الثلاثاء الأسود يفضح عش دبابير حزب الله في مرفأ بيروت

إلى حدّ الآن لم توجه اتهامات رسمية لحزب الله لحساسية الموقف والتوقيت ولعدة اعتبارات سياسية وأمنية، لكن كل الشبهات تحوم حول مسؤولية ما للجماعة الشيعية التي خبر عناصرها جيدا استخدامات مادة نترات الأمونيوم في أكثر من واقعة.
عناصر من حزب الله تدير أنشطة مشبوهة في مرفأ بيروت
حزب الله يسيطر بشكل غير رسمي على مرفأ بيروت
نصرالله ونترات الأمونيوم في ميناء حيفا
لحزب الله سجل طويل في استخدام نترات الأمونيوم لأغراض إرهابية
انفجار مرفأ بيروت حادث عرضي على الأرجح لكنه كشف أنشطة حزب الله

لندن/واشنطن - لفتت طبيعة الانفجار الضخم الذي هزّ مرفأ بيروت مساء أمس الثلاثاء والذي خلف أكثر من 135 قتيلا وآلاف الجرحى حسب حصيلة مبدئية دون احتساب الأضرار المادية الجسيمة، انتباه خبراء المتفجرات، حيث ذهبت التفسيرات إلى أكثر من فرضية بينها أن الحادث عرضي وليس تخريبيا وأنه ناجم عن اشتعال ألعاب نارية لكن تغير لون الدخان المتصاعد من الحمرة إلى السواد وإلى ما يشبه الغبار الرمادي لاحقا يحيل أيضا إلى مواد شديدة الانفجار.

وسلطت المأساة في المقابل الضوء على أنشطة خطيرة ومنفلتة وخارج رقابة الدولة لجماعة حزب الله المدعومة من إيران والتي تؤكد معلومات متطابقة أنها تسيطر بشكل غير رسمي على مرفأ بيروت ويدير عناصرها عمليات خارج نطاق القانون من دون رقابة.

وإلى حدّ الآن لم توجه اتهامات رسمية لحزب الله لحساسية الموقف والتوقيت ولعدة اعتبارات سياسية وأمنية، لكن كل الشبهات تحوم حول مسؤولية ما للجماعة التي خبر عناصرها جيدا استخدامات مادة نترات الأمونيوم في أكثر من واقعة هي محل تتبعات في الخارج.

ولا يتعلق الأمر بتورط الجماعة الشيعية في التفجير الدموي فليس من مصلحتها أن تلفت الانتباه إلى أنشطتها في ميناء بيروت القلب النابض للعاصمة، بل إن الحادث الذي يرجح أنه عرضي، فضح جانبا خفيا من أنشطته داخل المرفأ وهي واحدة من الحقائق المخفية لسنوات طويلة لعش دبابير حزب الله.    

ولم يستفق لبنان بعد من هول الصدمة التي أصابته بعد الانفجار الضخم الذي هزّ المرفأ وجواره الذي يعتبر القلب النابض للعاصمة بفنادقه ومبانيه السكنية والتجارية، لكن الحقيقة الماثلة لكل اللبنانيين أن المصائب اجتمعت عليه من كل حدب وصوب فمن أزمة تتقلب بين الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إلى أخرى صحية مع تفشي فيروس كورونا، فيما يعاني القطاع الصحي بدوره من مشاكل لا تحصى ولا تعد.

الحقيقة الماثلة لكل اللبنانيين هي أن المصائب اجتمعت على لبنان من كل حدب وصوب منذ هيمن حزب الله وصادر قرارات الدولة، فمن أزمة تتقلب بين الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي إلى أخرى صحية مع تفشي فيروس كورونا إلى تردد دولي في الدعم والتمويل

ونقلت شبكة فوكس نيوز الأميركية عن مصادر استخباراتية متخصصة قولها إن الانفجار ربما شمل أكثر من حاوية في المرفأ من دون تأكيد طبيعة العمل الإرهابي أو التخريبي.

لكن هؤلاء ذكّروا في المقابل بأنشطة حزب الله وبأن معظم العمليات في مرفأ بيروت هي تحت سيطرة الحزب وأن الأخير كان له سجل في إدارة عمليات ضمن الجريمة المنظمة خارج الميناء أيضا.

وبحسب تقرير نشره موقع 'الحرة' الأميركي، فإن أحد الخبراء لم يستبعد وجود أسلحة ومواد محتملة أخرى في المنطقة المجاورة.

وقال إيان برادبري رئيس مركز استشارات دفاعية في كندا لشبكة فوكس نيوز إن "استيراد الألعاب النارية أمر شائع والمنطقة التي تظهر في الفيديو تُظهر موقع تخزين معروف لهذا النوع من السلع. هناك بعض التكهنات بشأن شحنات الأسلحة التي تم استلامها أو تخزينها مسبقا في هذا الجزء من الميناء، لكن حتى الآن لم يتم تأكيد ذلك".

وكان الرئيس اللبناني ميشال عون وهو حليف لحزب الله قد قال عقب الانفجار، إن 2750 طنا من نترات الأمونيوم التي تدخل في صناعة الأسمدة والقنابل، كانت مخزنة في الميناء منذ ست سنوات من دون إجراءات سلامة وإن هذا الأمر "غير مقبول"، بينما تعهد حسان دياب رئيس الحكومة القريب أيضا من الجماعة الشيعية بمحاسبة المسؤولين.

وصدر أكثر من تصريح رسمي من أعلى هرم الدولة إلى المسؤولين الأمنيين يحصر الحادث في الإهمال وهو أمر يثير تساؤلات حول استعجال الجهات الرسمية في اختزال أسوأ مأساة يتعرض لها لبنان في "الإهمال" بما يبعد الشبهة عمن يملك الشحنة المخزنة من نترات الأمونيوم وكيف دخلت إلى لبنان.

كل التصريحات الرسمية تشير إلى فرضية الإهمال وهي وصفة سحرية للتغطية على أخطر قضية دفعت ليس مرفأ بيروت بل لبنان كله إلى الانهيار ولم تترك له فسحة للتعافي من جراحه.

خسائر فادحة لن يقوى لبنان المثقل بالأزمات على تحملها
خسائر فادحة لن يقوى لبنان المثقل بالأزمات على تحملها

وفي خضم هذه الصدمة وحالة الذهول تترأى جملة أخرى من الحقائق وسط كومة الرماد والركام الذي غطى وسط العاصمة وهي أن مرفأ بيروت كان يرقد على ما يشبه قنبلة ذرية قابلة للانفجار في أي لحظة بفعل فاعل أو بفعل حراري أوقد أطنان من نترات الأمونيوم المخزنة والتي تقول السلطات إنها مصادرة.

والحقيقة الأخرى التي لم يعد من الممكن إخفاؤها أو مداراتها بتصريحات رسمية مغرقة في الغموض والتسويف والمغالطة أن مثل هذه المادة الخطيرة لا يمكن الاحتفاظ بها لسنوات في حاوية دون تدابير وقاية ودون حماية لأن أي مسؤول في المرفأ بغض النظر عن رتبته وموقعه، يدرك جيدا أنها أشبه بقنبلة ذرية إذا توفرت ظروف معينة فإن نترات الأمونيوم يمكن أن تتحول من سماد زراعي إلى ألغام شديدة الانفجار ولو بكمية صغيرة فما بالك بنحو 3 أطنان أو أدنى بقليل.   

وإلى حدّ الآن لم تقدم السلطات اللبنانية المختصة تفسيرا مقنعا لوجود مادة خطيرة مثل مادة نترات الأمونيوم التي استخدمتها جماعات متطرفة في السابق في تصنيع قنابل، مكتفية بالقول إنها حاوية مصادرة.

والمصادرة تستوجب حتما إجراءات صارمة في التعامل مع مثل هذه المادة وتحديد مالكها أو مستوردها وطريقة دخولها إلى بيروت ولماذا ظلت لسنوات في موقع استراتيجي ولماذا لم تعلن عنها سابقا وهل هي بالفعل مخزنة ومصادرة منذ سنوات أم دخلت حديثا للمرفأ.

وثمة فرضية تشير إلى أن مادة نترات الأمونيوم تابعة لحزب الله الذي يمارس أنشطة سرية في مرفأ بيروت وله شبكة تواصل معقدة وأذرع تنشط في بيروت وخارجها وقد أشارت إليها قبل سنوات قليلة أجهزة استخبارات أوروبية وأميركية تتعقب نشاطات مشبوهة للجماعة الشيعية اللبنانية تتعلق بالجريمة المنظمة وتجارة الأسلحة والمخدرات.

ألمانيا ودول أخرى فككت خلايا مرتبطة بحزب الله كان عناصرها يخزنون مادة نترات الأمونيوم لأغراض ارهابية
ألمانيا ودول أخرى فككت خلايا مرتبطة بحزب الله كان عناصرها يخزنون مادة نترات الأمونيوم لأغراض ارهابية

سجل حزب الله مع نترات الأمونيوم

قد يكون تحميل حزب الله المسؤولية عن جريمة تفجير أو انفجار مرفأ بيروت أمر مبالغ فيه أو سابق لأوانه، لكن سجل الجماعة الشيعية في استخدامات نترات الأمونيوم في وقائع سابقة تُحيلها حتما إلى دائرة الشبهة.

في فترة سابقة لأحداث الثلاثاء الأسود في بيروت، برزت قضية نترات الأمونيوم وهي مادة رخيصة استخدمتها جماعات في تصنيع القنابل.

وكانت السلطات الألمانية قد اعتقلت في مايو/ايار الماضي خلية أعضاؤها من حزب الله اللبناني بناء على معلومات قدمها جهاز المخابرات الإسرائيلي (الموساد) لبرلين كانوا يخزنون شحنات تصل لمئات الكيلوغرامات من مادة نترات الأمونيوم في جنوب البلاد.

وهذا ما دفع ألمانيا في أبريل/نيسان الماضي لتصنيف الجماعة اللبنانية منظمة إرهابية وحظر أنشطتها، فيما شنت حملة أمنية واسعة في عدة مدن ضد أنشطة الحزب ومنظمات ومساجد يعتقد أن لها صلات بالحزب  

وكانت تلك القضية الأحدث التي تربط حزب الله بشراء وتخزين مواد شديدة الانفجار وان كانت معظم الأنشطة تدار عبر واجهات أخرى وتحت غطاء الاستخدامات الزراعية لمادة نترات الأمونيوم.  

وفي واقعة أخرى سابقة كانت صحيفة 'تيليغراف' قد أكدت في يونيو/حزيران 2019 أن قوات الأمن البريطانية تمكنت من تفكيك شبكة تابعة لحزب الله كانت تخزن أطنان من نترات الأمونيوم في مصنع سري للقنابل في ضواحي العاصمة لندن.

وأشارت الصحيفة البريطانية أيضا إلى واقعة أخرى تؤكد أن متطرفين لهم ارتباط بحزب الله قاموا بتخزين نحو 3 أطنان من نترات الأمونيوم بأكياس ثلج في مؤامرة تم الكشف عنها من قبل السلطات في خريف 2015.

خلية الكويت

ومن السوابق الأخرى التي تؤكد إلى حدّ ما علاقة حزب الله بانفجار مرفأ بيروت أو تجعله محل شبهة تلك التي كشفتها الكويت في العام 2015 حين ضبطت ثلاثة أشخاص على ارتباط بالجماعة الشيعية، كشفت التحقيقات أنهم قاموا بتخزين 42 ألف رطل من نترات الأمونيوم وأكثر من 300 رطل من المتفجرات و68 قطعة سلاح و204 قنابل، ضمن التحضير لاعتداءات واسعة.

نترات الأمونيوم
نترات الأمونيوم

وفي العام ذاته (2015) في شهر مايو/ايار، أحبطت أجهزة الأمن في قبرص اعتداء محتملا بضبط شحنة تقدر بنحو 420 صندوقا من نترات الأمونيوم تعود لعناصر من حزب الله.

ولم تكن تلك الواقعة استثنائية، فقد سبق للسلطات التايلندية في يناير/كانون الثاني 2012 أن ضبطت 290 لترا من نترات الأمونيوم واعتقلت أشخاص منخرطين بالأمر على صلة بحزب الله.

وبحسب تعريف في موسوعة ويكيبيديا، فإن نترات الأمونيوم هو مركب كيميائي له الصيغة NH4NO3 ويكون على شكل بلورات عديمة اللون تتسييل بسهولة لدى تماسها مع الهواء. وبسبب محتواه العالي من الآزوت يستخدم مركب نترات الأمونيوم في الأسمدة (سماد آزوتي).

وبسبب قابليته للتكتل فإنه يوجد دائما على شكل خليط (مزيج)، غالبا إما مع كبريتات الأمونيوم أو أملاح الكالسيوم.

ويستخدم أيضا في تصنيع القنابل والمتفجرات التي تستخدم في المناجم وهذا لسهولة اشتعاله لوجود الاوكسجين الوفير في الجزيئات.

وانتبهت الجماعات الإرهابية مبكرا لهذه المادة ولقدرتها على التدمير واستخدامها في صناعة القنابل فضلا عن كونها مادة رخيصة مقارنة مع المواد شديدة الانفجار الأخرى ويسهل أيضا استيرادها بصيغة مادة للأسمدة الزراعية.

انفجار مرفأ بيروت نشط أيضا ذاكرة نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي فاستذكروا في خضم المأساة مقطع فيديو قديم يعود للعام 2016 ويظهر فيه الأمين العام لحزب الله اللبناني حسن نصرالله وهو يهدد بتفجير حاويات الأمونيا في ميناء حيفا بإسرائيل، وفق ما ورد في تقرير لشبكة 'سي ان ان' أميركية.

وقال نصر الله حينها متحدثا عن قوة الردع التي بات يمتلكها حزب الله إن "بعض الصواريخ من عندنا بالإضافة إلى حاويات الأمونيا في ميناء حيفا نتيجتهم نتيجة قنبلة نووية بمنطقة يسكنها 800 ألف نسمة يُقتل منهم عشرات الآلاف".

وسارعت إسرائيل حينها إلى إخلاء مخازن ميناء حيفا من حاويات الأمونيا خشية أن تتعرض لهجمات من حزب الله.

وفي قراءة إجمالية لمجمل هذه المؤشرات مجتمعة، لا يبدو أن حزب الله خارج دائرة الشبهة في مأساة الثلاثاء الأسود التي من المتوقع أن تدخل لبنان في نفق مظلم.