الثقافة في العراق حصة المليشيات!

السلطة الحالية لا تحتاج إلى ثقافة ووزارة ومثقّف ينظّر ويتحدث عن أمور لاتهم سلطتها ولا تتطابق معها بحاجة إلى ثقافة التحشيد والاستعراضات الطائفيّة المخيفة التي تمكنها من البقاء والاستمرار وتكرار مروياتها وأساطيرها وهذه لا يحققها مثقّف يحققها خطيب منبر ورجل دين وفيلق من الشعراء الشعبيين.

بقلم: شاكر الناصري

الثقافة السائدة هي ثقافة السلطة والطبقات الحاكمة. وهذه بديهية راسخة منذ أول بزوغ للسلطة وآلياتها وتنامي قدرتها على فرض هيمنتها على المجتمع. الهيمنة الثقافية ركن أساسي من أركان السلطة ومن خلالها، أي الهيمنة، تتمكن من فرض نموذجها الثقافيّ، رموزها وأساطيرها على المجتمع والسعي الحثيث لأن تكون الثقافة أداة لإبراز طبيعة النظام السياسيّ السائد. ومن غير الممكن أن تقوم السلطة بدعم، أو إبراز توجهات ثقافيّة لاتنسجم مع توجهات النظام والطبقة الحاكمة، أو تتقاطع مع مرجعياتهما الفكريّة والعقائديّة.

يحدث هذا في العراق منذ تأسيس الدولة العراقيّة في 1921 وحتى هذه اللحظة. كانت حقبة حكم البعث هي التجسيد الواقعيّ والعمليّ لمعنى ثقافة السلطة السائدة آنذاك حيث تم تسخير مقدرات الدولة وثرواتها ومؤسساتها الثقافيّة والاعلاميّة لخدمة النظام الحاكم وتعزيز توجهاته وحروبه وجرائمه ونزعاته التدميرية والتغني بخصائص صدام حسين كزعيم أوحد، وبطل تحرير، وقائد ضرورة.

ما تقدم في أعلاه، يتماهى مع الحديث الدائر الان عن وزارة الثقافة في الحكومة العراقيّة الجديدة، الوزارة التي أسندت لمليشيا عصائب أهل الحق. ولعل في هذا الإسناد رسالة واضحة تكشف عما تريده السلطة ونظام المحاصصة الطائفيّة والسياسيّة من الثقافة، وعن حال الثقافة وأحوالها خلال السنوات القادمة، وما سيتم تنفيذه من مشاريع ثقافيّة وفنيّة، كتب، سينما، أفلام، مسرح، نصب وتماثيل، مهرجانات...الخ.

صراحة، لاندري، ما الذي أثار غضب الكثير من المعنيين بالشأن الثقافيّ في العراق من قضية توزير وزير مليشياويّ وتنصيبه وزيراً للثقافة؟ هل كنتم تتوقعون أفضل من هذا مثلاً، هل كنتم تعتقدون أنَّ حكاية الديمقراطيّة والاصلاح والتغيير ومواجهة الفساد والطائفيّة، ستكون واقعيّة وجديّة لو تم تنصيب وزير من توجه آخر، أو من الوسط الثقافيّ؟؟

مَن يتابع حال الثقافة وأحوالها في العراق، منذ سقوط نظام البعث الفاشيّ، ومجيء نظام المحاصصة الطائفيّة، سيعرف إلى أي درك وصلت، وأي مآلات تنتظرها، كيف تم مسخ المظاهر الثقافيّة والحضاريّة وتهميشها وإشاعة ثقافة السلطة الطائفيّة، كتب، نصب وتماثيل، أسماء الشوارع والمدارس والمستشفيات، المناهج الدراسية، المهرجانات الشعرية والثقافية التي لا تطرح إلاّ موضوعاً محدداً لايبتعد عن أساطير السلطة وقواها ومؤسساتها الدينيّة واستنهاض المظلوميّات التاريخيّة وواقعة كربلاء و السعي لأن تكون حاضرة وتفرض وطأتها على العراقيين.

يكفي أن تزور المركز الثقافيّ في بغداد وتشاهد النصب الذي شيدوه للشاعر محمد مهدي الجواهريّ لتقف على حجم البذاءة والانحطاط الفني الذي تعمل هذه السلطة على إشاعته. هل تقدم مُثقّف ما، بسؤال: لماذا تفعلون هذا بالجواهريّ، مثلاً؟. يكفي أن تسير في شوارع بغداد المدن العراقيّة الاخرى، وأن تشاهد النصب والتماثيل وكمية القبح والبذاءة الفنيّة التي تحملها، لتعرف أنَّ هذه هي الثقافة التي يراد لها أن تسود وتعم.

السلطة الحالية لا تحتاج إلى ثقافة ووزارة ومثقّف ينظّر ويتحدث عن أمور لاتهم سلطتها ولا تتطابق معها أو تسايرها. السلطة في العراق بحاجة إلى ثقافة التحشيد والاستعراضات الطائفيّة المخيفة التي تمكنها من البقاء والاستمرار وتكرار مروياتها وأساطيرها. وهذه لا يمكن أن تتحقق من خلال مثقّف ما، بل من خلال خطيب منبر، ورجل دين، وفيلق من الشعراء الشعبيين والمهاويل والتغني بالأمجاد العشائريّة، وجرح فلان واستشهاد فلان. أيام عاشوراء وطقوسها وما يتبعها من ظواهر ووقائع هي التجسيد العمليّ والواقعيّ لثقافة السلطة الحالية في العراق.

الصراع بين السلطة والمثقّف صراع طويل ومرير جداً، لأن السلطة تخشى الثقافة والمثقّف فتسعى دائماً لتدجينه وتجنيده أو نبذه وتهميشه.