الجذام دواء لمن لا دواء له!
لندن – تعد بكتيريا الجذام اخر ما قد يريد كائن بشري مصادفته، لكن علماء بريطانيين ينكبون في بحث جديد على جمع عينات منها بعد اكتشاف قدرتها المفاجئة على النمو وتجديد عضو حيوي، هو الكبد.
وهذا الاكتشاف المذهل توصل اليه الباحثون في مركز الطب التجديدي بجامعة إدنبرة، ونشر في دورية "سل ريبورتس ميديسن" (Cell Reports Medicine) في 15 نوفمبر/تشرين الثاني.
ووجد الباحثون أن الطفيليات المرتبطة بالجذام يمكنها إعادة برمجة الخلايا لزيادة حجم الكبد في الحيوانات البالغة دون التسبب في تلف أو تندب أو أورام، وقد يمنحنا فهم كيفية تجديد الطفيليات لأنسجة الكبد يوما ما القدرة على ترجمة هذه المعرفة لتطوير تدخلات علاجية أكثر أمانا، لتجديد شباب الكبد المتقدم في السن وتجديد الأنسجة التالفة.
رى الباحثون تجربتهم على آخر حيوان مُصاب بالجذام وهو أرمادلوس - حيوان ثديي صغير موجود في ولاية تكساس - ليتبين لهم أن البكتيريا المتسببة في الجذام لها خصائص أخرى غير عادية، إذ يمكنها أداء الكيمياء البيولوجية، وتحويل أحد أنواع أنسجة الجسم إلى نوع آخر، وهو ما أثار دهشة الباحثين.
وتوجد البكتيريا بشكل طبيعي في حيوان المدرع الثماني الحزم، وهو نوع من الثدييات غليظ القدم، متوسط الحجم، يوجد في أميركا الشمالية. وفي دراسة التفاعل بين الميكروب ومضيفه، لاحظ الباحثون أن الطفيل لديه قدرة غير متوقعة على اختطاف الخلايا وإعادة برمجتها.
لذلك أصاب صامويل هيس الباحث الطبي في جامعة أدنبره وزملاؤه 45 مدرعا بجرثومة المتفطرة، فقاوم 13 منها العدوى، ثم قارنوا الكبد المصاب بمجموعة من 12 حيوانا غير مصاب. وبشكل مثير للدهشة، نمت الحيوانات وظلت الأعضاء طبيعية وظيفيا، مع وجود جميع الأنواع الصحيحة من أنسجة الكبد في جميع الأماكن الصحيحة، بما في ذلك أنظمة الدم والقناة الصفراوية.
تقول أنورا رامبوكانا عالمة بيولوجيا الخلية في جامعة أدنبره -في بيان صحفي للجامعة- "إذا تمكنا من تحديد كيفية نمو البكتيريا في الكبد كعضو وظيفي دون التسبب في آثار ضارة على الحيوانات الحية، فقد نتمكن من ترجمة هذه المعرفة لتطوير تدخلات علاجية أكثر أمانا، لتجديد شباب الكبد المتقدم في السن وتجديد الأنسجة التالفة".
النتائج التي ظهرت كانت بمثابة صدمة للباحثين، الذين لم يصدقوا أعينهم، فنتائج نقل العدوى إلى كبد الحيوانات جعلت حجم الكبد يتضاعف.
قد نتمكن من ترجمة هذه المعرفة لتطوير تدخلات علاجية لتجديد شباب الكبد
يقول أنورا رامبوكانا البروفيسور في مركز الطب التجديدي بجامعة إدنبرة أنهم توقعوا في البداية أن يكون التضخم هو مرض السرطان، لكن بعد إجراء كل التحاليل تبين أنه كان صحيًا وعمليًا، فالكبد كان مكتملًا بالمجموعة المعتادة من الأوعية الدموية والقنوات الصفراوية.
وهذه النتائج تفتح الباب امام مكانية تكييف هذه العملية الطبيعية لتجديد كبد الشيخوخة وزيادة فترة الصحة -طول فترة العيش الخالية من الأمراض- في البشر. ويقول الخبراء إنه يمكن أن يساعد أيضا في إعادة نمو الكبد التالفة، وبالتالي تقليل الحاجة إلى الزرع، والذي يعد حاليا الخيار العلاجي الوحيد للعديد من المصابين حول العالم.
والجذام مرض قديم، ورد وصفه في كتابات الحضارات القديمة. وعلى مرّ التاريخ، كثر تعرض من ابتُلوا به للنبذ من مجتمعاتهم وأسرهم، وتقول منظمة الصحة العالمية في وصفه إن "الجذام مرض مزمن ومعد تسببه المتفطرة الجذامية (Mycobacterium leprae)، وهي بكتيريا عصوية الشكل مقاومة للأحماض تعيش داخل الخلايا".
ولا تظهر أعراضه إلا بعد 20 عامًا من الإصابة به، ويصيب الأعصاب، والغشاء المخاطي للجهاز التنفسي، ولا يظهر على مصابيه أية تغيرات من الخارج سوى الإصابات الجلدية من البقع الفاتحة أو الداكنة.
وما ينتشر حول تسببه في سقوط أجزاء من الجسد، فهي معلومات غير دقيقة، إذ أن ما يتسبب في ذلك ليس المرض ذاته، وإنما يحدث ذلك كنتيجة لتناقص دفاعات الجسم بسبب المرض الأساسي، فبمجرد الإصابة بالعدوى الثانوية يمكن أن تتساقط الجلود والأطراف.
وعلى عكس الوصمة التي تحيط به، فإن الجذام ليس شديد العدوى، وينتشر من خلال الاتصال المتكرر والمفرط مع مخاط المصاب. ومع ذلك، فإن 95% من الذين تعرضوا للبكتيريا لا ينتهي بهم الأمر بالإصابة بالمرض، كما يمكن الشفاء منه وعلاجه بمزيج من الأدوية الحديثة.
وتؤدي أمراض الكبد حاليا إلى وفاة مليوني شخص سنويا في جميع أنحاء العالم، ويخضع الملايين من الأشخاص للعلاج من أمراض الكبد المزمنة كل عام.