكاتب سليمان الهتلان في تقدير لحظة التنوير السعودي الراهنة حيث يرى أن :\"الحراك الكبير الذي يشهده المجتمع السعودي، على أكثر من صعيد، منذ الحادي عشر من سبتمبر 2001 هيأ وقاد إلى ما تشهده الساحة السعودية اليوم من حراك فكري مدهش.

جذور تاريخية

هذا ما يقوله التنويريون الإسلاميون أنفسهم، فهم يعتبرون التنوير في الحالة السعودية امتداداً طبيعياً للحراك الفكري والديني، الذي مرَّ بأطوار متعددة، كما أنهم يرون أنفسهم بعيداً عن حرب المصطلحات سلفيين إصلاحيين لكي يخرجوا من تبعات المدلول السلبي لمصطح التنوير في الوجدان السلفي.

يؤكد أحد أبرز رموز التنوير الإسلامي في السعودية الدكتور سليمان الضحيان بأن التيار التنويري الإسلام؛ تيار موجود ولا يمكن الجزم بعدد أفراده هل هم عشرة أو مائة أو ألف، كما يتحفظ على إطلاق لقب التنويريين على هذا التيار بقوله: \"نحن سلفيون إصلاحيون\"، ونجسد \"السلفية الإصلاحية\".

إن لحظة التنوير هي لحظة امتداد للتغييرات التي طرأت على الخطاب الديني في السعودية، بفعل التحديات التي جابهته في عقد التسعينات والألفين، ومن هنا فإن حصر التيار وفقاً لرؤية رموزه والمؤمنين به في مجابهة التيار السلفي ظلم كبير لطروحات هذا التيار الناشىء، وهو الأمر الذي يؤكده الأستاذ نواف القديمي، فهو يؤكد أن \"المسار الفكري لهذا التيار قد حصل له بعض التطور، فما أشرتُ إليه سابقاً من نقد السلفية قصدت به أن الرؤية للإصلاح كانت ترتكز على ضرورة الإصلاح الديني والثقافي، أي تحرير المنظومة الدينية من التقليد، وفتح آفاق الاجتهاد\".

كما تستغرب الكاتبة عائشة المطوع الهجوم الكاسح من قبل المدرسة السلفية على التنويريين، وتؤكد أن التيار التنويري لم يأت بما يخالف الشريعة تقول :\"يواجه التنويريون السعوديون عقبات كثيرة في إيصال مفهوم التنوير المؤطر بالثقافة الإسلامية وذلك بسبب ارتباط التنوير في أذهان الكثيرين بتجربة التنوير الأوروبي واعتبار التنوير السعودي امتداداً لها، ووقف التنوير في مواجهة مع التيارات المتشددة التي اتهمت التنويريين بمحاولة مسخ شخصية الأمة وتراثها الفكري... ولو عقدنا مقارنة بسيطة بين المبادئ التي يدعو إليها التنويريون ومبادئ الإسلام العظيمة لوجدنا في هذه المبادئ لب الإسلام وروحه.. وليس دفاعا عن التنويريين- وإن كانوا يستحقون ذلك- لكن هو توضيح لمن يريد أن يتعرف على ثقافة التنوير وأفكاره.. لم يأتِ التنويريون السعوديون بجديد أو خالفوا الشرع عندما تبنوا حرية الرأي وحرية الكلمة والحرية الدينية (لا إكراه في الدين) فقد كان -عليه الصلاة والسلام- يبلغ دعوته بالإقناع بعيداً عن الإكراه والضغط.. دعا التنويريون إلى الكلمة الصادقة البعيدة عن الإساءات والتجريح\".

يمكن للباحث رصد العديد من الملاحظات النقدية على مسألة (أبوية) التنوير الإسلامي في السعودية؛ التي يمكن القول إنها تحولت إلى مكتسب معنوي يتقاتل عليه التنويريون وخصومهم، في حين أن المشكلة تبدأ ولا تنتهي عند حدود المصطلح وحمولاته الفكرية وتطبيقاتها على المشهد السعودي، إضافة إلى البحث عن سؤال جوهري يتصل بحقيقة وجود رؤية فكرية متماسكة للتنوير، كما يطرحه دعاته يمكن أن تكون مستقلة عن كل الأفكار المخالفة للسائد السلفي والتي لم لم تخل منها مرحلة زمنية منذ بدايات الحالة الإسلامية في السعودية.

وهل هذه الأفكار والمقولات التي يطرحها دعاة التنوير الإسلامي الجدد ،وأبرزها يتصل بمواءمة مصطلحات سياسية مع التصور الإسلام ، كالديمقراطية وآليات الانتخاب ،أو حق الحريات العام، أو بملفات وقضايا فقهية كالحجاب والموقف من الموسيقى وحقوق المرأة ،أو يتصل بمسائل الهوية كمخالفة الرأي السائد فيما يتصل بالمظهر / اللحية يمكن أن يقودنا إلى رؤية فكرية خاصة يمكن الاصطلاح عليها بالتنوير أو التجديد؟