الجزائر تزيح الفرنسية من كليات الطب في إطار الانتقام السياسي

تبون يشيد باعتماد اللغة الإنكليزية بدلاً من الفرنسية في تدريس التخصصات الطبية بالجامعات الجزائرية معتبرا أنه يمثل "قراراً صائباً".

الجزائر - تستخدم السلطات الجزائرية اللغة الفرنسية كأداة للمناكفة والانتقام السياسي مع تصاعد التوتر مع باريس إذ تتخذ اجراءات متتالية لتقليل الاعتماد على لغة موليير في إطار تحول ثقافي وسياسي بارز كان آخر حلقاته تأكيد الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون أن اعتماد اللغة الإنكليزية بدلاً من الفرنسية في تدريس التخصصات الطبية بالجامعات الجزائرية يمثل "قراراً صائباً".

وجاءت تصريحات تبون خلال زيارة أجراها إلى محافظة بشار جنوب غربي الجزائر، حيث التقى عدداً من طلبة وأساتذة كلية الطب، بحسب ما نقله التلفزيون الرسمي.

وخلال اللقاء، سأل تبون الطلبة إن كانوا قد وافقوا على قرار التدريس بالإنكليزية، ليجيبه أحد الأساتذة بأن الكلية تعتمد منذ عام 2022 على مجلدات باللغة الإنكليزية، مضيفاً "لم يعد أمامنا خيار سوى التحول الكامل إليها"، ليرد تبون بالقول "إذاً، فهو قرار صائب".

وأشار الرئيس الجزائري إلى وجود بعض الآراء التي عبّرت عن صعوبة الانتقال من الفرنسية إلى الإنكليزية في دراسة الطب، فيما أكد أحد الأساتذة أن هناك "تنظيمات وخطط طريق" لإعادة توجيه المسار التعليمي نحو الإنكليزية.

ويأتي ذلك بالتزامن مع تخلي مؤسسات الدولة الجزائرية عن اللغة الفرنسية في المراسلات والبيانات الرسمية، والاعتماد حصراً على العربية، إلى جانب الإنكليزية.

ويرتبط هذا القرار، بحالة توتر جديدة تمر بها العلاقات الجزائرية - الفرنسية، بعد تصريحات حادة تم تبادلها بين الطرفين ذات صلة برفض الجزائر طلب فرنسا، استقبال الآلاف من مهاجريها غير النظاميين. وردت باريس على ذلك بتقليص حصة الجزائر من التأشيرات إلى النصف منذ 2021، تلتها عدة اجراءات انتقامية بين الطرفين وفترة تهدئة لم تنجح بالاستمرار طويلا لتستأنف المشاحنات الدبلوماسية. بطرد متبادل لدبلوماسيين وموظفين قنصليين بين البلدين.

وكانت باريس قد أعلنت في 16 أبريل/نيسان الجاري، طرد 12 دبلوماسياً جزائرياً، بعد أن أقدمت الجزائر على طرد 12 موظفاً قنصلياً فرنسياً.

وسبق ذلك قيام السلطات الفرنسية، مطلع الشهر الجاري، باعتقال موظف قنصلي جزائري بتهمة اختطاف ناشط معارض، ما دفع الجزائر إلى تقديم احتجاج رسمي، محمّلة وزير الداخلية الفرنسي برونو ريتايو "المسؤولية الكاملة" عن تداعيات الأزمة، معتبرة الاعتقال "مهيناً" لموظف محمي بالحصانات والامتيازات.

وانعكست هذه التوترات على المستوى الشعبي اذ يرى بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي أن استبدال الانكليزية بالفرنسية في التعليم بمثابة "انعتاق" وتحرر من الهيمنة الفرنسية.

ووجد موالون للرئيس الجزائري الفرصة ملائمة للترويج له ولقراراته، وجاء في تغريدة:

وكانت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي الجزائرية قد أصدرت مطلع أبريل/نيسان الجاري، تعليمات لعمداء كليات الطب تدعوهم إلى بدء تدريس تخصصات الطب والصيدلة وطب الأسنان باللغة الإنكليزية، اعتباراً من الموسم الجامعي المقبل، وفق "مقاربة تدريجية" تبدأ بالسنة الأولى.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي قدم نواب في البرلمان الجزائري، مشروع قانون لإلغاء إصدار الجريدة الرسمية باللغة الفرنسية، وحصر نشر النصوص التشريعية والتنظيمية باللغة العربية فقط. واستند المقترح إلى دستور البلاد، الذي ينص على أن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية للدولة.

واعتبر النواب أن هذه الخطوة تأتي في إطار "حماية مقومات الثوابت الوطنية" والتخلص مما وصفوه بـ"التلوث القانوني الناتج عن إرث السياسات الاستعمارية الفرنسية".

ونصت المبادرة التي دعمها 39 نائبًا بقيادة النائب زكرياء بلخير، عن حزب "حركة مجتمع السلم"، على إصدار الجريدة الرسمية باللغة العربية حصرا، مع إمكانية إرفاق نصوص الاتفاقيات الدولية بملاحق باللغة الإنكليزية أو لغة بلد المصدر.

كما اقترح النص القانوني، المكوّن من 23 مادة، وضع عقوبات جزائية لضمان الالتزام بمنع إصدار الجريدة باللغة الفرنسية.

وأوضحت المبادرة أن إصدار الجريدة الرسمية باللغة الفرنسية كان يفترض أن يكون مؤقتاً، وذلك استناداً إلى مرسوم رئاسي صادر في 28 مايو 1964، جاء فيه "أن الجريدة الرسمية تُحرَّر باللغة العربية وتحتوي أيضاً -بصفة مؤقتة- على نشرة باللغة الفرنسية". واعتبر أصحاب المقترح القانوني أنه "لا يُعقل أن يصبح المؤقت دائماً بعد أكثر من 60 عاماً من الاستقلال".

وأضاف المبادرون بالمقترح "لا يعقل أن تجري المناقشة والمداولة والتصويت والتصديق على النصوص التشريعية والتنظيمية باللغة العربية، وفي آخر المطاف تُنشر باللغة العربية والفرنسية معاً".

واعتبروا أن مقترحاً قانونياً يتضمن 23 مادة يلغي النسخة الفرنسية للجريدة الرسمية "يأتي في سياق تفعيل مقتضيات السيادة القانونية".

وأقرّت الجزائر منذ نهاية 2019، برنامج عمليات لتعزيز تعليم اللغة الإنكليزية في مختلف الأطوار التعليمية، خصوصاً على مستوى الجامعات، مما أزعج الجانب الفرنسي الذي رآه مؤشراً خطيراً على تراجع أدوات الهيمنة والنفوذ في هذا البلد.

وفي عام 2022 أعلنت السلطات عن إجراءات لبدء تدريس الإنكليزية، في الأطوار التعليمية الأولى، لإزاحة اللغة الفرنسية.

وتوجّه الأمين العام لوزارة التعليم العالي، بمراسلة إلى مديري الجامعات يطالبهم فيها بـ"تنظيم اجتماعات وتشكيل فرق بيداغوجية حسب المقياس أو المادة، وذلك قبل الخروج للعطلة الصيفية". مشيراً إلى أن الأمر يتعلق بـ"التحضير لاعتماد اللغة الإنكليزية لغةَ تدريسٍ بدءاً من السنة الجامعية المقبلة 2023-2024". كما أشار إلى أن ما طلبه منهم هو "تعليمات وزير التعليم العالي".