الثقافة العلمية ضرورة في المجتمع المعاصر

المعارف الإنسانية تعاظمت بشكل فائق التسارع منذ النصف الثاني من القرن العشرين مما أدى إلى حتمية التفرقة بين التعلم التخصصي الضيق والمعرفة العامة.
تقدم العلوم يزيد من واجباتنا نحو التثقيف العلمي
وسائل التثقيف العلمي المتاحة الآن تزيد كثيرًا عن الوسائل التثقيفية التي كانت متاحة في بداية القرن 19

القاهرة ـ من أحمد مروان

في كتابه "الثقافة العلمية ضرورة لتطوير المجتمع ومعايشة العصر"، يرى الكاتب د. منير علي الجنزوري أن هناك خطًا فارقًا بين عناصر النشاط الذهني المرتبط بالتعلم في إطار مهني معين، والآفاق الرحبة المرتبطة بالثقافة العامة التي توفر دراية واسعة المدى بمختلف الاهتمامات البشرية وتحقق تفاعل أوسع مع المجتمع، وتستهدف إشباعًا وجدانيًا وفكريًا ونفعيًا للفرد، كما تثري الأنشطة المجتمعية في مجالات متنوعة.
يوضح المؤلف أن المعارف الإنسانية تعاظمت بشكل فائق التسارع منذ النصف الثاني من القرن العشرين مما أدى إلى حتمية التفرقة بين التعلم التخصصي الضيق – ذي النفع الأكيد – والمعرفة العامة بما حولنا من معارف عظيمة التباين في مجالات حقًا متباعدة.
وبما أننا نعيش الآن في عصر تستحدث فيه كل يوم معارف جديدة تفتح آفاقًا لم تكن معروفة من قبل؛ فقد سمعنا عن غزو الفضاء والوصول إلى القمر، ونحن نسمع الآن عن الفمتوثانية وعن النانوتكنولوجي، وفي مجال العلوم البيولوجية على سبيل المثال نسمع عن الاستنساخ والهندسة الوراثية والعلاج بالجينات والخلايا الجذعية والبصمة الوراثية وعن نقل الأعضاء والأنسجة وعن تكنولوجيا مساعدة الإنجاب. فضلاً على البحوث في مجالات علم المناعة والكشف عن الجينومات والبيولوجيا الجزيئية.
إن كل ذلك - من وجهة نظر الكاتب - يدفع بنا إلى الولوج بثقافتنا العلمية إلى هذه الأطر لنخلق حولنا مناخًا علميًا مواكبًا للعصر. كما أن الإدراك الجيد لهذه المستجدات يضع إطارًا سليمًا لمن يتناولون مهمة الكتابة في مجال "الخيال العلمي"، ذلك أن من يكتب في هذا المجال عليه أن يميز بعلمه وفكره ووجدانه أطر الخيال العلمي.
التثقيف العلمي

الثقافة العلمية تعمل على تعظيم القدرة على تحليل المعلومات المتاحة وربط القضايا بعضها ببعض على وجه سليم، وتوليد أفكار جديدة تخدم الفرد والمجتمع.

ومن المؤكد أن تقدم العلوم يزيد من واجباتنا نحو التثقيف العلمي، فلا شك أن ما علينا أن نتفاعل معه من معطيات علمية الآن يزيد كثيرًا عن واجبات التثقيف العلمي في بداية القرن التاسع عشر مثلاً، ولكن من جانب آخر فإن وسائل التثقيف العلمي المتاحة الآن تزيد كثيرًا أيضًا عن الوسائل التثقيفية التي كانت متاحة في بداية القرن التاسع عشر، ويكفي فقط ما تتيحه لنا الشبكة الإلكترونية الآن من معارف عن طريق ضغطه إصبع، ولا شك أن ثقافتنا العلمية سيزيد اعتمادها على الشبكة الإلكترونية يومًا بعد يوم. كما أن وعي النخبة منا بثقافة علمية جيدة يتيح لها سبل القيادة الحكيمة للقاطرة، واتخاذ القرارات الصحيحة.
ومن المثير حقًا أن ندرك أن العلاقة بين الصفوة من أهل العلم في مجتمع ما من جانب، وعموم الجمهور من جانب آخر هي علاقة ذات اتجاهين، فإذا ما حرص مجتمع ما على دفع الصفوة لإشاعة الثقافة العلمية بين عموم الجمهور وتم توفير الآليات المحققة لذلك. فإن عموم الجمهور المثقف علميًا سيشكل عندئذ قوة ضاغطة على المجتمع وعلى الصفوة من أهل العلم لكي يعملوا على تحقيق إنجازات علمية على مستوى رفيع تضع البلاد في مستوى علمي لائق بين الدول الأخرى، ويحقق طموحات الوطن.
ويرى الكاتب أن  الثقافة العلمية تعمل على تعظيم القدرة على تحليل المعلومات المتاحة وربط القضايا بعضها ببعض على وجه سليم، وتوليد أفكار جديدة تخدم الفرد والمجتمع، حيث تستهدف الثقافة العلمية إكساب الفرد الطرق إلى المعرفة، وليس فقط تزويد الفرد بالمعرفة. وبالثقافة العلمية نستطيع أن نتخذ موقفًا سليمًا وإيجابيًا ضد من يوظفون العلم لأغراض غير سوية. 

إحساس مرهف، ومشاعر ودودة
الثقافة العلمية تساعد على تأصيل قيم الجمال والنظافة

إن توفر الثقافة العلمية لدى الأفراد يوفر لهم القدرة على التفكير المنطقي في مختلف الأمور التي تواجههم، ويساعدهم على حل بعض المشاكل التي قد تعترضهم، كما تجعلهم يتسمون بالعقلية الرقمية التي تدفعهم إلى استخدام الأرقام في عرض آرائهم، وتجنب الأساليب الخطابية المرسلة، كما توفر لهم الثقافية العلمية استخدام المصطلحات العلمية السليمة. وتفعيل التفكير في تحقيق الأهداف، وتحول الفرد – إذا جاز التشبيه – من لاعب طاولة إلى لاعب شطرنج، أي من ممارسة حياتية بطريقة عشوائية تعتمد على الحظ والصدفة إلى التفاعل مع الأمور الحياتية اعتمادًا على إمعان الفكر. 
وفي النهاية فإن الثقافة العلمية ترتقي بفكر الفرد والجماعة بما يؤدي إلى أن المجتمع يصبح مستشعرًا لقدر العلم ومدركًا لمكانة العلماء.
ويؤكد مؤلف الكتاب د. منير الجنزوري أن الثقافة العلمية تساعد على تأصيل قيم الجمال والنظافة، فالثقافة العلمية تجعلنا نرتاد متاحف الفنون ومعارض الزهور، وتجعلنا نتأمل التماثيل المقامة في الميادين، ونتأمل المباني الجميلة والكباري ذات التصميمات الجاذبة، وتجعلنا نقدر الشوارع والميادين النظيفة الأنيقة، والقاعات العامة مبهرة التصميم، والحدائق التي تلقي أشجارها وزهورها التشذيب والرعاية. ورغم أنه لا توجد صلة مباشرة بين العلم وهذه المشاهد؛ إلاَّ أن من يتمتع بثقافة علمية رفيعة نجده يتمتع أيضًا بوجدان مشتاق، وإحساس مرهف، ومشاعر ودودة، وتواصل حميم، نحو عناصر الجمال فيما حوله ككل.
يشار إلى أن كتاب "الثقافة العلمية ضرورة لتطوير المجتمع ومعايشة العصر" لمؤلفه د. منير علي الجنزوري، صدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب، ويبلغ عدد الصفحات 223 صفحة من القطع المتوسط .(خدمة وكالة الصحافة العربية)