الجزائريون في الشارع حتى سقوط كل رموز بوتفليقة
الجزائر - بدأ الجزائريون التجمع بكثافة للجمعة التاسعة على التوالي بعدما شجعتهم التنازلات التي حصلوا عليها منذ بداية حركتهم الاحتجاجية وسط تصميم على انتزاع المزيد.
ومنذ الثاني والعشرين من شباط/فبراير، يتظاهر الجزائريون بالملايين في مختلف أنحاء البلاد.
وقد نجحوا في دفع عبدالعزيز بوتفليقة إلى التخلي عن ولاية رئاسية أخرى بعد حكم دام 22 عاما بلا منازع، ثم إلى إلغاء الاقتراع الرئاسي الذي كان مقررا في 18 نيسان/ابريل وأخيرا إلى مغادرة السلطة.
وقدمت السلطات تنازلا جديدا لمطالب الشارع هذا الأسبوع تمثل بتغيير رئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز الذي كان أحد "الباءات الثلاثة" من المحيط المقرب لعبدالعزيز بوتفليقة، الذين يطالب المحتجون باستقالته. والشخصيتان الأخريان هما عبد لقادر بن صالح رئيس الدولة الانتقالي ونورالدين بدوي، رئيس الوزراء.
وبين الهتافات واللافتات، يردد المتظاهرون "العدالة ربي يرحمها" و"بركات بركات من هذا النظام" و"الشعب يريد يتنحاو قاع" (ذهابهم كلهم) و"فنيش.. بلعيز.. كيف.. كيف".
ويشير المتظاهرون بذلك إلى القاضي كامل فنيش الذي عين رئيسا جديدا للمجلس الدستوري خلفا لبلعيز ويعتبره المحتجون قريبا من "النظام" الذي يريدون التخلص منه.
وكان بلعيز تجاهل في 2013 عندما أمضى بوتفليقة في أحد مستشفيات باريس ثمانين يومًا بسبب إصابته بجلطة في الدماغ، ثم مرة أخرى في آذار/مارس، طلبات بدء إجراءات لعزل الرئيس بسبب "المانع الصحي". وكان بصفته رئيس المجلس الدستوري الوحيد القادر على القيام بذلك.
ويؤكد رحيل بلعيز أن المحتجين يحصلون على تنازل جديد بعد كل يوم جمعة من التظاهرات. لذلك يبدو أن استقالته لن تكون كافية لتهدئة المتظاهرين الذين يطالبون برحيل جميع شخصيات نظام بوتفليقة، وقيام مؤسسات انتقالية تتولى المرحلة الانتقالية.
أما فنيش الذي عين رئيسا للمجلس الدستوري خلفا له، العضو في المجلس الدستوري منذ 2016 وغير المعروف من الجمهور، فيتهمه ناشطون سابقون مدافعون عن حقوق الأمازيغ منذ تعيينه بأنه طلب عندما كان نائبا عاما أحكاما بالسجن لسنوات على طلاب مدارس ثانوية وتلاميذ شاركوا في تظاهرات في أيار/مايو 1981 في بجاية بمنطقة القبائل، ونال ذلك.
وما زال المتظاهرون يرفضون تولي مؤسسات وشخصيات من عهد بوتفليقة إدارة المرحلة الانتقالية، وخصوصا تنظيم انتخابات رئاسية خلال تسعين يوما حسب الإجراءات التي ينص عليها الدستور.
ويدعم الجيش الذي عاد إلى قلب اللعبة السياسية بعد استقالة بوتفليقة، هذه العملية مقابل طبقة سياسية (المعسكر الرئاسي والمعارضة) ضعيفة في مواجهة الاحتجاجات.
وقال حسني عابدي مدير مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسطي في جنيف إن "الجيش مقتنع بأن إدارة الأزمة تمر عبر سلسلة من إجراءات التهدئة".
وأضاف أنه يقوم بذلك "تدريجيا لتقليل مدى التنازلات والتأكد" من قبول المحتجين بها.
ويتساءل المراقبون إلى متى سيستمر الجيش في الدفاع عن "العملية الدستورية؟.
وقال أحدهم طالبا عدم كشف هويته "دخلنا في لب المشكلة طالما يبدو أنه لا يمكن تقريب المواقف".
وأكد الفريق أحمد قايد صالح رئيس الأركان ورجل الجزائر القوي بحكم الأمر الواقع، هذا الأسبوع إن "كل الخيارات تبقى مفتوحة (...) لإيجاد حل للأزمة في أفضل المهل"، ما أوحى إلى أن المؤسسة العسكرية يمكن أن تلين موقفها.
وأكد أيضا أن الجيش لن يوجه سلاحه إلى الشعب وسيعمل على "ألا تراق أي قطرة دم جزائرية".
وبدأ عبدالقادر بن صالح الخميس سلسلة لقاءات "في إطار الرغبة في التشاور"، حسبما أعلنت الرئاسة.
وقالت الرئاسة إن بن صالح "استقبل (...) تباعًا، السادة عبدالعزيز زياري وعبدالعزيز بلعيد وميلود براهيمي، بصفتهم شخصيات وطنية"، موضحة أن "هذه اللقاءات تدخل في إطار المساعي التشاورية التي ينتهجُها رئيس الدولة لمعالجة الأوضاع السياسية للبلاد".
لكن هذه اللقاءات تبدو بعيدة عن رغبة التغيير التي يريدها المحتجون. فزياري كان وزيرا ومستشارا في الرئاسة ورئيسا للجمعية الوطنية في عهد بوتفليقة، بينما يقود بلعيد حزبا صغيرا قريبا من السلطة ومن المعروف أن براهيمي من أعضاء النظام منذ عقود.
أما حركة مجتمع السلم الحزب الإسلامي الذي قطع صلاته بالتحالف المؤيد لبوتفليقة، فقد أعلن أنه رفض دعوة "للقاء جماعي تشاوري".
وكتبت صحيفة "الخبر" الجمعة تحت عنوان "موسم الكذب السياسي.. بدأت مناورات الالتفاف على ثورة الشعب"، أن "بقايا السلطة تستدعي بقايا المعارضة إلى اجتماع في "محمية" نادي الصنوبر (مقر للملتقيات الكبرى ويخضع لحراسة مشددة) لاتخاذ قرار مكان الشعب (الذي يتظاهر) في البريد المركزي".
وأعلنت معظم أحزاب المعارضة مقاطعة الدعوة للتشاور ودعت إلى ضرورة تنحي الرئيس المؤقت ورئيس البرلمان وتحقيق التغيير الشامل للسلطة الحاكمة.
ولاقت الدعوة إلى الانتخابات رفضا لدى المعارضة والمحتجين، بدعوى أن الظروف غير مواتية لتنظيمها، وأن الشارع يرفض إشراف رموز نظام بوتفليقة عليها.